قبل بضعة أيام نشرت مقالة بجريدة أيلاف بعنوان الحقيقة التي يتنازعها المالكي وبرزاني. وكانت للمقالة اصداء واسعة، ولكن ما أستوقفني هو بعض التعليقات غير المنصفة التي كتبت من بعض القراء الكرد ووصفت بانني اتميز ( بالعراقجية ). وكأن العراقية أو الانتماء اليها يعتبر تهمة في اقليم كردستان. وهذا بحد ذاته طمس لوقائع الحياة والجغرافيا!

أن تكون عراقيا وطنيا في توجهاتك اذن نقص في الولاء في كردستان ؟وصار الأيمان بها خروج على الكيان القومي وتهديدا للنظام!! وهكذا تصبح كرديا بقدر تبتعد عن الروح الوطنية والعراق.
فهل القول بوجود الكرد والعرب كمكون موحد يمثل الانتماء الوطني الواحد، تعتبر انسلاخا من هويتك الوطنية، وكأن الولاء للكيان القومي شرط لنيل رضا الجماهيير، لأن التذكير بحقيقة الانتماء العراقي يهدد الكيان الذي يخطط له ويفضح الزور والتزوير ودور القوى الأجنبية والاقليمية في ادارته.

وهكذا تصبح كرديا في الصميم بقدر ما تبتعد عن الوطن الواحد والعمل بروح الفريق الواحد.
لقد أدى هذا المنطق المشوه الى اعتبار التعامل مع الدول الاقليمية التي تعادي العراق والأستقواء بهم في هذه الظروف الحساسة حماية للكرامة والسيادة الوطنية حسب تصريحاتهم في وقت تنتهك أجواءنا بأستمرار من تلك الدول وتقصف بعض المرات مناطق حدودية ويروح ضحيتها مواطنون ابرياء.

لقد تيسر للبرزاني أن يستفيد من زمن التراجع العراقي فيمارس الابتزاز على جبهتين: يبتز شيعة العراق،المتضررين من مواجهة الارهاب والضغوط الأقليمية، فينتزع منهم الاقرار بغربة العراق عنهم، ويبتز عرب السنة المستعضفين بتخلي أخوانهم العرب عنهم، اي تلك الأنظمة العربية البائسة المتسمة بمختلف سمات التخلف والقمع والتفريط بمصالح الوطن العربي أو حتى سيادته والأستسلام امام الغاصب والطامع فينتزع منهم الواقع الأحتلالي كحقيقة نهائية.

ومؤلمة هي المفارقة أن يتمكن البرزاني الذي كان دوما يحمل شعار الأخوة العربية الكردية من تحقيق هذا النجاح الباهر في انكار هوية العراق الحقيقية العربية منها والكردية، وأن ينتزع من عراق زمن الهزيمة اقرارا بهذا الهراء.

فالعراقية هي الانتماء الحضاري والثقافي و التاريخي لهذه الامة. وهو الهدف والمشروع الى غد أفضل لا يمكن أن يبني بغير أن تلحق الهزيمة بأعداء هؤلاء جميعا كائنة ما كانت أسمائهم والصفات.
فهل شردهم الايديولوجيا؟

لنعد الى أرض الواقع، والى حقائق السياسة والحياة اليومية،
وأولى تلك الحقائق أن تراجع الروح العراقية في العراق يعني بروز النزعات القومية والطائفية فيها، وأن التوكيد على هويته الموحدة ليس ترفا، بل هو تحديد ضروري ونهائي لموقعه في خريطة المنطقة.. فهو يكون من العرب والكرد ومعهم وبهم ولهم أو يتحول الى كيانات متفرقة تحل القوميات والطوائف والمذاهب والعناصر والعشائر محل الوطن الواحد. وتشكل جسر عبور لسرطان الفتنة والأقتتال الداخلي الى كل أرض سالمة مجاورة.

وحين يكون العراق موحدا كما هو في حقيقته لايكون تفضلا من رئيسه اقليمه أن يلغي اتفاقات احادية الجانب مع دول اقليمية او يتوقف عن العمل المنفرد خارج نطاق الدولة الاتحادية، بل يكون في أحسن الحالات رجوعا الى جادة الصواب وتراجعا عن خطيئة مميتة.

ثم ان الالغاء قد لا يكون كافيا للمكون الكردي، بل لا بد من توفير الضمانات لعدم انجراف هذا الحكم أو اي حكم اخر لأي عمل خاطيء ضد الشعب. والضمانات تكون من الداخل وفيه أولا وقبل أن تكون خارجية، الكرد العنصر الأساسي في العراق، الوطنيون حتى النخاع، المقاتلون والمستشهدون من عراق الوطن، هم الضمانة الاولى وألاهم،ويجب أن تتأكد صفتهم هذه مرة والى ألابد، وأن لا يظلوا مدانين بالداخل بتهمة الولاء للولايات المتحدة الأمريكية أو لبعض الدول الاقليمية.

ثانية تلك الحقائق ان قوة العراق في كردستان تكون بقوة العراقية فيه، ومهما كانت الدولة قوية في بغداد فستظل ناقصة بقدر النقص أو الضعف في الروح الوطنية العراقية في أقليم كردستان. فكيف اذا وصل بهم الأمر الى انكار هذه الحقيقة الحيوية؟!

ثالثة تلك الحقائق انه لاتوجد كردستان منفصل عن العراق.وانما هوء جزء أساسي من الوطن وعلى الدولة استيعاب خصائص كل العراقيين. فالحكم هو وحده طرف في صفقات اقليمية يعقدها هنا وهناك. أما الشعب، الناس في بغداد والموصل وكركوك وأربيل ودهوك والسليمانية والبصرة فهم من سيبقى وهم الذين لا يتغير موقفهم وموقعهم مع تقلب الريح ودوران الفلك.
فالتجارب المريرة والمكلفة التي عشناها عبر سنين طويلة كافية لان تقنع اعظم المتعصبين عنادا بان لا حلول من طبيعة قومية او طائفية لاية مشكلة تواجه العراقيين.

كاتب صحافي عراقي
[email protected]