ربما قرأ الكثير منا خبر تهديد زعماء عشائر اردنية باسم (الجبهة العشائرية الأردنية للإنقاذ) باسقاط النظام الهاشمي ومصادرة اموال الأسرة المالكة وتحويلهم الى المحاكمة لمسئوليتهم عن بيع الممتلكات العامة في الاردن وتشجيع الفساد والفاسدين وسرقة اموال الشعب الاردني ومحاكمتهم بتهمة الفساد والماسونية وما إقترفوه بحق الأردن وفلسطين وشعبيهما وهويتهما وقضيتهم. ورد ذلك الخبر في عرب تايمز يوم الأثنين بتاريخ 19 نوفمبر.2012

ولستُ هنا في موضع تحليل النظام الأردني العشائري وتفسير رؤية العشائر فيه بقدر ماأره ينطبق على تفكير معظم مفكرينا وأساتذتنا وقادة مجتمعاتنا في العراق الذين يباركون ويعللون، في حيرة وفوضى فكرية، الدوافع والأسباب التي دفعت بالشعوب الى الثورة وتغيير أنظمة وألأطاحة بحكام وجعلوا من نظرياتهم في التحالف العشائري، مسيرة عشائرية تحدد النجاح للديمقراطية والحضارة.

وربما قرأ البعض تصريح الامين العام لوزارة البيشمركة الكردية الفريق جبار ياور من مدينة أربيل ( إن قواته رصدت تحركات ارتال للجيش العراقي مزودة باسلحة ثقيلة اتجاه المناطق المتنازع عليها وأكد الحصول على خطاب اداري لقيادة القوات البرية تصف قوات البيشسمركة بالعدو ويدعو لمواجهتها مؤكدا ان الحكومة المركزية تقوم بتسليح ابناء العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها وان رئيس الوزراء نوري المالكي يقوم بتسليح العشائر العربية في محافظتي ديإلى وكركوك شمال شرق بغداد بشكل مكثف مؤكدا أن quot;الجيش الاتحادي يحشد قواته في تلك المحافظتين فضلا عن قضاء مخمور التابع لمحافظة نينوىquot;. واوضح أن quot;تلك القوات مجهزة بأجهزة جديدة ومدافع ودباباتquot;، معتبرا quot;هذا التحشيد بمثابة إعلان حربquot;.quot;

ترديد نغمة التهديد العشائري باللجوء الى السلاح لا يجعل العراق في مصاف الدول الديمقراطية المستقلة وفق صيغ الأعتقاد العشائري بديمقراطية الأقطاع والتوسع في أرض تمتلكها الدولة وليس أشخاص ولاعشائر ولامليشيات مسلحة. ومما يؤسف له، أنها حالة فريدة قبلتها وتقبلتها الدول المسيحية الغربية التي أستعمرت هذه البلدان، وأعترفت بتقاليدها العشائرية وطبقتها عليهم منذ سقوط الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918. وعندما تأتي على قائمة الحكام والشيوخ العرب الذين أولتهم بريطانيا وأمريكا السلطة أليهم بعد الحربين الاولى و الثانية تجد هذه الحقيقة وتجد أن روادها ماهم أِلا عشائر محلية منحها الأنتداب ماتأمل به من سلطة لحكم السلالة والعائلة وأقطاعية الأرض. كما أن الضباط الذين ثاروا على حكم السلالة والعشيرة ظلوا في حرب مع رؤساء هذه العشائر وتقاليدها وقيمها وقوانينها وقومياتها البدائية. وظلت هذه العشائر وشيوخها تحضى بأهتمام الأدارات البريطانية والأمريكية ويناقشون ويبحثون معها معضلات وأزمات الشعوب والثورات القومية ويعقدون معهم التحالفات التي تتماشى مع عقلياتهم، وأذا تطلب الأمر، توريطهم في صراع عشائري أبدي مدمر.

