أهالي مدينة quot;سري كانيه/رأس العينquot; التابعة لمحافظة الحسكة السورية ذاقوا الأمرين من جراء قصف قوات النظام السوري لمدينتهم وقتل وجرح العشرات. هذا الهجوم لم يكن ليحدث لولا توغل مجموعة اصولية مسلحة تٌسمي نفسها بquot;غرباء الشامquot; جمعت عناصرها الاستخبارات التركية في منطقة quot;كلسquot; وحملتهم الى هذه المدينة الصغيرة القصيّة، بعد ان ازالت الالغام من الحدود لينسلوا في عتمة الليل. حصيلة quot;تحريرquot; هذه المجموعة للمدينة كان مقتل وجرح العشرات من أهلها الكرد والعرب، اضافة الى تشريد احوالي 20 ألفا منهم، واعدام حوالي 30 جنديا سوريا بعد استسلامهم!. لم تحمل هذه المجموعة الاصولية لأهالي المدينة الوادعة الموت فقط، بل بدأ عناصرها يعربدون في ازقتها: فعمدوا على منع السكان الكرد من رفع الاعلام والرموز الكردية، واشتبكوا مع أهالي احدى القرى العربية، التي ارادوا دخولها عنوّة. خلق هذا التعامل الاستفزازي، اضافة الى قصف قوات النظام العشوائي، حالة من التذمر لدى أهل المدينة، وبدأوا يطالبون هذه المجموعة بالخروج من مدينتهم والتوجه بدل ذلك الى حلب أو دمشق لتحريرها من النظام الحالي!.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة. ان دخول هذه المجموعة لمنطقة quot;سري كانيه/رأس العينquot; أمر دٌبر بليل، وتقف ورائه الدولة التركية. انه بداية انتشار هذه المجموعات في كافة مناطق الحسكة، بعد تمهيد اعلامي تركي خليجي دام أشهرا طويلة، وادار على مدار الساعة اسطوانة quot;سيطرة الاكراد على شمال سورياquot;!، والهدف الواضح الذي لاتخطئه عين: خلق نزاع عربي كردي لايبقى ولا يذر..

حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي( الذان يمثلان جناحي الهيئة الكردية العليا) دعيّا هذه المجموعة الى الانسحاب من المنطقة فورا والكف عن التضييق على المواطنين والعبث بممتلكاتهم. ووحدات الحماية الشعبية (Yekicirc;neyecirc;n Parastina Gel) المسلحة لم تتصدى لهذه المجموعة في البداية لأمرين اثنين: لأن أي مواجهة معها كان سيتم تفسيره بانه quot;دفاع واضح عن النظامquot; وبالتالي تثبيت كل الأكاذيب والافتراءات التي رددتها تركيا واذنابها طيلة الأشهر الماضية، وثانيا: لأن الظن في البداية كان ان هذه المجموعة هي من الضباط والجنود السوريين المنشقين عن النظام، والملتزمين بالدفاع عن حرية وكرامة الشعب السوري، بكل فئاته، وليسوا مقاتلين اصوليين يتم توجيههم من قبل دائرة الاستخبارات التركية، مثلما يقول واقع الحال.

قيادة اقليم كردستان العراق، وعلى لسان رئيس الاقليم مسعود البرزاني، دعت الجيش السوري الحر الى توضيح موقفه النهائي من هذه المجموعة المسلحة التي دخلت quot;سري كانيه/رأس الحرquot; وبدأت بتضييق الخناق على المواطنين الكرد، ومنعهم من رفع اعلامهم القومية والتغني بالثورة بلغتهم، التي منعها عنهم النظام الحالي سنينا طويلة.

بدورها وحدات الحماية الشعبية (YPG) سارعت الى طرد سلطات النظام من 6 مدن وبلدات في المحافظة، والاسراع في تشكيل المجالس المحلية بين مكونات تلك المدن من الكرد والعرب والآشوريين/السريان وغيرهم، وتشديد الحراسة عليها لمنع دخول كل من قوات النظام واجهزة امنه والمجموعات المسلحة اليها. ورغم ان كافة عناصر هذه الوحدات هم من الكرد السوريين( انضم اليهم عرب في الآونة الأخيرة) وها قد حرروا مناطقهم من سيطرة النظام، مثلما فعل أهل أدلب وحلب ودير الزور، الا ان تركيا وعملائها في المعارضة الطائفية القومجية مايزالون يصرون على وصفهم بquot;اعضاء حزب العمال الكردستانيquot; لتأليب السوريين عليهم والقول: بأنهم جاؤوا من وراء الحدود وليسوا بأبناء سوريا!.

