باستمرار وفي كل أزمة وكل مشكلة تواجه الوطن بسبب تصرفات هذه الحكومة يبقى المواطن كالأطرش في الزفة، لا يعرف الحقيقة، ولا يدري من الصادق ومن الكاذب في طوفان التصريحات والتكذيبات والتبريرات المتضاربة التي تتلاطم وتتناثر دون حساب.
ففيما يتعلق بصفقة الأسلحة الروسية الملغاة لم يفهم أحد حقيقة المشكلة. فهل يصدق المواطن وزير الدفاع أم مستشار رئيس الحكومة أم علي الدباغ أم حكومة روسيا ذاتها؟
طبعا لم يعودنا السيد المالكي على الظهور أمام أجهزة الإعلام لمصارحة المواطن بالحقيقة، في أي مشلكة وأي قضية، حتى ولو بنصف حقيقة أو حتى ربعها.
لا يمكن للمواطن أن يفهم لماذا تنفرد وزارة الدفاع، دائما، بالفضائح الكبرى التي لا تدور حول سرقة مليون أو ملونين أو عشرة ملايين من الدولارات، بل من مئة مليون وما فوق.
فمن أول وزارة تشكلت في العراق بعد رحيل مجلس الحكم سيء الصيت، برئاسة أياد علاوي، دشنت وزارة الدفاع مسلسل السرقات الكبرى (الملايينية) التي يتم التستر عليها ودفنها ومسامحة أبطالها وتركهم يغادرون الوطن على أجنحة الرحمة، وعفى الله عما سلف.
وقصة وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان، ومساعده زياد القطان ليست بعيدة. ولمن لا يعرف أحكي هنا الحكاية، من طقطق لسلام عليكم. كان حازم الشعلان زميلا لنا في المعارضة العراقية في لندن، وكان عضوا في (المجلس العراقي الحر) الذي شكله ورعاه وموله عميد المعارضة العراقية سعد صالح جبر. وكان حازم الشعلان لاصقا في منزل أبي صالح (سعد صالح جبر) باستمرار، ويتطوع دائما للرد على هواتف المنزل، وتسجيل أسماء المهاتفين.
يُفطر ويتغدى ويتعشى في منزل الزعيم. ويحمل الكليجة والشاي لزوار الزعيم. وقد ظل هذا الحال على حاله إلى أن غزت أمريكا العراق، وعدنا جميعا من المنافي. عاد أبو صالح، وعاد حازم الشعلان برفقة الزعيم، جنبا إلى جنب مع أم حيدر سكرتيرة أبي صالح ومرافقته الأمينة. ولم يفارق حازم الشعلان زعيمه إلا حين أفلح أبو صالح في وساطته وعينه محافظا في السماوة، تكريما للمجلس العراقي الحر وإسكاتا لابي صالح الذي نسيه رفاقه الغادرون عند اقتسام الغنيمة.
وذات يوم، وفي الأيام الأولى لمسرحية نقل السيادة التي كانت تدبر وراء الكواليس، عام 2004، تم تعيين أياد علاوي رئيسا للوزارة الانتقالية التي تقرر تشكيلها لتصريف الأعمال لحين إجراء الانتخابات الأولى في العراق. يومها أسر لي أحد المقترحين للمشاركة في الوزارة الجديدة، أن وزير الدفاع المقترح هو حازم الشعلان. لم أسال ذلك المسؤول عن علاقة حازم بالدفاع، ولكنني تناولت الهاتف وطلبت منزل سعد صالح جبر. ردت علي أم حيدر. أخبرتها بالنبأ. ضحكت واعتبرتها نكتة عابرة. قلت لها أبدا، إنها حقيقة، وسوف تسمعين تشكيلة الوزارة بنفسك، غدا أو بعد غد. سكتت أم حيدر طويلا، ثم قالت إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى تسلل حازم الشعلان هاربا إلى عمان، ومنها إلى لندن، ومعه 800مليون دولار عدا ونقدا حسب التهمة الماثلة لليوم، مع رفيقه ومساعده الهارب زياد القطان الذي حمل معه، هو الآخر، حفنة أخرى من الملايين.
ومن يومها والفضائح تتوالى في وزارة الدفاع، والحكومة تلوذ بالصمت ولا تبذل جهدا حقيقيا في استرجاع الأموال المنهوبة ولا ملاحقة الهاربين.
ومع كل فضيحة يسأل المواطن عن سر هذا الصمت، خصوصا وأن الهاربين يقيمون في بلدان صديقة تغرف من أموالنا، باسم الإعانات أو الاستثمارات أو غيرها، وهي بالتالي مستعدة لتلبية طلباتنا دون تردد.
فلو أصر المالكي، أو أحد مستشاريه، على استعادة حازم الشعلان من بريطانيا، وعبد القادر العبيدي من الأردن، وغيرهما، لوجدهم مشحونين على أول طائرة تحط في مطارنا العتيد.
والآن، ونحن أمام (شليلة) أخرى بلا راس. فصفقة السلاح الروسي ألغيت، وقيل ما قيل عن أسباب ذلك. مستشار رئيس الوزراء الإعلامي علي الموسوي يقول إن هناك شكوكا في اختلاسات أو تلاعب. وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي يرفض ذلك بإصرار، ويقول إن الزمن المحدد لشحن الصفقة قد انتهى، ولابد من تفاوض جديد. فمن نصدق؟
والأكثر مرارة أن الدليمي يؤكد أن الروس لم يزودوا الوفد سوى بمخططات فقط عن الأسلحة المشتراة. أي أنهم لم يقدموا للوفد عرضا تجاريا أصوليا يتضمن صور الأسلحة وتفاصيل كل سلاح ومدة التسليم والشحن وطريقة الدفع وغير ذلك مما تعود تجار الأسلحة على اتباعه في الحالات المشابهة.
سؤال مهم يطرح نفسه بقوة، كيف قرر رئيس الوزراء أن يسافر إلى موسكو لتوقيع الصفقة قبل أن يقوم هو ومستشاروه، وهم بالعشرات، بدراستها بدقة والاطلاع على كل تفاصيلها؟ ثم أين كان هو ومستشاروه وجواسيسه حين تباطأ رئيس اللجنة وأعضاؤها، ومددوا إقامتهم على نفقة المصانع الروسية، أسابيع طويلة في موسكو، وهم يتفاوضون على العمولات أكثر مما انشغلوا بتدقيق تلك الأسلحة والتأكد من حداثتها وفاعليتها وقدرتها على خدمة العراق وحماية حدوده المُشرَّعة؟
وكيف يسافر رئيس وزاراء دولة من الدول مع جيش عرمرم من المرافقين والمستشارين والخبراء والمحاسيب إلى موسكو ليكتشف، فقط عند لقائه بالرئيس الروسي، أن الصفقة مشبوهة، وأن عمولات بقيمة 190 مليون دولار أضيفت إلى كلفة الأسلحة؟
ألم نقل إنها دولة بطيخ؟
- آخر تحديث :
التعليقات