في خضم ظروف دولية وإقليمية ووطنية بالغة الحساسية والدقة و التعقيد، وفي اجواء الربيع الثوري العربي واعاصيره العاصفة التي ضربت الشرق القديم وأبتدأت إرهاصاتها من تونس ( المغاربية ) وهروب الدكتاتور زين العابدين بن علي و أتبعته النهاية التراجيدية لنظام العقيد الجماهيري الأخضر وبداية تساقط الأنظمة الشمولية و الحزبية التي اسست لمنهج التوريث الثوري بمرتكزاته الفاشية، ومع وضوح صورة الصراع المستقبلي في سوريا بعد الثورة السورية التي حققت إنتصارات ميدانية هائلة وحققت زخما نضاليا شامخا سيؤسس لعقد سياسي و مستقبلي جديد في الشرق القديم، يعقد حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية المغربي مؤتمره الوطني التاسع الذي سيرسم خيارات المرحلة القادمة وسينتخب أمانته العامة الجديدة ويضع الأسس و البرامج المستقبلية لمستقبل الحراك السياسي المغربي و الذي شهد منذ عام 1998 وبداية ماعرف بمرحلة التناوب السياسي التي دشنها الأمين العام الأسبق للحزب المناضل عبد الرحمن اليوسفي و تسنمه لرئاسة حكومة وطنية رسمت خطوط بدء مرحلة وطنية جديدة و انهت رسميا صراعا حادا وشرسا مع العرش المغربي ومع سلطة الملك الراحل الحسن الثاني إستمر لعقود طويلة وفي علاقة كانت متأزمة و متأرجحة بين الشد والجذب، بين التوتر الشديد و الصمت الخجول، علاقة كانت دموية في بعض جوانبها وجافة في جوانب أخرى، وكان من المفروض أن تستمر علاقات التحسن وبناء الثقة بين الإتحاديين والمخزن وتتوطد أسس التعاون بين الطرفين لبناء تجربة مغربية دستورية قوية راسخة تعوض سنوات العذاب و تلغي ذكريات و إشكاليات ( سنوات الرصاص )، إلا أن رحيل الحسن الثاني في 23 تموز/ يوليو 1999 وتغيير معادلات وشكل وطبيعة إدارة الصراع قد أديا في نهاية المطاف إلى غضبة و إنسحاب اليوسفي من رئاسة الحكومة عام 2002 وتكليف رجل الأعمال إدريس جطو برئاسة الحكومة في إنقلاب واضح على مرتكزات العملية السياسية رغم بقاء الحزب في الحكومة بشخوص وزرائه المعروفين!، وهو ما أدى في النهاية لتراجع و إنحسار مريع في شعبية الحزب وتباطؤ في أدائه الجماهيري و خفوت الهالة الجماهيرية مع متغيرات في الشارع المغربي تمثلت في تصاعد التأييد للأحزاب الدينية بأشكالها التقليدية و السلفية ومع إعلان الدستور المغربي الجديد في صيف عام 2011 والمباشرة بتطبيقه ميدانيا جرت الإنتخابات البرلمانية الأخيرة لتسفر عن فوز كبير لحزب ( العدالة و التنمية ) الإسلامي ( إخوان مسلمين ) و تكليف أمينه العام ووفقا لمقتضيات الدستور الجديد بتشكيل الحكومة وهو السيد عبد الآله بنكيران وهو ماحصل بعد مشاورات ماراثونية قاطع خلالها الإتحاديون تلك الحكومة ورفضوا المشاركة بها وفضلوا إتخاذ جانب المعارضة البرلمانية ومحاولة إلتقاط الأنفاس و العودة الجديدة لقيادة الشارع المغربي في أجواء صعبة وتيارات متغيرة و مشاعر متباينة، تجربة الإسلاميين المغاربة في السلطة لم تسفر حتى اليوم عن نجاحات ميدانية حقيقية تشعر بها الجماهير وتتلمس آثارها المباشرة بل أنها إمتداد لعمل حكومي رسمي لا توجد بعد أية تطبيقات عملية ونتائج مستفادة منها شعبيا وهو ماقد يشكل رصيدا جديدا لعودة الإتحاديين لقيادة الشارع، وهي مهمة صعبة في ضوء إختلاط المواقف وبروز قوى شعبية وشبابية جديدة تتحرك في الشوارع كجماعة 25 فبراير و الجماعات الشبابية الأخرى وحشود المعطلين الهائلة التي دخلت في صدامات مع سلطة المخزن الحكومية إضافة لتصاعد شكاوي جماعات حقوق الإنسان و قلقها و مخاوفها من عنف السلطة بل و تحذيراتها من العودة الممنهجة للدولة البوليسية في زمن ووضع لايحتمل أبدا تلكم التوجهات.
