في مقالي الأخير الذي نشرته إيلاف تحت عنوان quot;مقتنيات السلاح العراقي والفساد الماليquot; وموضوع شراء العراق لطائرات ف-16 وأسلحة من المعسكرين الغربي والشرقي، ذكرتُ فيه نصاً أن (مقتنيات السلاح هي ليست رغبات رأس النظام الحكومي بقدر ماهي حاجة الدولة وقواتها المسلحة التي تتم بعد دراسات مستفيضة للحاجة الفعلية المستقبلية ولعناصر القوة وتحليل ماتمتلكه الدول المحيطة بالعراق من أسلحة متطورة).

بعد ذلك أدركتُ بأنني على خطأ، فالعراق الجديد عملة بوجهين مختلفين ويتحمل سياسيوه العرب والكرد الحجم الأكبر للاضرار التي ألحقوها بالعراق دون خجل حيث يظهر وجه يُمثل وحدة العراق ككيان سياسي موحد ووجه يُمثل الأنفصال القومي بكل أضراره الأستراتيجية. في العراق لايكون أقتناء السلاح لتطبيق العقيدة العسكرية لعراقية الجديدة وأنما لتطبيق العقيدة القومية والمذهبية و يتداور السلاح بين مصالح أفراد وعصابات ومليشيات وزمر أرهاب ترافقه سرقات مالية وأتاوات لم يُحاسب أفرادها ومقترفيها بعد.

والعراق هو البلد الفريد من نوعه الذي يحتاج لتعزيز أمنه وتثبيت كيانه وشراء أسلحته، موافقات جانبية من القوى العربية والكردية والتركمانية والشيعية والسنية( كل حسب أهوائه).

مرفقة بحزمة من الفتاوى والتصريحات النيابية التي لاعلاقة لها بأسس خبرة أقتنائه ولا فهم للعقيدة العسكرية الجديدة التي أُدخلت على القوات المسلحة العراقية ونشرات دليل الميدان Field Manuals التي تمنع مشاركة أي قوة عسكرية نظامية من أستخدام السلاح ضد الشعب حيث تتمتع سمات الدليل الجديد بالأنضباط الفكري الثقافي والمهني بالأضافة الى المعرفة التقنية التعليمية.

وكان يُستحسن بالمالكي وطالباني وبارزاني والقيادات التنفيذية الأخرى (بدلاً من محاولات أرضاء أطراف ) الأطلاع الكافي على نشرات دليل الميدان والأشارة الى القيادة العامة للقوات المسلحة ورئاسة قوات البيشمركة أعطاء جلّ أهتمامهم وتعليماتهم لتطبيقه. فسمات نشرات دليل الميدان Field Manuals العسكرية لايمكن فصل تعليماتها ونشراتها التدريسية ولايجوز توزيعها بين وزارة الدفاع وقوات شؤون البيشمركة الكردية حسب العقيدة القومية والمذهبية للضابط والجندي أوتعميم عدم الألتزام والأنضباط بها.

كما أن الكثير منا يُميّز بين من يريد أن يتحدث عن وحدة تربة العراق و قواته المسلحة حسب العقيدة العسكرية الجديدة المطبقة على الجميع وجيوبولتيكية العراق، ومن يريد الحديث بالتهديد والأنفصال والخطاب السياسي ووضع قطعات عسكرية في مجابهة خطرة، كما حصل مؤخراً في محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى. ولعله من المؤسف أن بعض كُتاب عصر الأنترنت لايشاركون بمعرفة وجدية ونقد الوضع الشاذ بأستقامة وروح مخلصة غرضها تقديم وتعميق الفائدة لمتابعي القضايا الساخنة من مقاهي عمان وأربيل وبرلين ومايرد فيها من تعليقات سمجة لها رائحة الخبل وخرافة سرد الخرافات بالحديث عن ( الولي الفقيه، و ظهور المهدي والسرداب، وأبو السبح والمجوس والفرس واللطم ولون العمائم ) التي لاعلاقة موضوعية أو علمية لها بمواضيع التسلح وشراء طائرات ف -16 للقوة الجوية العراقية أو نقد أستراتيجة الدولة وفوضى الفساد المالي الذي أكتب عنه. وتكتفي كتاباتهم على كيل المديح لأنفسهم والتأكيد على سيكولوجية أهل العراق وتوجيههم لعملية مفاضلة ومقارنة بين قائد قوي وقائد ضعيف بدلاً من نقد السلطة الضعيفة الخاملة، وهي سيكولوجية مازالت تؤثر وتتحكم بواقع تاريخي وسياسي لم يخرج المجتمع العراقي من قيوده الى اليوم.

