حدث مالم يتوقعه احد علي مسار الثورة المصرية منذ بداية اندلاعها وحتي الآن، فالرئيس مرسي أول رؤساء الجمهورية الثالثة أصدر فرماناته الشهيرة من أجل تحصين منصبه، وهو الأمر الذي أثار حفيظة فريق لا بأس به من الناس،خاصة رجال القضاء وسائر ما يطلق عليه بالقوي السياسية، ومن ثم وقف الجميع له بالمرصاد، رافضين تلك القرارات بشكل غير مسبوق،بل ومعلنين الحرب علي الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها.

المشهد يبدو باختصار شديد القتامة بل ومصحوب بنذر ثورة جديدة تلوح في الأفق،ولا يعلم إلا الله إلى متي ستؤدي!، فالخلافات، والانقسامات، والتجاذبات تسود بين أفراد المجتمع، وفي غمرة هذا الصراع الدائر تسلل الفلول إلى صدارة المشهد تحت غطاء الثورة ضد مرسي، وأصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم وكل شئ أصبح في ظل هذا الانقسام جائز وممكن، وتحققت الوحدة الغير ممكنة بين الفلول والثوار ضد الرئيس.

المتطلعين إلى السلطة، والمرضي من السياسيين الذين يعانون من شهوة التطلع إلى القيادة والمناصب ومعهم طوائف الفلول المختلفة الذين ما زالوا يبكون إرثا ضائعا وجدوا الفرصة سانحة ليتخندقوا معاً في صف واحد منتظرين لحظة الخلاص، وهي لحظة لا يمكن التنبؤ بها علي الإطلاق، فالثورة المصرية في الأصل ثورة بلا قائد، ولم تسفر حتي بعد قيامها عن قائد يتبعه الناس و يدين الجميع له بالولاء،الثوار انفسهم لم يكن باستطاعتهم الإجماع علي قائد واحد، فالثورة كانت حالة فريدة شاركت الملايين في قيادتها، وكان من المستحيل أن تجلس كل تلك الملايين علي مقعد الحكم، لذلك تركت للنخبة الأمر من أجل اختيار رئيس، غير أن النخبة فشلت بامتياز في هذا الاختيار لان الجميع كانوا في صراع من اجل سرقة الثورة واعتلاء كرسي العرش،وبالفعل سُرقت الثورة ولا يهم المسميات التي جرت سرقة الثورة تحتها الآن، سواء كان ذلك في شكل انتخابات أو الاعتراف بشرعية الصندوق التي أتت بالرئيس مرسي ممثل جماعة الإخوان للجلوس علي مقعد الرئاسة، في حين إن الأمر لو كان ينصب في صالح الشعب لكانت القوي السياسية قد توافقت فيما بينها حول مرشح واحد للرئاسة علي أن تشاركه الحكم فيكون لها تمثيل قوي في الحكومة وفي المشورة وفي الرأي وفي اتخاذ القرار، لكن لا شئ من ذلك قد حدث، إنما الذي حدث هو توزيع المناصب كالمغانم علي الأحبة وشركاء الأيدلوجية ورفقاء الطريق بل وأيضا بعض الفلول الذين اقتضت مصلحة الإخوان أن يكونوا في الحكومة لعلة لا يعلمها إلا الله.

في واقع الأمر لم يكن لعموم المصريين أو الغالبية العظمي من الشعب أي تحفظ علي هوية رئيس مصر الجديد، ولا عن التيار الذي يتبعه، المهم أن لا يكون من الفلول، لهذا تربع الرئيس مرسي علي العرش وسط لهفة وتطلع الناس إلى قرارات ثورية حاسمة تدشن لعهد وحقبة جديدة،لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، وجاء الإنذار الأول للرئيس مرسي بعد مرور المئة يوم الأولي من حكمة دون إنجازات تذكر،فلم يأتي بشئ يرضي طموحات الشعب الذي يتطلع وينادي بالعدالة الاجتماعية،والحياة الكريمة،وظل الحال كما كان في حكم وزمان مبارك.

نعم تأخر الرئيس مرسي في مكاشفة الشعب عن حقائق الفساد ولم يقوم باجتثاث جذوره حتي الآن،لم يقوم بهيكلة جهاز الشرطة وترك الغموض يحيط برجال الأعمال الإخوان الذين يلتفون حوله دون شفافية،ودون الرد علي ما يدور في أذهان الناس.إنها نفس الطريقة التي أحاط بها رجال الأعمال مبارك ونفس السلوك في عدم مصارحة الشعب، إنما أكتفي الرئيس بخطبة يوم الجمعة التي يلقيها بعد الصلاة ليدخل الدين في السياسة والسياسة في الدين.

مصر بعد الثورة كانت تستحق زعيم مثل جمال عبد الناصر يحس بنض الشارع ويشعر بالفقراء وليس رئيس يحس بنبض جماعة يمثلها،هل يعقل انه بعد تلك الثورة العظيمة يتحول مسرح الأحداث هذا التحول الخطير ويجئ اليوم الذي نري فيه عمرو موسي محمولا علي الأعناق في ميدان التحرير ولا أحد من الناس قادر علي التميز في الميدان الآن بين الثوار والفلول.

أين هي قرارات الرئيس مرسي التي جاءت في مصلحة الثورة والتي نادي بها الناس ؟ أين هي القرارات التي جاءت في مصلحة الفقراء ؟
لماذا لم يفعل شيئا تجاه العدالة الاجتماعية ؟لماذا لم يخصص نسبة من الأموال العائدة من جيوب الفاسدين لتخصيصها لمشاريع من اجل الفقراء، بالضبط كما فعل جمال عبد الناصر في تحديد الملكية والقضاء علي الإقطاع ؟ لماذا لم يصادر تلك القصور والفلل والمنتجعات التي أدين أصحابها بالفساد ويتم بيعها وتخصص من اجل الفقراء المحرومين في هذا الوطن ؟ ماذا ينتظر الرئيس الم تكن هذه هي مطالب الثورة؟

يبدو انه لا حل الآن، فالرئيس تأخر في احتواء الأزمة التي نشبت ولم تكن تلك الأزمة وليدة فرماناته التي تحمي وتحصن منصبه ولكن الأزمة بدأت وظلت قائمة في عدم اتخاذه أي قرار في صالح الذين قاموا بالثورة ومن اجل إرساء قواعد جديدة للعدالة الاجتماعية!!.
لقد ظل مصابي الثورة ينتقلون بين الفضائيات ويوجهون سهام النقد الصارخ إلى الحكومة التي لم ترعاهم بل إن الرئيس لم يفلح في تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية تعتمد علي الكفاءات، واختار لنا رئيس وزراء ضعيف راح هو وحكومته يوزعون الكوبونات علي الناس كوبونات البوتاجاز وكوبونات للبنزين وانشغلت الحكومة بمواعيد قفل المحلات مبكرا حتي يتمكن الناس من صلاة الفجر، واستمرت كذلك الحكومة في الاستدانة من صندوق النقد الدولي ككل الحكومات السابقة وهذا هو اكبر الدلائل علي سرقة الثورة.