الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى (1899-1997) قرأ القرآن ولبس العمة وبدأ يحفظ نهج البلاغة وأشعار المتنبى فى صباه ثم ترك العمة وانتقل الى بغداد وعمل فى السياسة والشعر والصحافة فأصدر جريدة (الفرات) و(الإنقلاب) و(الرأى العام). كما صدر له ديوان (بين الشعر والعاطفة) عام 1928م وانتخب مرارا رئيسا لإتحاد الأدباء العراقيين. كان سياسيا قويا وناقدا بارعا فتارة أيد الحاكم كدورة فيصل الأولى والسنتين الأولى من ثورة 14 تموز عام 1948 وتارة أخرى وهى السمة الأكبر معارضا قويا وناقدا كبيرا وسياسيا بارعا فقد اشترك فى ثورة العشرين وألغيت جريدته (الفرات) و(الإنقلاب) ثم سجن عدة مرات وعطلت جريدته (الرأى العام) عدة مرات لكتاباته السياسية القوية الناقدة كما عارض حركة مايس عام 1941 لتعاطفها مع ألمانيا. أنتخب نائبا فى مجلس النواب 1947 لكنه استقال عام 1948 اعتراضا على معاهدة بورتسموث مع بريطانيا والتى تشبه الى حد ما اليوم المعاهدة العراقية الأمريكية التى تمس السيادة العراقية واستقلال العراق والتى تقول الحكومة أنها اضطرت إليها (مجبر أخوك لابطل) باعتبار تبعية السياسيين الحاليين وضعفهم ولكن الحقيقة أنه لم ستقل أى نائب إطلاقا تاركا امتيازاته البرلمانية الضخمة من أجل الشعب؟

الجواهرى الكبير عارض إنقلاب 8 شباط 1963 وترأس (حركة الدفاع عن الشعب العراقى) وهاجر فسحبت منه الجنسية وعائلته وأولاده كما صودرت أمواله وممتلكاته من قبل النظام الصدامى الإجرامى وقد نظم قصيدة رائعة فى ذلك، قال فيها:
يا غادرا إن رمت تسألنـــي أجيبك من أنــــــــــــــــــــا
فأنا العربي سيف عزمــــه لا ما أنثنــــــــــــــــــــــــى
وأنا الأباء وأنا العـــــــراق وسهله والمنحنــــــــــــــــى
وأنا البيان وأنا البديــــــــع به ترونق ضادنـــــــــــــــا
أدب رفيع غزا الدنــــــــــا عطر يفوح كنخلنــــــــــــــا
وأنا الوفاء وأنا المكـــــارم عرسها لي ديدنــــــــــــــــا
وأنا أنا قحطان منــــــــــي والعراق كما لنــــــــــــــــا
أنا باسق رواه دجلــــــــــة والشموخ له أنحنــــــــــــى
من أنت حتى تدعــــــــــي وصلا فليلانا لنــــــــــــــــا
حتى يقول
سل مضجعيك يابن الزنا ءأنت العراقى أم أنا
هكذا كان جريئا صريحا ناقدا لاذعا
ومن أهم قصائده السياسية الناقدة (طراطرا) يقصد طراطير السياسية. وقد كان لهذه القصيدة الرائعة الأثر السياسى الكبير والذى يشرح اختلافات السياسيين ومستواهم السياسى وهو يشبه الى حد ما الواقع السياسى المعاصر والمحاصصة ومستوى السياسيين الذى شرحه بريمر فى كتابه. يقول الجواهرى فى قصيدة طراطرا أو ياطراطرة السياسة:
أيْ طرطرا تطرطري
تقدَّمي تأخَّري
تَشيَّعي تسنَّني
تَهوَّدي تَنصَّري
تكرَّدي تَعرَّبي
تهاتري بالعُنصرِ
تَعمَّمي تَبَرنطي
تعقَّلي تسدَّري
كوني ndash; اذا رُمتِ العُلى -
من قُبُلٍ او دُبُرِ
صالحةً كصالحٍ
عامرةً كالعُمري
وأنتِ إنْ لم تَجِدي
أباً حميدَ الأثَر
ومفَخَراً من الجُدودِ
طيَّب المُنحدرَ
ولم تَرَي في النَفْس ما
يُغنيكِ ان تفتخري
شأنُ عِصامٍ قد كفَتْه
النفسُ شَرَّ مفْخَر
فالتَمِسي أباً سِواهُ
أشِراً ذا بَطَر
ولقد تحدث الجواهري عن ظروف ولادة القصيدة المنشورة لأول مرة في 26 آذار سنة 1946 قائلا ( كان الجو السياسي مملوءا بالنفاق والتزلف والخنوع لأصحاب المراتب العليا، وكان الركض وراء المناصب كبيرا، أما المعارضات فلم تكن بمستوى المسؤولية. وكان بعضها يترك مكانه لمجرد التلويح له بمقعد في المجلس laquo;النيابيraquo; أو في الوزارة، كانت بعض الأشياء أقرب إلى الابتذال، لقد تعاون مصطفى العمري وصالح جبر على إغلاق جريدتي laquo;الرأي العام laquo; مما أثار حزنا عميقا لدي وحين زارني عبد الكريم الدجيلي وصديق آخر وجداني أخط بعض الأبيات laquo;طرطرةraquo; توصيفا لطراطرة السياسة والسياسيين الطراطرة الملفقين وحين نشرت القصيدة تهافت باعة الصحف على مقر laquo;الرأي العام اضطر معه حراس المطبعة لغلق الأبواب ويقال ان بعض النسخ بيعت بدينار واحد أي ألف فلس في حين كان سعر الصحيفة بـ 10 فلوس آنذاك)
هكذا كان الجواهرى سياسيا ناقدا لاذعا للفساد والفاسدين. ولأهمية هذه القصيدة كان الوصى عبد الإله يهدد بها السياسيين آنذاك ويضرب بجريدة الرأى العام التى نشرتها عندما يختلفون وتتحرك مصالحهم الشخصية ليضرب بها الطاولة فيحصل الإجماع وتكون النتيجة رضوخهم جميعا لمطالب عبد الإله.

وفى السياق ذاته، تذكرنا قصيدة الجواهرى بقصيدة رائعة لمظفر النواب القائل فيها: القدس عروس عروبتكم؟؟فلماذا ادخلتم كل زناة الليل حجرتها ووقفتم تسترقون السمع وراء الابواب لصرخات بكارتها وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفا وصرختم فيها ان تسكت صونا للعرض؟؟؟فما اشرفكم!اولاد ال.... هل تسكت مغتصبة؟؟؟ اولاد ال....لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم ان حظيرة خنزير اطهر من اطهركم تتحرك دكة غسل الموتى اما انتم لا تهتز لكم قصبه!

كما ألف أحد الشعراء العراقيين المعاصرين فى لندن قصيدة حديثة أسماها (يازناة الليل) التى اقتبس عنوانها وبعض أفكارها من القصيدتين أعلاه لينتقد فيها السياسيين العراقيين الإسلاميين المعاصرين ودقائق تحركات قياداتهم الدينية فى الليالى الحمراء بلندن وباريس وكوبنهاكن وغيرها.
والملاحظ المراقب للسياسيين العراقيين المعاصرين وهو يقرأ قصائد الجواهرى والنواب وزناة الليل، يجد الشبه الكبير للأمس باليوم، وطراطير السياسة بأولاد الزنا وزناة الليل، وفى التاريخ خير عبرة لمن أراد الإعتبار.