فلنقرأُ وظيفة الدولة من أختصاصاتها ومراقبة أعدائها
المحن العراقية متعددة بدون أدنى شك ، والخطر االحالي المحدق بالعراق يسهم فيه العراقيون أنفسهم وبدرجات ، منها الأرهاب وجريمة مساعدة الأرهابيين وتصديرهم وأستيرادهم من دول الجوار ومنها الفساد المالي والسرقات والتهريب وضياع العدالة والقانون والنظام ، وهي حالات يصعب تعدادها هنا وأمور تطرق وكتب عنها العديد من الكتاب السياسيين والنقاد وأضاف عليهم الحاقدون الأعداء من صحفيي الأثارة ألأعلامية.
لاشك أن الصورة الكبرى للعراق بجماليتها وقباحتها برزت مع بروز صدام وتصفيق الجماهير له والأشادة الأعلامية اليومية بقدراته العسكرية التي جرَّ فيها أهل العراق الى ثلاث حروب عبثية. وأستمرت هذه الصورة حتى بعد أن تخلص العراق ودول الجوار من أعتى نظام عشائري قمعي أجرامي عرفه وأختبره العالم وشاهد أعمال التنكيل بأبنائه ، وهمجية الحروب الأقليمية و تشويه صفاء صورة العراق وحضارته وتاريخه الأنساني.
والصورة الجديدة الأكبر التي تسعى أليها الأطراف الوطنية المُحبّة للعراق هي تمكينه من تجاوز العثرة الزمنية التي مرت به وعصفت بشعبه ووقف نزوات العنف ولوثة التسلح العشائري وغرس روح الكراهية والأنتقام والحقد بين الشعب الواحد التي تمنعه من الرؤية الأيجابية الأنسانية الصحيحة لشعوب العالم الحرة وتمنعه من الوقوف الصامد بوجه الأرهاب والفساد والسرقة نتيجة سوء التربية الوطنية وسوء الثقافة وألأمية وهمجية الافكار الأجنبية وغلاضة القوى الأسلامية السياسية الدخيلة على الأسلام ، فلم يتمكن شعبنا من حسم الأمر الى صالح قومياته وطوائفه.
وبشكل خاص ، فأننا كباحثين ، نقرأ النظام السياسي من أدائه المميز القوي أو أدائه الضعيف ونستخلص من حالة المجتمع وثقافة أبنائه الترهات والتصرفات والتفاهات التي يُضيفها البعض ومقارنتها مع ثقافة وتعليم وتدريب الجيل الجديد و أنجازات حكوماتهم ونوابهم وأولوياتهم ومشاريعهم الحياتية. وبلا شك ، يمتلك العراق كل مقومات النجاح للدولة العصرية الحديثة ولكنه لايعمل وفقها بسبب حالة أخفاق عامة تسود المجتمع ، يضاف أليها أنعدام الثقة وحملة التشهير التي يلجأ أليها صحفيون أنتهازيون مأجورون ظهروا فجأة على المسرح السياسي والأعلامي لزيادة التوتر بتصنيع الأخبار وتصنيع الحقيقة.
