في معظم البلدان التي ابتليت بأنظمة القائد الضرورة وحزبه العظيم تميزت أهم انجازات تلك الأنظمة وتفردها بفن لا يدانيه فن أو مهنة أو شطارة، ذلك هو فن الاغتيال الذي خصصت له مؤسسات ودوائر ودروس واختبارات، وقد تميزت ثلاثة دول بشكل متفرد في الإبداع بهذا الفن القاتل وهي؛ إسرائيل التي تفننت بملاحقة معارضيها أو أعدائها وتصفيتهم، إضافة إلى سوريا والعراق اللتان فاقتا حتى الأولى ومن شابهها في التفنن بعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية بأشكال مبتكرة منذ تولي حزب البعث السلطة في كلا البلدين، وهو شغال على تصفية كل معارضيه بشتى الوسائل لا يهمه فيها العدد أو الكم أو الشكل فقد صفى أكثر من عشرة ألاف معارض في أزقة وشوارع بغداد خلال اقل من أسبوع بعد انقلابه في شباط 1963م، وكذا فعل شقيقه في سوريا التي تأن اليوم من عمليات تصفية جماعية لمعظم السكان المعترضين على حكم البعث والأسد، منذ سنتين تقريبا وهو يغتال يوميا ما لا يقل عن مائة مواطن سوري بين طفل وشيخ وامرأة، ولم يكتف بذلك بل مد أذرعته المتفننة إلى خارج الحدود لكي يخرس الأصوات التي تنتقده أو من يحاول كشف حقائقه كما فعل في عملية اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري وقبله كمال جنبلاط واليوم مدير مكتب المعلومات اللبناني الذي كان يقف وراء كشف كثير من أسرار وتورطات نظام دمشق في لبنان وملفاته الأمنية، إضافة إلى العديد من زعماء هذا البلد المبتلي بجيرة نظام لم يذق ولم يعرف طعم الملح والخبز في حياته!؟

عمليات الاغتيال التي تفردت بها هذه الدول الثلاث وما زالت تتنافس في الإبداع بطرقها وأساليبها وأدوات تنفيذها وشبكات التجسس التي تزرعها هنا وهناك، ابتداءً بالسفارات وانتهاء بالمساجد والكنائس وأماكن العبادة واللهو أيضا، بدأت تأخذ طابعا يقترب في تنفيذه من عمليات الجراحة المعقدة التي يقوم بها أخصائيون محترفون من الأطباء لاستئصال شيء ما من الجسم، فلو نظرنا إلى معظم تلك العمليات منذ سبعينات القرن الماضي وتصفيات قادة ومفكري الثورة الفلسطينية على أيدي أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وما كان يقوم به نظام البعث العراقي وصدام حسين منذ أولى عملياتهم النوعية بعد مجيئهم الثاني عام 1968م وتصفيتهم لرفاقهم ومن ثم محاولتهم اغتيال الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني بعد عدة أشهر من توقيع اتفاقية آذار بين قيادته وبين حكومة البعث في بغداد، لأدركنا حقا بؤس ما تواجهه شعوب هذه البلدان ومن يجاورها والإنسانية جمعاء بوجود عصابات منفلتة ومهيمنة على مقدرات السلطة والمال حينما تتحول تلك العصابات إلى حكومات ويصبح عناصرها وزراء للدفاع والداخلية والأمن والخارجية وكبار مسؤولي الدولة التي يتم إخضاعها ومؤسساتها لخدمة هذا الفن القاتل؟

وحينما تنفلت الأمور وتقترب نهايات تلك العصابات أو الأنظمة الدكتاتورية، تبدأ عملية الاغتيال الجماعي للسكان كما حصل في أنفال صدام حسين، وكما يحصل الآن في سوريا، وما بين الاثنين تبقى هناك مجاميع مرة من الأسئلة التي تطال عمليات التصفية وانتشار كاتمات الصوت ولواصق النسف الانفرادي بعد سقوط إبطال فن الاغتيال بسنوات، وربما أبرزها هل ان هؤلاء من إنتاج تلك المدارس؟ أم ان أجيالا جديدة ومطورة وردت من خلف الحدود اللينة وبدأت تطبيق فنونها برأس العراق الأقرع!؟

kmkinfi@gmail