حتى قبل أن يصل الإخوان المسلمون في مصر إلى لُبِّ المشكلات والتحديات يواجهون، وهم في الطريق إليها، أزمات امتلاك القرار الذي يمكنهم من التصدي لها.

فحتى لو خُلِيَّ بينهم وبين حكم مصر فإن المشكلات المتراكمة، وأبرزها اقتصادي، ليس من السهل تجاوزُها في هذا المناخ العالمي الذي لا يزال يعاني الأزمة.

وفي هذا الجانب كشفت وكالة الأناضول للأنباء، عن مصادر اقتصادية مصرية، أن مؤسسات مالية دولية ودولا ستعقد اجتماعات خلال شهري ديسمبر الحالي ويناير القادم؛ لبحث منح مصر قروضًا تبلغ قيمتها 14.5 مليار دولار، توجه لسد عجز الموازنة، ودعم الاحتياطي من النقد الأجنبي، الذي فقد أكثر من 60% من قيمته منذ قيام الثورة ليصل إلى 15.4 مليار دولار نهاية أكتوبر الماضي.

فالتحديات الحقيقية لما تبدأ بعد. والملحوظ أن حالة الإرباك والتخبط التي تبعت الثورةَ المصرية، لم تكن بسبب إدارة المجلس العسكري، فقط، ولا هي خاصة به، فقط، فقد شاركت فيها القوى السياسية، ومنهم، الإخوان، بل أصيبت بها، كذلك.

وكانت هذه المعاناة تتجلى في تعريف الإخوان لأنفسهم: هل هم جماعة دينية إسلامية تريد تطبيق الشريعة؟ كما طرحت الجماعة في المرحلة الأولى للتنافس على الرئاسة، أم هي مُرشَّحة الثورة، وتريد دولة مدنية حديثة ديمقراطية، بعد أن استقرت المنافسة بين أحمد شفيق ومحمد مرسي؟

ولا يخفى أن ما يحرك الإخوان في تقديم شعار، أو تأخير آخر، وفي التبديل والتغيير في أمور هي من صلب تكوينهم الفكري هو الرغبة في استجماع أكبر قدر ممكن من المنتخبين، قبل الانتخابات، ثم أكبر قدر من المناصرين بعد الفوز بالرئاسة.

وبعد أن تحالفت الجماعة مع السلفيين صارت أكثر حرصا على التوافق معهم، إسلاميا، وإن لم يكونوا هم كذلك، بعيدين عن الخط البراغماتي الذي اختطته جماعة الإخوان.

ولكن وسط وقوع الرئيس (المنتخب بأغلبية ضئيلة) تحت تحديات شتى داخلية وخارجية صارت تصرفاته أقرب إلى الانفعال والاستباق.

التحديات الداخلية:
فكانت التحديات الداخلية من أنصار النظام السابق، الذين لا يزالون يقبضون على كثير من وسائل الإعلام، والفضائيات، وكذلك منهم كبار رجال الأعمال، وأرباب المال.
ولم يكن هذا التحدي بالهين، إذ لا يزال الرئيس مرسي عاجزا عن تغيير حقيقي في مؤسسة القضاء، وقد كان للنظام السابق يد فيه...وقد كان رجال القضاء رأسَ الحربة في التمرد على مرسي وإعلانه الدستوري، ومقترح الاستفتاء على مشروع الدستور.

ومع ذلك فإن التحدي الذي لا يقل خطورة يتمثل في تلك القوى والنخب، وحتى الشرائح الاجتماعية من الطبقة الوسطى التي لم ينجح الإخوانُ في كسب ولائها، أو على الأقل في تحييدها؛ فتجلت في معارضة فكرية تنادى بتجنيب الدولة الصفة الدينية، وظهر ذلك في الخلاف حول المادة المتعلقة بالشريعة: هل هي مبادىء الشريعة، كما يقبل الليبراليون، أم هي أحكام الشريعة، كما أصر السلفيون؟

كما ظهر خروج هذه الجموع المؤثرة، وعدم انصياعها للإخوان في الشعارات التي نددت بحكم laquo;المرشدraquo; في إشارة إلى مرشد الجماعة الذي له تأثير على قرارات الرئيس، وتوجهاته.

