تكتب هذه الكلمة الموجزة فور الإعلان عن التوصل لهدنة حول غزة لم نعرف بعد تفاصيلها الدقيقة والكاملة.
من يقرأ المقالات والتعليقات والخطب الفلسطينية والعربية، وأخبار ردود فعل الشارع الفلسطيني، تبرز له غلبة الحماسية واللغة الانتصارية المفخمة التي كان خطاب خالد مشعل أبرز نموذج لها رغم اضطراره للقول في الوقت نفسه بأنه مع عقد هدنة. ونعرف أن هدنة سابقة وقعت، ولكن تم انتهاكها. ولا عجب في لغة مشعل الانتفاخية والمطعمة بالنفس الديني، التي تدغدغ الشارع الفلسطيني والعرب والمسلمين والتي حولته لنجم الفلسطينيين على حساب السلطة الفلسطينية الشرعية، التي يبدو أن الأحداث الأخيرة زادت من تطويقها. وأين الدبلوماسية من صاروخ يصيب تل أبيب والقدس!! فالأكثرية الفلسطينية والعربية لا تزال تعتقد أن quot; ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوةquot;. وفي استفتاء أخير تبين أن الأكثرية الفلسطينية مع إلغاء اتفاقيات أوسلو وهي التي سمحت لعرفات بالعودة لأرض فلسطينية وتأسيس سلطة فلسطينية، قامت فيما بعد حماس بتمزيقها إلى قطعتين متخاصمتين رغم أنها هي نفسها ولدت بفضل اوسلو.
في هذه المعمعة، التي لابد ولها ذيول وتطورات لاحقة، نقرأ لأقلية من المعقبين والمحللين العرب الواقعيين ما لا يعجب الهوس الانتصاري السائد اليوم، وما لا يتردد عن نقد زعماء حماس وليس فقط إدانة العمليات الإسرائيلية وما تسببه من وقوع الضحايا بكثرة بين المدنيين صغارا وكبارا.
يكتب عادل الطريفي مثلا في الشرق الأوسط بعنوان quot; من يحاسب quot;المقاومةquot;: quot;للأسف ، جماعة أصولية مثل حماس لا تكترث للخسائر الإنسانية، فهي ما تزال تراهن على أن إرهاب العدو كفيل بتغيير شروط المواجهة، لكن من يراجع مكاسب المرحلة الماضية وخسائرها يجد أن الحركة عملت على الوصول إلى السلطة عبر انتخابات سلطة أوسلو، وأظهرت علنا انتماءها إلى المحور السوري- الإيراني. لقد استعارت حماس أسلوب حزب الله اللبناني وطريقته حيث كان- ولا يزال- يصف عملياته بالإلهية رغم حجم الخسائر البشرية، والخراب في البنى التحتية، ناهيك عن اختطاف سيادة الدولة، وارتهانها للولي الفقيه.quot;
وتحت عنوان quot; صواريخ إيران مع أو ضد العرب؟!quot; يكتب محمد الرميحي كيف أن طيران صواريخ حماس للمدن الإسرائيلية احدث نشوة عربية عارمة لدى رجل الشارع العربي، وارتفعت أسهم إيران صانعة تلك الصواريخ، مع أن هناك صواريخ أخرى وعتادا إيرانيا آخر يستخدم في قتل عرب آخرين يوميا، أي في سورية. والمصيبة أن القليلين يرون التناقض بين الحالتين: فكيف تناصر إيران شعب فلسطين بينما تحارب شعبا عربيا آخر كان دوما متحمسا للقضية الفلسطينية وضحى من أجلها؟!
ومعركة غزة الأخيرة كانت مناسبة لبروز التضامن الصاخب لشبكات الإخوان المسلمين في غزة والدول العربية وتركيا أردوغان، بينما لم تمكن لغة القذائف والصواريخ الأنظمة والقوى العربية والفلسطينية الداعية للعمل الدبلوماسي من أن تعبر عن قناعاتها بشجاعة وصراحة.
وماذا عن إسرائيل؟ لاشك أن تيارات التطرف سوف تقوى أكثر فأكثر هناك، وبرغم الهدنة، فسوف يسعى نتنياهو وكل اليمين الإسرائيلي لاستغلال قذف الصواريخ الإيرانية وعملية الباص لكسب المزيد من تأييد الرأي العام الغربي وإظهار إسرائيل كدولة محاصرة ومهددة دوما من الفلسطينيين والعرب وإيران.
وما بين هذا التطرف وذاك تتراجع دعوات العمل الدبلوماسي السلمي من الطرفين، وتحاول حماس مشعل أن تحل نفسها بديلا عن السلطة الفلسطينية، وهي التي تفاوض إسرائيل وغزة لا الضفة هي التي صارت محج زعماء قطر والجامعة العربية وتركيا. وفي مقال لروجير كوهين يطالب الكاتب الغرب بالتعامل مع حماس، فيقول: quot; لن تختفي حماس ويجب التعامل معها، وما الغريب في ذلك والولايات المتحدة نفسها تتعامل مع الإخوان المسلمين [ التي تعد حماس فصيلا منهم] وكذلك مع السلفيين في مصر ما بعد الثورة...quot; وأخونا روجير هذا كان يكتب قبل سنوات سلسلة مقالات في تزكية النظام الإيراني. وأذكر أن عنوان أحد مقالاته كان التالي quot;صديقنا الذي في طهرانquot;، قاصدا أحمدي نجاد لا غير! ترى ولماذا لا يكون هذه المرة خالد مشعل!!