تساق الدولة العراقية الحديثة بحالة اليأس والأضطراب والأخفاق النفسي العربي والعراقي ، ويُحتكرُ العقل الثقافي من قبل من جعل من نفسه الصدوق المصداق الذي يناقش مواضيع عراقية بالأساءة الى قادة الفكر والدين والمجتمع ، لاترتبط مواضيعهم بأي أنجاز ذو أولوية وبأعادة سرد قصص عامة درسوها في المدارس أو سمعوها عن آخرين وبدأت تظهر موجات منها على الأنترنت بشكلها الغريب ومنها : اختيار الله للغراب لتعليم الانسان دفن موتاه. ويدور حوارهم حول مواضيع أكثر تفاهة وتغييباً لعقل الأنسان في التسائل عن الغُراب الأسود والغُراب المصري و متى كيف ولماذا أختاره الله سبحانه وتعالى من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للأنسان بطريقة دفن الموتى وولاية الفقيه والشورة وخرافات عن ظهور المهدي أو السيد المسيح. والنقاش الآخر الدائر حول تفضيل الله للأبل على بقية الحيوانات أستناداً على ألاية القرآنية {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}. هل هناك سخافة أكثر من مسألة نقاش التفاضل والتفضيل والتناحر بين مسلمين بهذه الطريقة الغير مستحبة وأعادة سرد السور القرأنية العنكبوت والبقرة بفتاوى تشمئز منها الشياطين قبل الملائكة ويلفضها الرسول العظيم وعقل الأنسان المتحضر؟ فما هي علاقاتنا الروحية كبشر بالحيوانات الأليفة والوحشية وكيف نربطها بتوجهاتنا السياسية ومقومات الدولة وتقدمها الأنساني ؟
والموضوع الأخطر الذي أطرحه هنا هو نوايا أستدراج العراق الى حرب مُدمرة رابعة قد تكون مفهومة للبعض وليس للعامة ، حيث يلوح في الأفق بوضوح سعي بعض الأطراف العراقية العربية والكردية وبتحريض من دول المنطقة ( والذي لم يتوقف يوماً ) في الحشد الأعلامي لتهيئتنا لعاصفة حرب رابعة ، كما هو واضح تماماً ومتمم فيما يطرحه صحفيو التدليس الأرهابي الأسلامي وألأثارة الأعلامية لأيِقاع من يقود العراق (مهما كان عنصره وطائفته وحذره وحنكته وحيطته) في حرب طاحنة جديدة مع دول المنطقة وحلفائها كما حصل في الحروب الثلاث السابقة ، يكون فيها العراق الفريسة النهائية والمحصلة المطلوبة.
بعد هذه المقدمة البسيطة ، فأن تحليل طبيعة المرحلة ونقدها يتطلب رؤية أهداف عراقية أصيلة لقيادة تتجنب الصراع التحريضي وحكمة تُجنب وضع العراق من جديد تحت طائلة حصار دولي عربي وأجنبي غاشم كما حصل لنظام صدام طيلة أعوام التحدي الفاشلة. وتشمل هذه الرؤية أتجاه العراق الى حماية أراضيه وشراء السلاح من روسيا وأمريكا وتنويع مصادره. الأمر الذي يقودني لمحاذير توقيع المالكي للعقد الأخير في موسكو بقيمة 4.2 بليون دولار وأسباب ألغائه بعد أكتشاف أن العقد له رائحة فساد مالي نفاه سعدون الدليمي الذي يشغل منصب وزير الدفاع بالوكالة (أنظر الملاحظة رقم 1 و2).
الفخ الداخلي العلني منه والمخفي يشارك فيه quot; بغباء quot; أشخاص في السلطة السياسية الحالية وقردة الصحافة أللامسؤولة الذين يبحثون عن أسم لهم ، ويضع خصوم العراق في الخارج اللمسات لنصب الفخ بتحريك الأزمات. وفي عصر التحديات وألأستجابة ووجه التشابه بين الخيانة والوطنية تبرز أخبار التشكيك وتزييف ماتنقله أطراف وفروع الجاسوسية لغرض تحريك أزمات عراقية عربية وأسلامية ، يتم لها حشد أعلامي ومالي متمم لأيقاد الفوضى والفتنة التي ترافق عادةً أعمال عدائية عسكرية كالتي حصلت في الماضي القريب ( حرب 1980 وأستسلام أهل العراق لحصار دولي عربي وأجنبي غاشم طيلة الأعوام 1991 - 2003). وما نأمل ويأمل غالبية أهل العراق بعد هذه الحروب هو تنمية علاقات طبيعية لمصالح متوازنة مع دول الجوار وخاصة تركيا وأيران والحفاظ على سيادة العراق وأهله وثروته من العبث والسرقة ، وكذلك التأكيد على ما يُميّز علاقات أهل العراق ببعضهم وجيرانهم من الشعوب وهو التاريخ المشترك والتضحيات التي قدمها العرب والأكراد والتركمان وألاقليات الأخرى التي لاينبغي أن تُعاد وتتكرر.