يمثل حزب الإتحاد الإشتراكي في تاريخ المغرب المعاصر قيمة نضالية وسياسية كبرى للغاية و يشكل تاريخه جزء فاعل من تاريخ صراع الحركة الوطنية المغربية من أجل تأسيس حياة دستورية وديمقراطية في ظل الإلتزام بالولاء للعرش العلوي ولكن وفق مقاييس ديمقراطية مختلفة، ولقد أبرز هذا الحزب الذي تعرض لإنشقاقات خطيرة و تقاطعات كبرى عدد من الرموز الوطنية البارزة، إنه حزب المناضل الرمز الشهيد المهدي بنبركة، كما أنه الحزب الذي دخل في صراعات شرسة مع جنرالات السلطة الأقوياء أيام زمان من أمثال محمد أوفقير، وأحمد الدليمي وإدريس البصري وغيرهم من رموز مرحلة سنوات الرصاص وكلهم تلاشوا في سراديب التاريخ السوداء بينما بقي إسم الإتحاد الإشتراكي معلما نضاليا بارزا، إنه الحزب الجماهيري الذي قاده الراحل عبد الرحيم بو عبيد حتى وفاته عام 1992 ثم قاد سنوات التحول التدريجي نحو الديمقراطية البرلمانية ومحاولة ترسيخ أسس دولة القانون وساهم في عملية المصالحة الوطنية وإغلاق الملفات السوداء كملفات المعتقلين كمجموعة تازمامرت ومجاميع أخرى كانوا ضحايا لعقود الصراع السياسي الشرس في ستينيات القرن الماضي وفي السبعينيات المتفجرة بعد محاولتي الإنقلاب العسكري في أعوام 1971 و1972 ثم المواجهات مع المجاميع المسلحة التي قادتها الخطوط العسكرية في حزب الإتحاد الإشتراكي في مولاي بو عزة عام 1973 وما أتبع ذلك من صراع إستمر حتى عام 1998 ودخول المغرب في مرحلة جديدة و مختلفة من إدارة الصراع الداخلي، الإنتخابات لقيادة الحزب خلال المرحلة الصعبة القادمة يخوضها عدد من القياديين البارزين بعد إنسحاب الخط القيادي الأول ممثلا في محمد اليازغي وعبد الواحد الراضي وحيث تبرز اليوم أسماء فتح الله ولعلو عمدة الرباط الحالي، وأدريس لشكر القيادي و البرلماني والحبيب المالكي الوزير السابق والمخضرم وحسن الزيدي المرشح القوي وكذلك أحد شباب الحزب الطالبي، من سيتحمل مسؤولية قيادة الإتحاد الإشتراكي خلال المرحلة القادمة سيتحمل دون شك مسؤولية تاريخية وتنظيمية كبرى فالتحديات كبرى، ودولة المخزن المغربي لن تستسلم بسهولة لأنها نتاج خبرة تاريخية في إدارة الصراع؟ ولكن السؤال الملح هو هل سيكون حزب الإتحاد الإشتراكي بمسؤولية قيادة المرحلة المقبلة بعد تغير المزاج الشعبي و الشبابي خصوصا؟.. ذلك هو التحدي الأكبر.... وفي المغرب كل الخيارات مفتوحة...!
التعليقات