بعد انتظار دام لعدة ايام وتكهنات لما سيؤول إليه الوضع في قطاع غزة، يبدو ان دولة الاحتلال الصهيوني اتخذت قرارا بالحرب ضد الشعب الفلسطيني وقادته، ويبدو ان جهود التهدئة المصرية والدولية لم تنجح هذه المرة بوقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة واستباحة الدم الفلسطيني.

العدوان الاسرائيلي بدأ باغتيال احمد الجعبري قائد كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، وبلا شك ان سيناريو الهجوم على غزة كان متوقعا، وذلك لحاجة رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو لمثل هذا العدوان من اجل رفع اسهمه في الشارع الاسرائيلي، وكما هو معروف دأب السياسيون الاسرائيليون على شن عدوان على الفلسطينيين قبل كل انتخابات، لان الدم الفلسطيني برأيهم يعتبر وقود الانتخابات الاسرائيلية، وكلما ازداد عدد الضحايا والدمار ارتفعت اسهم السياسيين الاسرائيليين الانتخابية.

يشكل اغتيال الجعبري ضربة موجعة وخسارة لحركة حماس، اسرائيل ارادت ان تنتقم من الجعبري الذي اتهمته بالتخطيط لخطف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، وارادت اسرائيل ايضا ان تثبت ان قوة الردع لديها ما زالت قوية ولم تتأثر بعد العملية الاخيرة التي قامت بها في نهاية عام2008 ضد قطاع، والتي أُطلق عليها عملية الرصاص المصبوب.

اما من ناحية اخرى فهذا العدوان يشكل فرصة للفلسطينيين من اجل توحيد صفوفهم وانهاء حالة الانقسام، لان القاسم المشترك الذي يجمعهم هو محاربة هذا العدو وقضيتهم الواحدة، ويتضح اكثر فأكثر بأن هذا العدو لن يقدم للفلسطينيين شيئاً، لا لهؤلاء الذين اختاروا المفاوضات طريقا لاسترجاع الحقوق الفلسطينية، ولا لهؤلاء الذين اتخذوا المقاومة سبيلا لتحرير الاراضي الفلسطينية.

فالفلسطنيون يخوضون حرباً على جبهتين، جبهة الذهاب الى الامم المتحدة والاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو، وتلقى هذه الخطوة هجمة مسعورة ومعارضة اسرائيلية وامريكية الى حد فرض العقوبات على الفلسطينيين والتهديد بحل السلطة والغاء اتفاقيات اوسلو، ويعتبر الهجوم ايضا تحذيراً الى السلطة الفلسطينية بأنها من الممكن ان تكون الهدف التالي اذا هي اصرت على الذهاب الى الامم المتحدة، ومن ناحية اخرى يخوض الفلسطينيون الان حربا للدفاع عن انفسهم وصد العدوان الاسرائيلي الهمجي ضد قطاع غزة.

ان هذه العملية هي الاولى بهذا الحجم التي تحصل بعد ما يسمى ثورات الربيع العربي، وخاصة بعد وصول الاخوان المسلمين الى السلطة في مصر، والتي تربطهم بحركة حماس علاقات قوية، ومن غير المعروف كيف سيكون عليه الموقف الرسمي المصري الذي يعول عليه الفلسطينيون كثيراً، وتبدو هنا مصر في وضع صعب ومحرج وخاصة انها ترتبط بمعاهدة سلام مع اسرائيل، ومن المعروف ان اكثرية الشعب المصري لا تؤيد هذه المعاهدة، والكثيرين راهنوا على تعديلها او الغائها بعد وصول محمد مرسي الى سدة الرئاسة.

ان النظام المصري السابق اكتفى بالوساطة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي عندما كان الوضع يشهد توترأ وذلك بهدف التهدئة وفي بعض الحيان الضغط على الفلسطينيين من اجل ارضاء اسرائيل، وان النظام الحالي يحاول لعب دور الوساطة، ولكن الشعب المصري والفلسطينيين والشعوب العربية تتطلع الى ان يلعب النظام الجديد في مصر دورا ضاغطا ومؤثرا على اسرائيل، وليس الاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار على هذا العدوان، ويشكل الوضع الان في غزة اختباراً للسلطات المصرية ومدى قدرتها على الضغط على اسرائيل ومساندة حماس.

يعول الفلسطينيون ايضا على موقف جدي من قبل الجامعة العربية التي تعمل في المناسبات وخاصة بشأن القضية الفلسطينية التي اصبحت من المسائل الثانوية على جدول اعمال هذه الجامعة، فقضية الهجوم على قطاع غزة يجب ان تهم الجميع، ورد الفعل يجب ان يكون على المستوى المطلوب وليس الاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار التي تعودنا عليها على مدى عقود مضت.

كاتب فلسطيني