والخوف الحالي هو الحذر مِن ومَن سيجرُّ العراق الى فخ حرب رابعة والدعوة لها وكيفية تفاديها بسد أفواه تطلق عنان تصريحات غير مسؤولة دون أن تعرف نتائجها الضارة ولاتعرف متى تتكلم ومتى تُغلق أفواهها الكريهة. شبكات أخبارية عديدة في الخارج تقوم بتزييف أخبار العراق وتنشر أراجيف الدعاية الأسرائيلية بأخذ نصف الحقيقة وتقديمها وتتخذ منها مصدراً يهلل له الناقمون على العراق.
ومراجعة سريعة لما يروجه حشد اعلامي مهيأ لشحن روح العداء والكراهية يستطيع الأنسان تبيان الفخ الذي نصبوه للعراق وتأكيدهم لأنفسهم قبل غيرهم أنهم من مناصري الخراب والدمار وغير مؤهلين فكرياً لرعاية مصالح العراق بحذر وحيطة من محاولات توريطه في حرب رابعة. وهذه المحاولات التحريضية وعمليات التهيج لخلق عداء مزمن مع دول الجوار لم تنجح منذ عام 2003 ولحد اليوم وتحتاج التصرف الدبلوماسي الهادئ الحذر ، ومنها : أيران تقطع روافد نهر الوند ، أيران تسرق نفط العراق من حقوله النفطية ، الكويت تسرق بأنابيب ممدودة من تحت الأرض نفطاً وأراض عراقية وتبني ميناء يؤثر على تجارة العراق وموانيه ، وتركيا تبني سدود على نهري دجلة والفرات وتقطع حصة العراق من المياه ، تركيا تقصف أراض عراقية ، دخول قوات تركية أرضِِِ عراقية حدودية ، وأوردوغان يحذر ويهدد العراق من عواقب وخيمة. وأخيراً الخبر الملفق الذي أثاره قردة صحافة ألأثارة وتناقلوه كما يحلو لهم لتأزيم الموقف بين دول الجوار العربية والأسلامية بأن العراق يساعد في الخفاء تهريب أسلحة أيرانية الى النظام البعثي السوري.
ففي تاريخ 27 أيلول 2012 ، قامت سلطات مطار بغداد الرسمية وبموجب أنظمة الملاحة الجوية المدنية بأجبار طائرة شحن أيرانية كانت في طريقها الى سوريا على الهبوط وتفتيشها ، وهو أمر سيادي متعارف عليه دولياً. وبعد التأكد من عدم وجود أسلحة وفحص المواد الغذائية والأدوية المرسلة الى سوريا سمحوا لها بأكمال الرحلة. وفي نفس الشهر ، لم يتم السماح لطائرة تابعة لكوريا الشمالية بعبور الأجواء العراقية وتم أرجاعها للشك بأنها تحمل معدات عسكرية للنظام السوري. وفي الحالتين كان التصرف صحيحاً ، علماً أن موقف وزارة الخارجية العراقية من الأزمة السورية هو الموقف السياسي الصائب لنزع فتيل الأزمة. وكذلك موقف العراق الحيادي من الأزمة بين أيران والولايات المتحدة الذي سيقود الى حرب متوقعة لاتُعرف نتائجها على صعيد المنطقة والعالم.
والعاصفة المخيفة تتمثل بمثيريها (خصوم العراق الحاليين) وغرضهم أرباك العراق وخاصةً القيادات العسكرية مما يتطلب الحيطة والمعاملة الحذرة ، وهي في أحسن وصف لها تبدو كموجة أشغال الجيل الحالي وشرذمته فكرياً وتهيأته لحرب عبثية مدمرة رابعة قد يُشعل فتيلها أي معتوه.
باحث وكاتب سياسي
Notes:
1. On Nov 10 , The Iraqi government said it had cancelled a $4.2 billion deal to buy military jets, helicopters and missiles from Russia citing possible corruption in the contract. A charged Sadoon al-Dulaimi Acting defense minister denied.
2. Russia's daily Kommersant said the contract, announced in October,2012 , envisaged the delivery of 42 combined short- to medium- range surface-to-air missile and anti-aircraft artillery weapon systems Pantsir-S1.and could be selling Baghdad MiG-29M/M2 aircraft as well armoured vehicles. Previous news reports had detailed the sale of attack helicopters.
التعليقات