استبشر العراقيون خيرا ومعهم المجتمع الدولي باسره، بولادة المفوضية العليا لحقوق الانسان بوصفها احدى الهيئات المستقلة التي تعنى بحقوق الانسان في العراق، والتي وصفها رئيس بعثة الامم المتحدة مارتن كوبلر بانها انجاز تاريخي مشيرا الى ان عملية اختيار الاعضاء استغرقت عاما كاملا.

وتشكلت المفوضية من (11) عضوا فضلا عن عضوين من الاحتياط، بعد ان تقدم 2085 مرشحا، وقد تمت مراعاة المحاصصة في اختيار اعضائها وعلى الرغم من ذلك فان معظم اعضائها يمتلكون بعدا معرفيا في مجال حقوق الانسان، وبالتالي فان حجم التوقعات يبدو كبيرا لاداء دور فعال في مجال حقوق الانسان في ابعاد متعدد لعل من اهمها:
1.رصد الانتهاكات والمخالفات او الثغرات و الاخطاء التي ترتبكها اجهزة الدولة وموظفيها، بحق الافراد والجماعات في مجال حقوق الانسان، وهذا يعني ان مهمة المفوضية واعضائها شاملة فمن حيث النطاق فهي تعنى بحق الافراد وحق الجماعات كما انه لا يقتصر اهتمامها على عمل اجهزة معينة بحد ذاتها كالاجهزة الامنية على الرغم من انها تحظى بالنصيب الاكبر، نظرا لطبيعة عملها وتماسها المباشر مع قضايا حقوق الانسان كالاعتقال والتعذيب الخ، بل انها معنية بكل اجهزة الدولة لان الموضوع الاساس هو حقوق الانسان اينما كانت في الاجهزة المدنية او العسكرية.

2.يوجد ملف كبير ومعقد من القضايا التي تتعلق بحقوق الانسان، على مستوى الافراد في المقام الاول وعلى مستوى الجماعات في المقام الثاني، ومن اهم هذه القضايا ملف السجون، وملف الاعتقالات، وانتهاكات حقوق الانسان،مع وضع مدونة سلوك لموظفي الدولة تراعى فيها حقوق المواطن، فضلا عن ملف الفساد وقد يتم التساؤل ما علاقة ملف الفساد بحقوق الانسان، والاجابة انه اذا كانت التفجيرات تقتل عشرات الضحايا الابرياء فان الفساد يقتل امة وشع باكمله، ماديا ومعنويا. ومن ثم فان هذه الملفات ستكون عبئا كبيرا على كاهل المفوضية وتضعها في موقف لايحسد عليه.

3. تلقي شكاوي المواطنين الافراد والجماعات، في القضايا التي تمس حقوق الانسان، والتي حددتها المواثيق الدولية وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والدستور العراقي والقوانين العراقية الاخرى، والعمل على انصاف هؤلاء المتظلمين من ظالميهم دونما تمييز، بعيدا عن اي اجندات سياسية او محاباة او نظرة جهوية او طائفية وهذا يقتضي شجاعة وامانة وصدقا وتصالحا مع النفس لان اصلاح النفوس تسبق تطبيق النصوص، وإذا ما توافرت نية حقيقية لقيام المفوضية بدورها، فان هذه المفوضية ستسجل تاريخا مشرقا في العراق والمنطقة بوصفها المنظمة الاولى التي عملت على مراقبة وتطبيق مدونة سلوك انسان فعلي وعملي تضع فيه معايير حقوق الانسان احدى الاولويات الرئيسة لها.

4.وضع تقارير شهرية وفصلية وسنوية لقضايا حقوق الانسان في العراق، مع وضع مؤشر عام لميزان حقوق الانسان في العراق يبدء من (واحد الى عشرة) يكشف حالة حقوق الانسان من سنة الى اخرى، ونشر هذه التقارير على الملأ وبصورة منتظمة لا ارتجالية، بما يشكل نقلة نوعية حقيقية ومنتجة، فضلا عن انه وسيلة ضاغطة وحيوية على جميع اجهزة الدولة الامنية والمدنية لكي تراعي في عملها حقوق المواطن الاساسية، وبالتالي تكون المفوضية هي الخصم المدافع عن حق المواطن في مواجهة الخروقات التي ترتكبها اجهزة الدولة وموظفيها، لان المواطن الفرد او حتى الجماعات غير قادرين على مجابهة ومواجهة قوة الاكراه المادية والمعنوية للدولة واجهزتها على نحو منفرد دون وجود داعم حقيقي، وبوجود المفوضية فان المواطن الفرد والجماعة سيجدان ملاذا حقيقيا لهما في مواجهة ظلم الدولة.

