مرة أخرى تحاول الدوحة أن تلعب دوراً وتأخذ حجماً أكبر من حجمها، وتعيد ما فعلته مع المجلس الوطني، وتهمش ولا تعطي أية أهمية للدور المصري وللتصريحات المصرية، التي بادرت في طرح مشروع لتشكيل ائتلاف لقوى المعارضة السورية.. فبعد تصريحات الدولة المصرية، بهذه المبادرة استغربت من موقف قطر، وعن إعلانهم بتبني هذا المشروع، مع اطراف اقليمية ودولية، واخراج مصر من هذه اللعبة...

إن الائتلاف الذي شكل في الدوحة ما هو إلا نوعية جديدة من النفاق السياسي الذي تتبعه الدول التي دعمت، شاركت، وعمّدت هذا الائتلاف في قمة الدوحة التي بدأت، ولم ولن تنتهي بتشكيلها مجالس وطنية وائتلافات وقوى معارضة سورية، ودفن ما شكلت في ما قبل الدوحة، وما ستشكل بعدها، لم تعد تعرف هذه الدول مع من تتعامل منهم، ومن يمثل الشعب السوري، وماذا تريد بالأحرى من هذا الائتلاف أو ذاك، إن الحيرة في عدم معرفتها من اين تبدأ كان واضحاً، واصبح اوضح، بانتقالها من دولة إلى أخرى، من باريس للقاهرة وصولاً إلى الدوحة، ومن قرار إلى آخر دون الوصول إلى حلول جذرية تنهي هذه الأزمة التي خلقوها في سوريا...
منذ البداية الأحداث، منذ عشرين شهراً قلنا ذلك ونقولها اليوم، إن المطلوب في سوريا ليس اسقاط النظام، لا بل اسقاط الدولة السورية، وتقسيمها، وذكرناها في مقالات سابقة بطرق ومصطلحات متعددة، وهنا أنا لا ادافع عن نظام أو أعادي معارضة، لا بل كمواطن سوري أحاول ابداء رأيي واحاول شرح الأمور من وجهة نظري ومن منظوري السياسي المتواضع، ولا أنكر الظلم والفساد المستشري والقمع الموجود في سوريا، وانعدام الحرية، ومعاناة المواطن السوري، ولكن في المقابل هناك من يحاول إيصال الأمور في سورية إلى نقطة اللاعودة، من قوى ودول عربية، اقليمية، ودولية، ومن جماعات سلفية وجهادية تحاول قلب الموازين في سوريا لصالحها، وخلق حرب اهلية، دينية، مذهبية، طائفية.. ومعارضات سورية وصلت لمرحلة يرثى لها، منها من يعمل لأطراف اقليمية ودولية، ومنها من لها اجندتها الشخصية في المنطقة، ومنها من ينزف من أجل سوريا، ومستقبل سوريا، من أجل حرية وديمقراطية، أمن وسلام واستقرار سوريا...

إن المجلس الوطني الحر يلتقط آخر انفاسه، إثر الانقسام الموجود في صفوف المعارضة، والخصام والعداء الداخلي الداخلي والصراع على السلطة، ما بين تيارات سياسية ودينية، أحزاب، مجموعات وأفراد بشكل خاص، كل منهم يحارب على التقاط هذا الفرصة الذهبية، بيديه وقدميه وأسنانه، وبحسب المقولة الشعبية السورية ( إذا راحت ما عاد ترجع ) محاولاً البقاء داخل هذه اللعبة...
ما هو سبب دفن المجلس الوطني وتهميشه بعد اعلان عدد كبير من الدول الغربية والعربية بشرعية هذا المجلس، واعتباره ممثل الشعب السوري؟..
وهل الائتلاف الذي شُكل على نفس خطى تشكيل المجلس الوطني، سوف يكون له تأثير على الشارع السوري؟.. أم ستكون نهايته مثل نهاية هذا المجلس؟

هناك جوانب غير واضحة بالنسبة للشارع السوري، بما يخص هذا الائتلاف، فليس هناك برنامج ومشروع أو بيان واضح صدر عنهم، والمشكلة أن هناك تيارات اسلامية غير ديمقراطية، تشكل عددا ليس بالقليل، في هذا الائتلاف، يعترض عليهم شخصيات واسماء معروفة من المعارضة السورية، ولسان حال السوريين يتساءل عن ما سيقدمه الائتلاف، اكثر مما قدمه المجلس الوطني، وما هي الخطوة التالية في جدول اعماله، وهناك مسألة أكبر تثير التساؤلات، ألا وهو، مدى اصطدام هذا الائتلاف مع المجلس الوطني أو العكس، وهل سيتقبل المجلس بهذا الانهزام، ومدى ترجيح استمراريته في عمله السياسي المعارض.. من وجهة نظري أن الائتلاف في أول خطوة سيقوم بها، هو العمل على حل المجلس الوطني لأنه يشكل عائقاً أكبر من عائق النظام، مع العلم أن المجلس، جزء من هذا الائتلاف، وهكذا سيعتبر حله من ضرورات العمل الوطني، وبالتالي سيحدث الاصطدام والذي سيكون له الأثر السلبي الأكبر على المعارضة السورية، وتشتيتها أكثر مما هي عليها اليوم...

