تمت عملية أختيار البابا الجديد للكنيسة القبطية بسلام، وأصبح البابا تواضروس الثاني هو البابا 118 للكنيسة القبطية العريقة، شهد العالم كله بروعة التنظيم ونزاهة العملية الانتخابية ثم شفاقية القرعة الهيكلية، الأمر الذي أفرح قلوب الجميع حتي أولئك الذين لم يكن الأنبا تواضروس اختيارهم الأول، وكان اختيار السماء لقداسة البابا الجديد ملئ بالدروس والعبر نذكر منها.

أولا: حلت حالة من الحزن الشديد علي الأقباط بعد رحيل البابا شنودة الثالث، كنت تشعر أن الأقباط جميعا قد تيتموا.!! لم يكن حزن الأقباط علي فراق قداسة البابا ولكن حزنهم كان بسبب الخوف علي مستقبلهم وعلي مستقبل كنيستهم، وكثيرا ما نصاب بضعف الإيمان بدون أن ندري فنشعر أن لولا البابا فلان لضاعت الكنيسة ولولا الأسقف فلان لضاعت الإيبراشية، وننسي أن الكنيسة هي في يد الله الذي يعمل من خلال البشر وما البشر إلا أداة في يد الله، والله قادر كما استخدم شخص معين لعمل معين أن يستخدم شخص أخر لنفس العمل، وجاء القائم مقام في ظروف صعبة فإذا به يقود الكنيسة بكل حكمة وقوة بل استطاع أن يصلح من بعض العيوب التي كانت في العهد الماضي.

ثانيا: أعتقد البعض أن الوصول للكرسي البابوي لا يمكن أن يمر إلا من خلال سلطة أرضية فتملقوا للسلطة وداهنوها علي حساب شعبهم وعندما آن الآوان كانت السلطة التي داهنوها سنين وسنين تسكن سجون ليمان طرة، ولم ينس لهم الشعب مواقفهم فقدم فيهم الطعون التي أطاحت بهم خارج القائمة، ربما لو اخلص هؤلاء لشعبهم لما كان اطيح بهم، وحتي علي المستوي العلماني جاهل من يبحث عن قوة دعم غير الناس، فالناس هم القوة الحقيقية لمن يخلص لهم وهم لا يغفرون لمن يتهاون في حقوقهم.

ثالثا: لم يكن الأنبا تواضروس معروفاً للكثيرين من الأقباط ولكن في فترة قيادة معلمه للكنيسة كقائم مقام وإظهارة قدرات ومواهب عظيمة نالت رضا كل الأقباط، جعلت من الناخبين يعتقدون أن تلميذ الأنبا باخوميوس قادر أيضا علي قيادة الكنيسة فلو سار علي منهاج معلمه ستكون الكنيسة بخير وهو الذي شجعهم أن يمنحوه أصواتهم ليحصل علي المركز الثاني ثم يدخل القرعة الهيكلية ويلتقط الطفل بيشوي أسمه ليصير بابا الإسكندرية، فهو دليل علي أن الاختيار الهي.

رابعا: اظهرت عملية اختيار البابا قدرات وعظمة وتحضر الشعب القبطي، فلأول مرة وبعد التطور التكنولوجي الرهيب يتابع العالم مايدور داخل الكاتدرائية لحظة بلحظة بداية من تزكيات المرشحين مرورا بالتصفية ثم الانتخابات ثم القرعة الهيكلية، ليشهد كل العالم علي روعة التنظيم ويشهد الكل علي قدرة الأقباط علي التنظيم الإداري لدرجة أن كثير من المفكرين طالبوا بأن تستفيد الدولة من اللجنة المنظمة في الانتخابات العامة.
خامسا: أظهرت هذه الفترة حب التيار العلماني للكنيسة وقدرتهم علي مساعدة الكنيسة في تخطي الأزمات، وما كنا نسمع عنه في الماضي ما هو إلا خلافات شخصية أراد بها البعض إبعاد العلمانيين والمستنيرين عن البابا، فإذا بالقائم مقام يفتح مكتبه وقلبه لهم ويجلس معهم ويسمع لهم ويصيرون هم عونه في المكائد التي تدبر من الداخل له وللكنيسة، لنتعلم أن الكنيسة لابد أن تكون كالأم تضم جميع ابنائها وتتحاور معهم وتظهر لهم حبها فيصيرون معضدين للأم وداعمين لها، وأن في حالة المعاندة تكون خسارة الأم أكبر من خسارة الأولاد بكثير.

سادسا: لكل مرحلة رجالها وقد قلتها لأحد اصدقائي الذي قمت بزيارته بعد معرفة خبر نياحة البابا شنودة بدقائق ووجدته يجهش بالبكاء، أن البابا شنودة مرحلة وأنتهت والمرحلة القادمة تحتاج رجل اخر بفكر مختلف ليقود الكنيسة، وقد حدث فتشاء الظروف أن يتم اختيار الانبا تواضروس بعد الثورة ووصول الإخوان للحكم وما تلاها من تغيرات رهيبة علي كل المستويات ونحن نثق انه رجل المرحلة وهو قادر بعون الله علي قيادة الكنيسة في هذه المرحلة الصعبة.

في النهاية اتقدم بالشكر للانبا باخوميوس علي قيادته للكنيسة في فترة الثماني أشهر الماضية، وأقدم التهاني للأنبا تواضروس متمنيا له التوفيق في مهته الشاقة والصعبة وواثق في مساعدة السماء له، والله قادر أن يستخدمه كما أستخدم الذين سبقوه لرعاية شعبه وكنيسته.