5.فتح مكاتب في المحافظات والاقاليم لها، والتفاعل فيما بينها، وعلى هذه المكاتب ان تصدر تقريرا شهريا وفصليلا وسنويا موازيا للتقارير العامة، ونشر هذه التقارير على الملأ على نحو منتظم ايضا، لكي يسهل على المفوضية وضع مؤشر فرعي لحقوق الانسان لكل محافظة على حدة، بما يدفع مجالس المحافظات الى مراعاة قضايا حقوق الانسان التي غالبا ما لا تأخذ حيزا كافيا في تفكير اعضائها او اجهزتها المتعددة.
6.ان الفائدة المرجوة من نشر تقارير حقوق الانسان العامة والفرعية ( المحافظات)، لها اوجه متعددة، منها نشر ثقافة حقوق الانسان في عموم العراق، وتعريف المواطن العراقي بحقوقه الاساسية والانسانية والتي تكفلها القوانين الوطنية والدولية، واشعار اجهزة الدولة المعنية بانها تحت رصد مراقبة المفوضية في مجالات حقوق الانسان، بما يمثل حماية فعليه للاجهزة نفسها لان هذه المراقبة ستكون رادعا لانتهاكات عدة ترتكبها في حالة غياب هذه المراقبة، كما انها يمكن ان تساعد على وضع مدونة سلوك لهذه الاجهزة يتم فيها مراعاة حقوق الانسان، من اجل بناء ارث معرفي وعملي سوف يتراكم بمرور السنوات للوصول الى مجتمع يحرص على حفظ وحماية واحترام حقوق الانسان وكرامته.

7.وضع اليات للتفاعل المباشر مابين الفرد والجماعات والمفوضية ومكاتبها المتعددة، لتجنب حلقات الروتين والبيروقراطية، وهذا يتطلب تبويب القضايا ووضعها في جداول وتواريخ للبت فيها، واعلام المواطن او الجماعة بمسار القضية او الشكوى بما يخلق مصداقية للمفوضية ويدفع المواطن للتفاعل واحترام عمل المفوضية ومنتسبيها.

8.يعد الجانب الاعلامي احد الجوانب الرئيسة لعمل المفوضية، وينبغي ايلاء هذا الجانب قدر مهم لانه يشكل رافدا فاعلا للتعريف بها وبعملها وبقضايا حقوق الانسان ومصدرا مهما لنشر ثقافة حقوق الانسان في العراق، كما انه يعكس وجودها الفعلي على الساحة العراقية.

9.الى جانب ذلك يعد الموقع الالكتروني لمفوضية حقوق الانسان في العراق وبلغات متعددة (العربية والكردية والتركمانية فضلا عن اللغات الاجنبية الحية)، الركن الاساسي لعمل المفوضية ومرجعا اساسيا للتقارير والبيانات والقضايا، وتلقي الشكاوي والدعم والمبادرات والتفاعل الداخلي والدولي الخ. وبالتالي فان من اوائل المهام التي كان ينبغي للمفوضية التعجيل به تاسيس هذا الموقع.
10.تاسيس مركز بحثي يعنى بقضايا حقوق الانسان، ليكون بمثابة العقل المفكر لعمل المفوضية ومرشدا لعملها، فضلا عن دوره في اصدار التقاير والنشرات والدوريات والندوات وورش العمل، وكل ما يتعلق بمجال البحث الداعم لقضايا حقوق الانسان في العراق.

11.التفاعل مع مؤسسات المجتمع المدني، في القضايا التي تهم مجالات حقوق الانسان بما يسهم ويعزز من عمل المفوضية، وكذلك بما يدعم ويدفع مؤسسات المجتمع المدني من اجل الدفاع عن حقوق الانسان في العراق.

12.ينبغي ان يكون رئيس المفوضية شخصا يتمتع بالكارزمة، وان يكون حازما لا يخضع لضغوطات الحكومة وان يمتلك الشجاعة امام مواجهة التحديات والمقبولية لدى جميع الاطراف، ومع ان اعضاء المفوضية العليا لحقوق الانسان مستقلون من حيث المبدأ، فان واقع الامر يشير الى ارتباطهم بهذا الطرف السياسي اوذاك، وبالتالي ومن اجل عدم اتاحة الفرصة للشكوك والاتهامات فرئيس المفوضية يجب ان يكون غير محسوب على طرف السلطة، وان يكون هذا الامر عرفا يتم الاخذ به مستقبلا.

بيد اننا نرى ومنذ تاسيس المفوضية في نيسان من العام الحالي ولحد الان غياب تام لمفوضية حقوق الانسان الى درجة تثير الاستغراب والتعجب، مع ورود انباء عن عجز المفوضية عن اختيار رئيس لها ونائب له لغاية الان، وعدم وجود مقر لها،، بل الامر الاكثر ادهاشا هو انه لاجود لهذه المفوضية حتى على نطاق العالم الافتراضي، إذ لايوجد موقع الكتروني لها بصورة رسمية، وكذلك في مواقع التفاعل الاجتماعي (الفيس بوك والتويتر)، بما يدفع للتساؤل هل هناك اطراف حكومية او سياسية لاتريد تفعيل عمل هذه المؤسسة ام ان السبب والتقصير يعود لاعضاء المفوضية، بل اننا حاولنا التفتيش في محركات البحث عن نشاط واحد او خبر لهذه المفوضية داخل العراق فلم نجد لها سوى خبر تاسيسها، ونخشى ما نخشاه ان تتحول المفوضية الى ديكور يضفي الشرعية على انتهاكات حقوق الانسان في العراق من خلال القول انه هناك مفوضية حقوق انسان في العراق، او ندعو مستقبلا مع هذا السبات غير المبرر الى تأسيس مفوضية عليا لحماية حقوق المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق او مراقبة عملها.