ومع اعلان الكتائب المسلحة الآتية من تركيا للمنطقة عن نيتها دخول بقية مدن محافظة الحسكة رغم رفض الأهالي لها واعلانهم بانهم يديرون شؤونهم بأنفسهم وقد تحرروا من النظام ومن سلطاته ولاحاجة لهم بها، فان نذر المواجهات تقترب بشكل كبير، لأن الأهالي لن يسمحوا بدخول هذه المجموعات مناطقهم، مع كل ما يرافق هذا الدخول من قصف جوي لطائرات النظام وتشريد الآلاف، فضلا عن الغضب الناشئ من الممارسات العنصرية التي تمارسها هذه العناصر في quot;سري كانه/رأس العينquot; حاليا.

ويسمع المرء دعوات من بعض شخصيات المعارضة السورية ذات الخلفية القبليّة من التي تموقعت حاليا بالقرب من الحدود التركية المحاذية للمناطق الشمالية في ضيافة السلطات التركية، بالدخول الى هذه المناطق حتما من أجل quot;تحريرهاquot; من النظام ( وهي التي تضم مئات الآلآف من النازحين من مناطق الداخل). وتجتهد هذه الشخصيات في الاتصال برؤساء بعض العشائر العربية من أجل تأليبهم على الكرد ودعوتهم الى التصعيّد ضدهم من اجل خلق المسوغ لدخول العناصر المسلحة. وهذا تصرف غاية في الخطورة وسيؤدي نجاحه لا سمح الله الى مواجهات دامية بين مكونات منطقة الحسكة المتآخية منذ مئات السنين. وقد يؤدي الى افلات الأمور وخلق مواجهة شاملة ستشارك فيها كل قوى الأمة الكردية المسلحة...

وللحيلولة دون نجاح الخطط التركية الرامية لإشعال حرب عربية كردية في الحسكة من المهم القيام بالخطوات الآتية:

1ـ دعوة (الهيئة الكردية العليا) جميع مكونات محافظة الحسكة الى مؤتمر وحدة وطنية والاتفاق على كيفية ادارة مناطق المحافظة بشكل ديمقراطي، وكيفية حمايتها وضمان الأمن والاستقرار فيها، ورفض أي تدخل مسلح فيها من أي جهة كانت. وللعلم فقد دعى الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الكرد في سوريا الى التشاور والتشارك مع اخوانهم العرب من اجل توطيد العيش المشترك على مبدأ quot;اخوة الشعوبquot;، محذرا من الصدام الأهلي بين القوميات. وهذه الدعوة تتقاطع مع دعوة أخرى اطلقتها الشخصية الوطنية الشيخ حميدي دهام الهادي شيخ قبيلة quot;شمرquot; العربية الأصيلة، عندما ركز على تعاون الكرد والعرب ضد أي تدخل خارجي يستهدف احتلال مناطقهم وفرض أجندات وأفكار غريبة عليهم.

2ـ توحيد الصف الكردي وتذليل الخلافات الأخيرة وتفعيل دور (الهيئة الكردية العليا) على قاعدة حماية مناطق الحسكة والدفاع عن كل المكونات بدون استثناء، والتركيز على التآخي المديد من العشائر العربية.

3ـ دعوة الجيش السوري الحر لتحديد موقفه من جماعة quot;غرباء الشامquot; وغيرها من الجماعات الاصولية المسلحة التي حاربت الكرد في عفرين وحلب، وتعلن عدائها الصريح للاقليات على خلفية عنصرية وطائفية، وتنتهك حقوقها وتستفز ابنائها.

4ـ التمسك بالرموز الوطنية السورية الجامعة في كل المناطق، لتكون سقفا لكل المواطنين، على ان تٌحترم الرموز القومية للكرد والآشوريين والسريان والأرمن وغيرهم من المكونات، واعتبارها رموزا سورية.

5ـ دعوة المعارضة للضغط على الشخصيات المتعاونة مع الدولة التركية، والتي بدأت بتنيفذ أجندتها في سوريا، ورفعت لواء العداء للشعب الكردي ولحقوقه، وتنشر بحقه الافتراءات والاكاذيب.

ختاما، من المهم القول بان الدولة التركية وعبر ضعفاء النفوس في المعارضة، من المراهنين على دعمها لإيجاد موطئ قدم لهم في سوريا القادمة، ستستمر في تطبيق خطتها الرامية لاقصاء الكرد في البلاد وعدم ضمان حقوقهم في أي دستور قادم أو حصولهم على وضع quot;الادارة الذاتيةquot;. وهذا quot;الاقصاءquot; تطور اخيرا من التآمر عليهم في المؤتمرات الى ارسال المسلحين لمناطقهم ومحاولة خلق صراع أهلي بينهم وبين مواطنيهم العرب.

انها خطة جهنمية لايمكن افشالها الا بالاعتماد على الخيّرين والعقلاء من ابناء كل القوميات والطوائف وعلى تفضيلهم قيم الجيرة والعشرة والإخوة، والحس الوطني السوري الأصيل الرافض لكل اشكال التبعية والاستزلام...

[email protected]