بعد هذا الأيضاح، أود أن أبين بعض النقاط الأساسية المتعلقة بمقتنيات الأسلحة و علة الحلقة المفقودة البارزة بين من يدعو للديمقراطية والحضارة والسلام والأستقرار للعراق ولايدعم الحث على تطبيقات دليل عقيدة الميدان للجيش العراقي الجديد ( Field Manuals ( ولا يفرق بين سلاح الدولة الأتحادية وسلاح المليشيات والعصابات التي تحمل السلاح دون أذن ورخصة من السلطة الأتحادية أو حكومة الأقليم. والنقطة الأولى أن تنويع مصادر السلاح مهمة تتولاها وزارة الدفاع وأنها تتم حسب البرنامج المخطط له لشراء صفقات من الأسلحة الحديثة من روسيا والولايات المتحدة مع طارئ تغييرات فنية وأدارية تتعلق بالتحقيق بشأن عمولات مالية غير مجازة حسب مصدر عليم في الوزارة. ثانياً، أن عقيدة الميدان العسكرية الأمريكية الجديدة التي تبنتها وزارة الدفاع العراقية لم تكتب لضابط عربي أو كردي ولا لتجميد قوميته أو مذهبيته أو حثه على أنتقاء أو أنتحال قومية أخرى تتماشى معميوله سياسية أو حزبه. العقيدة العسكرية وردت بنصوصها ودروسها لتعليم الحرفي العسكري العراقي على أحترم طوائف شعبه وقومياته وهي في مقدمة الدروس التي تُلقى على الضابط العربي والكردي والتركماني والأشوري. وثالثاً، أن غرض اقتناء السلاح هو تسليح الدولة وحمايتها وليس تسليح مليشيات وعصابات مذهبية تسرق ماتخزنه القوات المسلحة من أسلحة وعتاد وتبيعه للمهربين متى تشاء.

وكان الآحرى بالقيادات الكردية التي تَشغلُ مناصب رفيعة في وزارة الدفاع الأتحادية في بغداد وتمتلك ثقافة عالية أستخلاص عقيدة الميدان العسكرية الجديدة وشرحها للقيادات التنفيذية العربية والكردية المدنية وأدارة شؤون قوات البيشمركة ليكون الجميع على علم بأن حماية الوطن هي، بالدرجة الأولى، مسؤولية عراقية للقوات المسلحة بعربها وأكرادها ولاتتأثر بتحريك قوات أو أضافة تشكيلات جديدة كقوات دجلة، وأن الدولة هي المصدر الوحيد لأدخال السلاح والتقنية الحديثة وتزويدها لحرس الحدود وقوات شبه نظامية للدفاع الوطني أو نزع هذه الأسلحة عن أيدي المخربين.

وهنا يبرز مثال بولندا بالتحديد التي عمتها الفوضى بعد سقوط الأتحاد السوفيتي والعقيدة الشيوعية وأدخال العقيدة العسكرية الأمريكية على القوات المسلحة البولندية وقيام الولايات المتحدة ببيع 48 طائرة من طراز ف-16 مرفقة بمبادرة درع الدفاع الصاروخي المُعرّف بأسم سماء السلام وخلفية الخلاف والتأزم بين القيادات العسكرية البولندية القديمة (الحرس القديم ) وأعتراضها على صفقة شراء الأسلحة الأمريكية المتطورة لتعزيز المعالجة التوافقية على طرق الحرب التكتيكية والعملياتية.

