ماذا لو قامت إسرائيل بهجمة برية کبيرة جدا على غزة؟ ماذا لو نجحت في إغتيال معظم قادة حماس و استولت او دمرت ترسانتها الصاروخية؟ هل ستنتهي المشکلة بالنسبة للإسرائيليين؟ قطعا أن المشکلة من الممکن أن تحل جزئيا و بصورة مؤقتة، لکنها ستعود من جديد وهذه المرة قد تکون بصورة أخرى، صورة قد يحتاج الاسرائيليون الکثير من الوقت و الکثير من الضحايا و القرابين حتى يفکوا شيئا من رموزها.

عندما ذهب الزعيم الفلسطيني الراحل الى الامم المتحدة و هو يحمل غصن زيتون و يدشن لمرحلة جديدة يکون الحوار و طاولة المفاوضات بديلا عن البندقية و الدم، لايبدو أن المجتمع الدولي بصورة عامة، و اسرائيل بصورة خاصة، فهمت و استوعبت مضمون رسالة عرفات، وانما فسروها أيضا تفسيرا خاطئا و حتى خطيرا.

السلام الذي قصده ياسر عرفات، کان سلاما واقعيا و حقيقيا، سلاما يبنى على الارض و تمتد جذوره الى داخل قلوب و أرواح و نفوس الفلسطينيين و الاسرائيليين، وليس سلاما يوقع على الاوراق فقط و يصفق له داخل القاعات و الاروقة المغلقة و يکون شأنا خاصا بالساسة لوحدهم دون أصحاب الشأن الحقيقيين من الشعبين الفلسطيني و الاسرائيلي، کما هو الحال الان.

حرکة حماس و جهاد و أي تنظيم او إتجاه فلسطيني متطرف، يمکن إعتباره إمتداد و إستمرار لسلام ناقص کسيح و مشوه کالسلام الحالي الذي أصرت اسرائيل من دون غيرها على إبقائه عاجزا و ذليلا و حائرا خلف الابواب المغلقة، وقطعا فإن مضي اسرائيل قدما في تعاملها الماکر و الخبيث مع عملية السلام و إعتمادها على منطق طاولة المفاوضات التي لاجذور او اساس لها في الواقع، ولاتمتلك عمقا او إمتدادا داخل الاوساط الشعبية، فإنها تبني قصورا في الهواء، وتحفر في نفس الوقت و بإياديها الکثير من القبور المفتوحة الجاهزة التي تنتظر جثثا اسرائيلية.

الرهان على القوة، هو المبدأ الذي تفضل اسرائيل التعاطي و التعامل به مع خصومها، وهي بذلك تراهن على إبقاء جذوة الکراهية و الاحقاد و الضغائن قائمة بين شعوب المنطقة العربية المسلمة من جانب، والشعب الاسرائيلي من جانب آخر، رهان اسرائيل الخاسر هذا قضى على نظام الشاه و جاء بحزب العدالة و التنمية في ترکيا، مثلما أنتج أيضا الحرکات و الاتجاهات المتطرفة داخل الجسد الفلسطيني، ولايزال للموضوع صلة، ومخطئة تکون اسرائيل ان ظنت ان المناخ الدولي الحالي هو أفضل من مناخ العقود الماضية، فکلما تقدم الزمان تعقدت المشکلة أکثر و صار حلها أبعد، ودائما فإن البادئ هو الاظلم، وان اسرائيل وهي في قمة تفوقها و في ذروة إحساسها و نشوتها بالنصر فإنها وفي تلك اللحظة بالذات أکثر خوفا و رعبا من القادم من الايام و تعلم علم اليقين بأن الطرف الاخر الذي يبدو خاسرا في ظاهره لايأبه لخسارته و يصر على الاستمرار في لعبة طاحونة الموت و الفناء و في هذا الخضم هناك فاتورة طويلة عريضة على کل الذي يقترف من جرائم و إنتهاکات بحق أناس أبرياء جالسون في بيوتهم و تحصدهم أمطار الموت الاسرائيلية، هذه الفاتورة ستدفع حتما ذات يوم واسرائيل لوحدها فقط ستدفعها مهما طال الزمن.