بعض الأمريكيين العارفين بتاريخ الحضارات وتأسيس الأمم يرون هذا الدور، وهو الدور الأمريكي (السياسي) التخريبي ويصلون الى قناعة ثابتة مبنية على الدراسات التاريخية التي تتلخص بأن الأدارات الأمريكية جميعها، ألبستْ بعض حكام العشائر جلباب الديمقراطية والحضارة، أو كما قال أستاذ في العلوم السياسية quot; أينما حلَّ الأمريكيون بحجة المحافظة على الأمن ونشر قيم الديمقراطية، أِنعدم الأمن وأنتشرت الديمقراطية العشائرية quot;. هذا مانراه في الصراع العشائري الليبي المسلح بعد رحيل لقدافي وأنتشار الصراع في تونس والجزائر والسودان ومصر واليمن وسوريا والعراق.
ويتجه المخطط الغربي الصهيوني لأتمام تدمير الشعوب العربية بأشعال فتن عشائرية شيعية- سنية، أو تحريض رئيس عشيرة قومية ndash;ضد قومية بأسنادها علناً وسراً وتثبيت الأعتقاد بأن الأنسان يلبي أولاً عشائرية مجتمعه ويبارك نجاحها.

ويجري في بلداننا، العراق ومصر وتونس وليبيا والجزائر والسودان واليمن وسوريا عملية أعادة تشغيل عجلة الديمقراطية بالأصرار على أِدخال العشائرية والقومية في مناحي العمل السياسي لأرضاء اطراف النزاع والسيطرة على تفكيرهم البسيط. وهناك جوانب مميزة ومهمة في هذا المقال وتتعلق بالأحزاب السياسية العراقية من قومية، دينية، أو علمانية، وقادتها الذين أِلتهموا سابقاً مفاهيم الشيوعية والرأسمالية بطريقتهم الخاصة ونددوا بالعقلية العشائرية ويتراجعون عنها الآن الى العمل الأداري العشائري وسيطرة الأسر الأقطاعية.

فقبل عام 2003، نتذكر ُ جيداً، ترحيب الكتل والأحزاب ومنظمات المجتمع العراقي بالديمقراطية ورغبتها بتطبيق نظام فدرالية الدولة وصاغوا بنوده بأيديهم. وكان ممثلو المعارضة الذين ألتقيناهم في واشنطن وكاليفورنيا وأيرزونا وعمان ودمشق وبيروت وبغداد يعتبرون مفاتيح النجاح للعمل الديمقراطي هو علمانية الدولة وفك السيطرة العشائرية ( ل ألبو عشيرة فلان وألبو فلان ) عن التحكم في شؤون الدولة والألتزام بقوانينها الوضعية والدستورية.

فماذا حدث؟ وكيف تغيّرَ العلمانيون والشيوعيون والتقدميون والليبراليون الى التمسك بأعتقادات عشائر الديمقراطية التي تقاد بعشائر ومليشيات السلالة الواحدة كالطالباني والبارزاني وأسرتيهما والتأكيد على أن المستقبل الزاهر للديمقراطية العشائرية يتطلب طرق أبوابها والثبات على مسيرة المطالبة بالأرض؟

لقد كان متوقعاً فشل مباحثات العنترية العسكرية بين اللجنة الفنية لوزارة الدفاع العراقية وممثلي أدارة مايسمى quot; وزارة البيشمركة quot; ومطاليبها التي تتجاوز ال 14 فقرة، لأن العشائرية الأعلى منهم يتحكمون ويتصرفون بأرض العراق بعقلية الأقطاع quot; هذا أليّ هذا أِلك quot;. ويبدو أن قناعات مساحات ألارض بدأت تغزو عقول المثقفين وقادة المجتمع المدني من العرب والأكراد، بقوة وأنتهازية مفرطة، ترجع بنا الى الحرب العالمية الأولى أو ربما قبلها. أن مايشغلنا حالياً هو أننا مُسيّرون بمذاهبنا وعشائرنا وقومياتنا وطروحاتهم الفكرية التي يختارونها بذكاء وفي أغلب الحالات بغباء وجهل، وماعلينا مع الأسف أِلا الأختيار.


باحث وكاتب سياسي