أن العراق دولة مستوردة للسلاح، كأي دولة عربية أخرى، لا تنتج الأسلحة الثقيلة التي من أول خصائصها أنها مشتراة من قبل الحكومة وحدها ويالأتفاق بين جهات رسمية، وأنظمة الأسلحة التي يجري تطويرها وفحص أستعمالها والتدريب بأختبارها ميدانياً وبأستمرار من المنتج وزبائنه والمجموعات الفنية لآبداء وتدوين ملاحظاتها بطرق عدة منها :

check 1 check 2 check 3 هي عملية أجرائية مستمرة وبالأخص طائرات القتال وكشف طرق الأدامة والتصحيح وتبديل قطع العيار وعلى الأخص الأجهزة الألكترونية الحساسة وتدخل في كشوفات وبيانات وورشات عمل.

فليس سراً أن الحكومة العراقية أستدعت ممثلي شركة لوكهيد مارتن الى بغداد لتكثيف المباحثات والتأكيد على الجوانب الفنية والأسراع بتسليم طائرات ف-16 المتعاقد عليها. ولعل أصعب نقطة هي أرضاء القوى المتحالفة المتعارضة بغياب الشخصيات المعتدلة والفوبيا التي يثيرها بين الحين والحين بعض الأخوة الأكراد والضرر الأستراتيجي الذي قد يلحقوه بالعراق بقناعة أستعمال عبارات مُكررة تحمل أساءة عنصرية كالحديث عن quot; المناطق المتنازع عليها quot; وquot; حقوق القوميات quot;، والخوف من أستعمال الدولة الأتحادية السلاح ضد أقليم كردستان نظراً للتاريخ الطويل لمأسي الغازات السامة التي حلت بشعبنا الكردي والعربي على أيدي الأنظمة الشوفينية التي ولت الى غير رجعة.

ومن الأجدر بالحكومة الأتحادية وحكومة الأقليم أن تُثقف ملاكاتها الصغيرة بأن كل قطعة سلاح تقع في أيدي فئات وطوائف مذهبية خارج الأطار الرسمي الدستوري هو عسكرة البلدوأخضاعه لفوضى وأستهتار تجار السلاح وعمليات التهريب والأرهاب. بكلمة أخرى أقتناء السلاح بأموال الدولة لايعني السماح بحمله من مليشيات وعصابات وفئات أرهابية غرضها الأخلال بالنظام والدستور والمطالبة بتوسعات بضم محافظات وأِخافة أبناء البلد الواحد وأدخالهم في حرب داخلية. كما ان تأمين حماية وضمان أمن حدود العراق والدفاع عنه هي مسؤولية تضامنية وتُحدد من قبل وزارة الدفاع العراقية التي تضم مختلف القوميات.

ونقطة أخيرة، أن عمليات التفاوض و المباحثات التي يجريها حالياً رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي مع كل من رئيس الحكومة نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني للوصول ألى اتفاق 2009 لادارة المناطق المختلطة سكانياً أو تسوية المتنازع عليها وموافقة الاقليم على بدء وفد فني في بحث الصيغ المناسبة لهذا الاتفاق الجارية وعلى سلسلة عقود التسلح والعقود النفطية الموقعة بين الأقليم وشركة أكسان موبيل الغير مرخصة من الحكومة الأتحادية تضع العراق كدولة في موقع الضرر الأستراتيجي على المدى البعيد. والدرس الذي لم يستخلصه النجيفي أن كل المباحثات السابقة مع حكومة الأقليم للتقيد بروح الدستور والفدرالية كان مصيرها الفشل للتعنت الكردي وطرح أراء لاتجاري الواقع الجديد، وأدت محاولات عمارالحكيم وأيادعلاوي ومقتدى الصدر والجعفري والطالباني ووفود الأرضاء الى الفشل.


كاتب وباحث سياسي