عمَّان، كبغداد أكثرية أهلها أغراب عنها. فالهاشميون من الحجاز، وأكثرية السكان من فلسطين. وتضاعف نموها السكاني 30 مرة خلال 1946-1984. وعمَّان ساحة للتعاون أو المواجهة للبرجوازية الفلسطينية، واليد العسكرية، الحامية للنظام، من قبائل الجنوب الأردني والشركس، كما يقول عالم الاجتماع السياسي اللبناني غسان سلامة في كتابه (المجتمع والدولة في المشرق العربي، ص 236).
الصدام الأكبر والأخير
كان الصدام الكبير والأخير بين الهاشميين والجيش في عام 1956، وبين الملك حسين ومجموعة quot;الضباط الأحرارquot;. وتمَّ حل كافة الأحزاب السياسية على إثر ذلك، ما عدى quot;جماعة الإخوان المسلمينquot;، التي اعتُبرت quot;جمعية اجتماعية كشفيةquot; وليست حزباً سياسياً، كما تبين فيما بعد. وكان الصدام بين السلطة والمعارضة شديداً. والدليل أن المرسوم الذي صدر بإتلاف ملفات المعارضة، أتلف حوالي 18 ألف ملف، كما أُفرج عن 1600 سجين سياسي، وأُعيدت الحقوق المدنية إلى 240 مهاجراً سياسياً.
في عام 1970 نشب صراع فلسطيني ndash; أردني بعد فشل الانقلاب العسكري عام 1956. وانتهى هذا الصراع بانتصار النظام، وخروج quot;منظمة التحرير الفلسطينيةquot; الى بيروت مهزومة.
وكانت من أبرز المحطات التي ظهرت فيها العشيرة لحشد التأييد الشعبي للنظام أحداث أيلول 1970، الذي شهد الاقتتال بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الاردني، حيث عبرت العشائر عن مساندتها للنظام في الصراع. وكانت تلك الأحداث منعطفاً رئيسياً رسّخ هاجس الخوف بين العشائر وبين الأردنيين من أصول فلسطينية. ويقوم النظام مذاك بتوظيف هذا الخوف للحيلولة دون التقاء الأردنيين من أصول فلسطينية مع العشائر على ما يناهض سياسته.
لا نريد جنوداً مرتزقة!
أصبح الجيش الأردني أداة ليس لحماية العرش الأردني فقط، ولكن لحماية أنظمة عربية أخرى منها، وعصا غليظة يستعملها من يدفع الثمن. وتم استعمال هذه العصا في:
1- ضرب انقلاب رشيد عالي الكيلاني بتنسيق مع بريطانيا عام 1941، وإعادة الهاشميين الى السلطة في العراق.
2- الدفاع عن الكويت عام 1961 وصد الهجوم العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم.
3- الاشتراط في الحرب ومساندة النظام الملكي ضد الجمهوريين في اليمن .
4- القضاء على الثورة الشعبية في جبال ظفار عام 1975 بطلب من السلطان قابوس سلطان عمان.
5- تدريب عدد كبير من العسكريين في منطقة الخليج.
6- الاشتراك بالقتال ضد طالبان في أفغانستان2009.
7- الاشتراك في اخماد الثورة الشعبية في البحرين عام 2011.
8- المساهمة في الإطاحة بحكم القذافي في ليبيا عام 2011.
دولة بلا جذور!
لم تكن البقعة الجغرافية التي يمثلها الأردن اليوم، إلا ممراً للذهاب الى مكان آخر. فليس للأردن دولة لها جذور في التاريخ يعاد إليها. وكان مؤسس الدولة الأردنية طارئاً على البلاد، ويحكمها بموافقة بريطانية. وكان المؤسس يعتقد أن عمان محطة للانتقال الى مملكة واسعة وهي مملكة quot;بلاد الشامquot; (سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن). لكن المحطة تحولت الى دولة مستمرة. وكانت الأسرة الهاشمية تبدو أحياناً متأرجحة في تكتيكها السياسي. وكان هذا التأرجح قد حسم مرة أولى عند فصل بريطانيا شرق الأردن عن فلسطين، (جاء في الأخبار 1/11/2012، أن الأمير حسن وفاروق القدومي يدعوان إلى إعادة الضفة الغربية للأردن. وكان الأردن قد ضم الضفة الغربية الى الشرقية عام 1951 إلى أن تم فصلهما في حرب 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية)، فنشأت في فلسطين معضلة، وحُلت لغير صالح العرب.
البداوة العمود الفقري في الأردن
والأردن بلد غير نفطي. وكانت البداوة فيه تشكل العمود الفقري للسكان حتى أواسط القرن العشرين. ويتمركز البدو في القسم الجنوبي من الأردن، كما يقول المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر في كتابه (المشرق العربي المعاصر: من البداوة الى الدولة الحديثة، ص 94).
وفي نهاية الحرب العالمية الأولى كانت الغالبية الساحقة من القبائل العربية قد أقامت علاقات تبعية مباشرة مع السلطات البريطانية.
استغلال البدو
وقد قامت سلطات الاحتلال البريطاني والفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الأولى، باستغلال البدو واستعمالهم في الأغراض التالية:
1-ترسيخ الحدود الصحراوية بين الكيانات السياسية التي أقامها الاستعمار.
2- الاعتراف بحدود الكيانات الجديدة، وتجاوز التسميات السابقة التي كانت قائمة في العهد العثماني.
3-التقرب من زعماء البدو، وتمليكهم الأراضي التي يستوطنوها شرط الاعتراف بسلطة الانتداب.
وقال الباحث محمد الفضيلات، أن الدولة الأردنية التي ولدت من رحم العشيرة انحازت سريعاً إلى الحجر، حيث دشنت منذ ثلاثينيات القرن العشرين حملة للسيطرة على المؤسسة العشائرية عبر سياسات ممنهجة وطويلة الأمد، بدأت بتوطين البدو، وانتهت بلجم أثرهم داخل مشهد الدولة. وصاحب ذلك صراع عنيف بين العشائر المختلفة على مناطق النفوذ، وبين العشائر والدولة على طبيعة العلاقة والمنفعة المتبادلة. لم ينته الصراع بتدمير العشيرة، ولا كان يمكنه ذلك بالطبع، والأهم أنه كان لا يقصده. بل هو أنجز تشويهها للسيطرة على ديناميتها، وتركها معلقة في فضاء يحد من اندماجها مع الشكل الجديد للدولة، ويعيق في الوقت ذاته تراجعها إلى مواقعها الأولى.
فهل تنقذ العشائر الأردنية وابناؤها في الجيش، النظام الأردني من زهور quot;الربيع العربيquot; الزاحف؟
السلام عليكم.
التعليقات