ساد الهدوء والسلم الاهلي مناطق الجزيرة محافظة الحسكة بالرغم من القتل والتدمير الذي جرى ويجري في كل انحاء سوريا منذ عشرين شهرا مرت على الثورة السورية.
هذه المحافظة كانت تشكل الملاذ الآمن لعشرات الالوف من السوريين في كل انحاء سوريا وبشكل خاص لاهالي محافطة ديرالزور الجارة.

سكان الجزيرة كغيرهم من السوريين فيهم من يوالي النظام ومن يعاديه ويريد اسقاطه بالاضافة الى الذين يقفون على الحياد وعدم الدخول في تأجيج الحرب الطائفية الدائرة في الداخل السوري، ولكن لم تنشب اية معارك بينهم وفضل الجميع الحفاظ على السلم الاهلي وكأن هناك عهد واتفاق غير مكتوب او موقع عليه بين الكرد والعرب والسريان وبقية الاطياف بشكل يدعو الذهول والاعجاب معا.
قبل اسبوع هاجمت جماعات مسلحة تدعي انها من الجيش الحر ودخلت مدينة سري كانية المعربة من قبل السلطة الى راس العين واستولت عليها دون اية مقاومة من مسلحي قوات الحماية الشعبية الكردية تفاديا للوقوع في الفخ الذي يهدف الى اشعال حرب كردية عربية اعدت لها تركيا بدقة واتقان.

لماذا توجيه الاتهام الى تركيا؟
ــ تركيا هي الحاضنة لكل الجماعات المسلحة على الارض السورية دون استثناء وتزودها بالمال و السلاح.
ــ الجماعات المسلحة دخلت من الاراضي التركية وذلك بعد ان رفع الجيش التركي الاسلاك الشائكة وازالت الالغام على الحدود الشهير بالتحصينات والمراقبة الدائمة.
ــ تركيا ساكتة لا تحرك ساكنا بالرغم من شظايا القنابل التي اصابت السكان في البلدة التوأم في الجانب التركي جيلان بنار وجل سكانها من الكرد الذين اضطروا الى مغادرتها بعد وقوع خسائر مادية جسيمة وسقوط الجرحى. الطائرات السورية قصفت مواقع لا تبعد اكثر من 200 الى 300 متر فقط.

ماذا حققت تلك الجماعات من اهداف في quot; تحرير quot; سري كانية او راس العين؟
في اليوم التالي هاجمت طائرات النظام المدينة وقصفتها موقعة خسائر بين المدنيين العزل بما فيهم الاطفال والنساء وتهديم المباني على رؤوس العائلات وهجرة السكان بالكامل، اي تحرير المدينة من اهلها. بالاضافة الى هذا quot; الانتصار quot; حركت هذه الجماعات المسلحة جرثومة الفتنة بين المعادين والموالين للسلطة في مناطق اخرى من المحافظة وتأجيج روح الحماسة القومية بين البسطاء والسذج من الكرد والعرب.
المناطق في الجزيرة السورية هي مناطق نائية عن العاصمة والداخل السوري ولا يمكن ان تلعب دورا حاسما في اسقاط النظام، بينما هي افضل منطقة آمنة للنازحين من الحرب الدائرة في الداخل.
النظام لم ولن يتأثر بكل ماجرى، اذ ان المسافة بين سري كانية ودمشق قد تصل الى 800 كم علما ان المدينة ليس فيها لا ثكنة عسكرية ولا مصنع ولا اية مؤسسات انتاجية اللهم زراعة الحبوب مرة واحدة في السنة بالاضافة ان ينابيع المياه التي كانت تمثل شريان الحياة فيها قد اصابها الجفاف منذ سنوات.

هل هدف الجماعات المسلحة هو الاستيلاء على منشآت رميلان المنتجة للغاز والبترول؟
للوصول الى تحقيق هذا الهدف لا بد ان يكون مصير كل المدن والبلدات والقرى في الطريق الى رميلان هو نفس المصير الذي اصاب سري كاني من دمار وتشرد بل وتسويتها بالارض كما حصل في حمص وحماة وادلب وذلك من خلال لعبة الكر والفر بين المسلحين وطائرات النظام ولن يفلت احد منه. الا يحق للمرء ان يرتاب في ان هناك تنسيق بين النظام وتلك الجماعات في هذا المخطط الجهنمي لتخريب الانسان والبلد معا؟
عمليات الجيش الحر ليست عمليات نوعية ودقيقة في حربه ضد قوات النظام، بل الذي يحدث على الارض انما هي غارات ومعارك غير منضبطة حيث انها لا تعبأ بحياة المدنيين والعزل، اذ انها تفتح باب جهنم امام طائرات النظام لتفتك بالعزل وتهدم البيوت على الرؤوس. راس العين هي عينة نموذجية لما حدث ويحدث في كل ارجاء سوريا.

لن يمضي وقت طويل الا ونشاهد فيه ان معظم فئات الشعب قد تحولت الى الوقوف الى جانب النظام بسبب هذه الحرب العشوائية، في كل مكان يدخله الجيش الحر، و البعيدة كل البعد عن المثل الاخلاقية للقتال والتي تؤدي الى تعرض المدنيين الى المجازر والتشرد بلا مأوى هائمين على وجوههم في العراء والملاجئ اذا تمكن من الوصول اليها.

على اهل الجزيرة وبكل انتماءاتهم ان يعلموا على اليقين ان الحرب الطاحنة على حقول رميلان والجبسة النفطية ستكون اشد ضراوة وشراسة لما دار في حمص وحماة ودرعا وريف دمشق ودير الزور....الخ.
في مثل هذه الحروب الداخلية تتبدل الولاءات من يوم الى آخر والمحصلة هو الزيادة في عدد المقابر والملايين من الجرحى والثكالى والايتام. لن يكون هناك اي منتصر، بل الكل يخسر وبطون كتب التاريخ مليئة بالعبر.

الطريق الوحيد لتفادي هذا السيناريو المرعب هو الاتفاق بين كل مكونات الجزيرة من الكرد والعرب والسريان وغيرهم و تشكيل قوات مشتركة في كل المدن والبلدات والقرى لمنع دخول اية جماعات مسلحة الى تجمعاتهم السكنية وذلك بالمفاوضلات اولا مع قيادات الجيش الحر وبقية المسلحين الذين يحاربون النظام وكذلك مع قيادات المعارضة السياسية داخل وخارج البلاد لتحقيق عودة السلم الاهلي للجزيرة والحفاظ عليها كملاذ آمن كالسابق.

هذا لن يتحقق الا بالتضامن والاتفاق بين الكنيسة وزعماء العشائر العربية الاصلاء والاحزاب والقوى الكردية.
قوات الحماية الشعبية والكرد بشكل عام تصرفوا بكل عقلانية وتحملوا وتجرعوا السم وذلك في عدم الانجرار الى معارك تهدف الى حرب عرقية لا تبقي ولا تذر.
قيادة الجيش الحر الحقيقي مطلوب منها اتخاذ موقف واضح وصريح لما جرى في سري كهنية والا فان الجماعات المسلحة موضوع الحديث سوف تكون محسوبة عليهم وبالتالي سيعتبرون الشريك في الجرائم التي حدثت والتداعيات التي ستنتج لما حصل امام الله والتاريخ والشعب السوري.


طبيب كردي سوري
[email protected]