لا أدري هل أرثي لحال نوري المالكي رئيس وزراء العراق، أم أرثي لحال العراقيين الذي أبتلوا بحكمه. فهذا الرجل إفتعل أزمة سياسية خطيرة كادت أن تحرق العراق مستندا على معلومات خاطئة تلقاها من رهط المستشارين والحاشية الغبية التي تحيط به،دون أن يجد لها أية مسوغات أو مبررات معقولة. والكارثة الكبرى ليست في إشتداد تلك الأزمة في ظل حكم المالكي، بل في تداعياتها المستقبلية على الوضع العراقي عموما.فبلد يقوده هكذا شخص محاط بجملة من المنتفعين والإنتهازيين الشوفينيين وحارقي البخور والطبالين والزمارين،لا يمكن الإطمئنان الى مستقبله بأي حال من الأحوال، فهذا الرجل الذي يحكم عراق الحضارة والتاريخ أصبح بعد أن أحاطه هؤلاء المنتفعين من هباته السلطانية،كما يقول المثل العراقي quot; نايم ورجليه بالشمسquot;!. أو كما يقول المثل الكردي عندنا quot; لم يعد يفرق بين الخصيان والجوزquot;!. فيروى أن رجلا كان يعد محصول الجوز في إحدى القرى الكردية،ويجلس قبالته رجل يساعده في تجميعها له، وإذا بالعداد يمسك بخصيان الرجل ويعده ضمن الجوز، فذهب ذلك مثلا للغبي الذي لا يفرق بين الجوز والخصاوي!
حكمة المالكي أوصلته أخيرا الى إدراك خطورة الأزمة التي إفتعلها بسبب إصراره على تشكيل قيادة عمليات دجلة،بعد أن أوهمته حاشيته الغبية بإمكانية أن يصبح هو القائد الضرورة للعراق الجديد من خلال تحديه السافر للشعب الكردي وتهديدهم بالإبادة الشاملة كما فعل القائد الضرورة الذي سبقه، وأخذته العزة بالنفس حدا أن يفرط بتحالف تاريخي معبد بالدم المشترك بين الكرد والشيعة، فجاء بأحد أبطال حملات الأنفال السيئة الصيت ليسلطه على رقاب شركائه بالحكم، وهو الذي لم يتردد للحظة بإعدام شريكه السني الآخر سياسيا،في محاولة منه للإستفراد بالحكم الدكتاتوري للعراق،وكأن العراق تنقصه الدكتاتوريات التي تعاقبت عليه منذ أكثر من ثمانية عقود وأفرغت البلاد من شعبه.
حكمة المالكي هدته أخيرا الى محاولة الخروج من هذه الأزمة العسكرية المفتعلة بتقديم إقتراح يقضي بتسليم الملف الأمني في المناطق المتنازعة لقوات مشتركة من قيادة الجيش والبيشمركة، بدل حصره بقيادة عمليات دجلة.وأراد المالكي بذلك أن يحفظ ماء وجهه،ولكنه لم يدرك أنه بهذا الإقتراح سود وجهه بدل أن يبقى على قطرة ماء فيه.
فالقائد العام للقوات المسلحة (أنظر الى ضخامة مسؤولية المنصب) وهو نوري المالكي رئيس وزراء العراق،يقترح تشكيل لجنة مشتركة بين البيشمركة والجيش لإدارة الملف الأمني في المناطق المتنازعة.ولكنه لا يدري وهو القائد العام للقوات المسلحة( الرجاء التمعن بضخامة مسؤوليته مرة ثانية) أن قوات الجيش والبيشمركة تديران فعلا ومنذ أربعة أعوام الملف الأمني في تلك المناطق المتنازعة؟؟!!. ويكون سماحة القائد العام للقوات المسلحة قد فسر الماء بالماء كما يقال؟!.
الأطرف من ذلك أنه في خضم الأزمة المفتعلة أصدر أمرا بصفته القائد العام للقوات المسلحة ( رجاء التوقف مرة ثالثة عند ضخامة هذه المسؤولية) الى قوات الجيش يأمرها أنه في حال إقتراب البيشمركة من مواقعها التعامل معهم بكل قوة وإستخدام كافة الأسلحة لردعهم!.والسيد القائد العام للقوات المسلحة( رجاء التمعن للمرة الرابعة) لم يدرك أنه بنفس اليوم الذي أصدر هو هذا الأمر العسكري كانت قوات مشتركة بين الجيش العراقي البيشمركة تسيران جنبا الى جنب في مفارز مشتركة وتعملان في نقاط تفتيش وسيطرات مشتركة لردع الإرهابيين وملاحقتهم؟!.
هناك إتفاق وقع عام 2008 بين وزارة الدفاع العراقية ووزارة البيشمركة تحت إشراف القوات الأمريكية التي كانت موجودة حينذاك يقضي بتسيير دوريات مشتركة ( عراقية وكردية وأمريكية) في المناطق المتنازعة لحفظ الأمن ومواجهة الإرهابيين في تلك المناطق. وبعد صدور قرار إنسحاب القوات الأمريكية من العراق، إنسحبت القوات الأمريكية وأصبحت تلك الدوريات ونقاط التفتيش تدار من قبل قوة مشتركة من الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية وإنحصر الدور الأمريكي على الجانب التنسيقي فقط. ويبدو أن السيد المالكي كان نائما طوال السنوات الأربع التي تلت توقيع تلك الإتفاقية ودخوله حيز التنفيذ،وأفاق على وقع صيحات بعض مستشاريه وأفراد حاشيته الغبية والمقربين منه ليوجه هذا الإنذار الى قوات البيشمركة ويحذرها من مغبة التقرب من قوات الجيش العراقي، معتبرا ذلك ويا للهولquot; خطا أحمرquot;؟ّ.
مصيبة الشعوب في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تبتلي دائما بالدكاتوريات الحاكمة، وكأن تربتها لاتقبل الخضرة والجمال والإنفتاح وتنسم هواء الحرية والديمقراطية،أنها تبتلي بحكام يحيطون أنفسهم دائما بحاشية السوء، ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز عندما خاطب خادمه مزاحم قائلاquot; والله يا مزاحم ما أفسد الملوك إلا حاشيتهاquot;.
وحاشية السيد المالكي لا تختلف عن بقية الحاشيات المحيطة بمعظم الدكتاتوريين في التاريخ، فهم يوهمونه بالزعامة والريادة حتى تصل الأمور بهم الى حد المطالبة بالألوهية ( أستغفر الله) حتى يتجرأون بالقول quot; أنا ربكم الأعلىquot;، وينسون في غفلة من العقل والمنطق كيف خسف الله بقارون الأرض الذي كان يتملك من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة.
مصيبتنا نحن العراقيين في مثل هؤلاء الحكام الذين لا يدرون بما يدور حولهم، فتأتي قراراتهم الكارثية لتصب الحميم على رؤوسنا،فصدام حسين عندما غزا الكويت أوهموه بأن طريق تحرير فلسطين يمر عبر هذه الدولة في الجنوب،فاضاع صدام في لحظة إعتزازه بالإثم الإتجاهات الأربعة، مخطئا إتجاه القدس، وهو الذي قتل أبناء عمومته وأزواج بناته في لحظة غضب ليعتبرهم بعد أن وقع الفأس في الرأس quot; شهداء الغضبquot;،وفعلة المالكي لا تختلف عن فقدان الإتجاهات عن صدام ولا في ضربة الفأس،والمأساة هي فيما هو قادم في ظل رجل لا يفرق بين الجوز والخصيان..
- آخر تحديث :
التعليقات