وبموازاة هذه التناقضات مع الجماعة ظهرت بوضوح، وعمق، أزمةُ ثقة في نوايا الرئيس وجماعته بالاستحواذ على سلطات الدولة، حين قرر الإعلانَ الدستوري الذي حصّن قرارات الرئيس من الطعن من القضاء، مع أنه هو في المقابل ربما يكون مدفوعا إلى ذلك؛ نتيجة خوفه من حل المحكمة الدستورية العليا للجمعية التأسيسية ( كما حُلَّ مجلس الشعب من قبل) التي انتهت من صياغة مواد الدستور، متعجلةً في مرحلته النهائية، بعد الانسحابات، حتى لم يتبقَ إلا الإسلاميين، تقريبا، أو من يتوافق معهم من غيرهم.
التحدي الخارجي:
وكل هذه التحديات تقف في مقابل التحدي الخارجي، حيث يحرص الرئيس مرسي على تبديد مخاوف الدول الغربية، وأمريكا، من أن يكون الإخوان على قدر من laquo;التطرفraquo; أو التهاون تُجاه المطالب الدولية، وأهمها أمن إسرائيل، ومكافحة laquo;الإرهابraquo;.

وقد اجتاز مرسي بقدر ملحوظ من (النجاح) هذه الاختبارات، سواء في جهوده الجادة في محاربة الجهاديين في شبه جزيرة سيناء، وهو الأمر الذي نال رضا حكومة اليمين برئاسة نتنياهو، وحتى المخاطبات الدبلوماسية كانت على درجة عالية من الاحترام والتبجيل، حين خاطب رئيس إسرائيل، شمعون بيرس، بالصديق الوفي، وكان من آخر الدلائل على مُضيِّه في هذا الاتجاه
حين انخرط مع الدولة الإقليمية، الأقرب للتعاون مع أمريكا، وهي تركيا، والدولة العربية الأنشط في هذا الاتجاه، وهي قطر، في التوصل إلى هدنة بين حماس وإسرائيل.

ولكن واشنطن، برغم هذا التجاوب المشجع من جانب الإخوان ومرسي، وهو ما قد يُؤمِّل في
نجاحات أكثر أهمية، بإقناع حماس بالاقتراب أكثر من دول الربيع العربي، أو من محور الاعتدال، كما كان يسمى، مقابل محور إيران، وتتويج ذلك بالمصالحة الفلسطينية؛ ما يمهد لحالة أقرب إلى حل القضية الفلسطينية، بالضغط على إسرائيل، حين لا تَبقى لها ذريعة.

بالرغم من هذا التجاوب الإخواني فإن واشنطن لا تستطيع أن تغض الطرف عن تأزم الإخوان في حكم مصر، وتأزيم البلاد معهم، فلا بد من قدر من الاستقرار يسمح بأداء مصر للدور المنوط بها، وحتى لا تصبح هي عبئا جديدا، يضاف على أعباء المنطقة الفائضة.

وهي في هذه المرحلة تترك واشنطن الأطرافَ تتوصل إلى توافقات بينها، دون أن تظهر تدخلا مباشرا، أو صريحا، مع حرصها على احترام الدستور حقوق الأقليات والمرأة.

الأزمة داخلية:
ومن الواضح أن أزمة الإخوان في مصر داخلية، في المقام الأول، حيث لا يبدو أنهم نجحوا في قيادة الناس، بفكرهم، مع وجود تأييد واضح لهم في الشارع المصري، إلا أنه لم يبلغ مرحلة الحسم.
وهذه الأزمة هي التي تجعل موقف الرئيس أمام الضغوط الخارجية، أضعف، وقد يستجيب أكثر للمطالب الدولية الأمريكية؛ لسد الخلل الداخلي، أو التغطية عليه، ولكن ما لم ينجح ذاتيا، وداخليا، فإنه لن يكون أكرم على أمريكا من مبارك الذي تخلت عنه.

ومع ذلك فإن واشنطن لا تتسرع في التخلي عن مرسي، ولا سيما مع عدم تماثل الأطراف المقابلة له للحكم؛ بسبب ضعف تماسكهم، ولأنهم يقابلون خصما سياسيا لا يُستهان به، وهم الإسلاميون.
ومن المؤكد أن أمريكا تحاول الاستفادة من هذا الصراع الداخلي في جعل الكل يرجو دعمها، ولو سرا، وإن كان بعضهم في العلن، يعلنون ضيقهم بالتدخلات الأمريكية.

[email protected].