التسارع في الاعلان عن شرعية هذا الائتلاف والاعتراف به كممثل وحيد للشعب السوري، لن تكون آثاره السلبية، على المعارضة السورية فقط، المنقسمة أصلاً، لا بل على الدول الخليجية والعربية والدولية أيضاً، والتي اعترفت به على الفور قبل اعطاءه القليل من الوقت، لإثبات نفسه للمجتمع الدولي والعربي، وكأنهم لا يتعلمون من تجارب سابقة، على نمط ما حصل مع المجلس الوطني، وفي نفس الوقت هناك تردد من بعض الدول العربية بالاعتراف بهذا الائتلاف، لنفس الاسباب التي ذكرتها، وتفضل هذه الدول التمعن والتريث قليلاً، قبل اتخاذ اي قرار، يكون مردودها سلبياً عليهم، ويحميهم من الوقوع في نفس المطب الذي وقعوا به سابقاً.. إن افتقاد التنسيق بين الاطراف العربية سوف يثير اختلافات ومنها ما سيقصي عمل المعارضة والائتلاف، ككيان واحد يمثل الشعب السوري، وستختل موازين القوى في سوريا، لصالح فئة على حساب فئة أخرى، فالمعادلة العربية، الإقليمية، والدولية لا تتفق مع معادلة الشارع السوري...

على من سيكون رهان الائتلاف؟..
في خطواته الأولى، سيحاول الائتلاف، طلب الدعم العسكري لوجستيا وماديا، وسيتم توزيع الحقائب كما تم مع سابقه ومن طرف آخر سيحاول الاتفاق خاصةً مع المقاتلين على ارض الواقع، من ( الجيش الحر ) وحتى مع المجموعات السلفية، التكفيرية، والجهادية المتطرفة الأخرى، والتنسيق معهم على عكس المجلس الوطني، الذي كان على خلاف مستمر، لمحاولة الغاء دورهم، وحجب المساعدات والامدادات عنهم.. مما أدى كما يعرف الجميع، إلى فقدان المعارضة السورية السيطرة عليهم، وباعتراف العميد الركن مصطفى الشيخ قائد (الجيش الحر ) لوكالات اعلامية عديدة، quot; إن تشعب الأزمة في سوريا وتداخلها مع اطراف ودول خارجية عدة اسهم في انقسام عناصر المعارضة المسلحة من الداخل، وكان هذا بسبب الضغوط التي تتعرض لها المعارضة من الأطراف المختلفة محذرا العميد الشيخ، من ان استمرار الوضع دون تحرك دولي سريع حسب قوله، يهدد الوضع بالانفجار في الاتجاهات كافة، وإن عدم دعم المعارضة السورية يعني تحول عناصرها إلى مجموعة من الارهابيين quot;..

هناك قوى وشخصيات معارضة مهمة كانت لديها تحفظات على المؤتمر، وقوى أخرى قاطعت، مثل المنبر الديمقراطي، الأحزاب والقوى الكوردية، وهيئة التنسيق الوطنية السورية، ولم تشارك في هذا الاجتماع، واعتبرت الأخيرة أن تشكيل هذا الائتلاف، هي أجندة خليجية، تعمل على تغيير مسار الحراك في سوريا، وقلب الموازين لخدمة مصالحها في المنطقة، إن انشاء حكومة المنفى، دون الحوار مع الأطراف الأخرى، خطوة من الممكن أن تقود سوريا إلى دمار اكبر مما هي عليها اليوم، والائتلاف المشكل، يعرف جيداً هذا..
هل المشكلة تكمن في المعارضة؟.. أم هناك ما هو اقوى من رغبتهم، وقوى عربية واقليمية ودولية تسيرهم؟..
تساؤلات نذهب اليها... الوقت مبكر جداً للحكم على الائتلاف، مع اننا نعرف مسبقاً، ما هي النتائج..
إن العمل من بعض الدول العربية، بالضغط على الجامعة العربية، والاسراع بالاعتراف بأن الائتلاف هو الممثل الوحيد الشرعي لسوريا في الجامعة وخارجها، واعطاءه المقعد الشاغر منذ سنة، سوف يأخذ بالملف السوري إلى منحى آخر، وسيتسبب بانقسام الجامعة العربية، أكثر مما هي عليها اليوم، وهذا سيؤدي إلى توسع دائرة الصراع... في الوقت الذي يتريث فيه الاتحاد الاوروبي في اعلان أي قرار بخصوص الائتلاف، ويتمعن قبل اعلان شرعيته، تحسباً لما قد يؤدي هذا من تداعيات سلبية عليهم...

بروكسل...
[email protected]