لا أتذكر تحديدا إسم الصحيفة،ولكن المشهد ما زال ماثلا بذاكرتي، حين نشرت تلك الصحيفة صورة غريبة في اليوم الذي أعقب تبوأ نوري المالكي منصبه كرئيس للوزراء في العراق. ففي اليوم التالي من تنصيبه حاكما على العراق ظهرت صورة غريبة بعض الشيء في تلك الصحيفة تصور مشهد تمثال صدام بساحة الفردوس ببغداد وهو يكب على وجهه،وصورة مرادفة لها تصور المالكي متسلقا القاعدة الكونكريتية للتمثال.وخلت الصورتان من أي تعليق،ولكنهما حملتا دلالات عميقة توحي بما قد يأتي، وهو تحول المالكي الى صدام آخر في العراق.

فبعد تسنمه مهام منصبه أدرك المقربون منه مبكرا،وآخرون غيرهم متأخرين، بأن تصرفات المالكي وأساليب تعامله مع الآخرين تنم عن أنه يحاول تقليد ما فعله صدام عقب سعيه الى السلطة بإنقلاب البعث عام 1968،وتكاد تلك الأساليب تتشابه فيما بينها بتفاصيلها.

فقد بدت ملامح شخصية المالكي تظهر رويدا رويدا،من خلال محاولته الإمساك بجميع صلاحيات بالدولة بيده،وطرح نفسه كقائد ضرورة لهذا الظرف العراقي، وسعيه الدائب لتسليح الجيش وعسكرة الدولة، وخلق الأعداء الوهميين للعراق والإستعداد لخوض الحروب.

ومازاد الطين بلة وقرب المالكي من مجرد شبيه آخر لصدام في الحكم،هو تنكره للدستور والقوانين في البلاد وإعتبار نفسه فوق الدستور والقانون.هذه التصرفات والأساليب شبهت المالكي بصدام كصورة طبق الأصل سواء كان ذلك بإرادته ورغبته، أم بغيرهما.

هناك أوجه تشابه كثيرة لتثبيت هذه الحقائق،ولكني سأتجاوزها الآن الى مناسبة أخرى، فما أردت التحدث عنه بهذا المقال لدعم وجه المقارنة بين المالكي وصدام، هو قرار صادر عنهما، يكاد يتشابه في الكثير من التفاصيل والمفردات،ويحققان هدفا واحدا وهو السيطرة على مقدرات البلد وفرض السطوة العسكرية على الآخرين،وهما القراران اللذان يحملان نفس الرقم 160.
فهذان قراران أصدرهما كل من صدام والمالكي ويتعلقان بالمسألة الكردية ومصيرها في هذا الجزء من كردستان.

القرار الأول وهو الذي أصدره صدام حسين برقم 160 يوم 29/3/1987 بإسم مجلس قيادة الثورة يقضي بتعيين علي حسن المجيد للإشراف من كركوك على العمليات العسكرية الجارية في المنطقة التي عرفت بمصطلحاتهم الحزبية والرسمية بمنطقة( الحكم الذاتي) بهدف فرض الأمن والإستقرار فيها،وجعل صدام بموجب ذلك القرار جميع مؤسسات ودوائر وزارتي الداخلية والدفاع والمؤسسات الإستخبارية تحت سيطرة علي حسن المجيد،وجعل مقر قيادته في كركوك يشرف منها على عمليات الأنفال وضرب حلبجة وبقية المناطق الكردستانية بالأسلحة الكيمياوية.

وإذا كان هناك أفراد من شعب كردستان من الجيل الحالي من لم يسمع أو يعلم بذلك القرار، والذي عين بموجبه علي حسن المجيد قائدا لعمليات الأنفال،فلا بد أن الذاكرة الجمعية للجيل السابق والحاضر من هذا الشعب تختزن الصور المنقولة عن الجرائم التي إقترفها هذا المجرم العتيد بحق الشعب الكردي، ولذلك كلما سمع الكرد بأخبار تسليح الجيش وعسكرة الدولة، تتمثل أمام نواظرهم تلك المشاهد المأساوية،ما يثير مرة أخرى المواجع في النفوس، ويقلق بال المواطنين الآمنين اليوم.

ولذلك مع صدور قرار تشكيل قيادة عمليات دجلة شعر المواطنون الكرد بالخوف والقلق من مصيرهم، وهذا لم يكن بطبيعة الحال بسبب تأثيرات الإعلام ومواقف الأحزاب السياسية، بقدر ما أعادت الى المخيلة تلك المناظر المؤلمة والتجارب المريرة للشعب الكردي مع الجيش العراقي، وخاصة التشابه الكبير بين تصرفات المالكي وصدام، ولذلك نرى اليوم أن مشاعر القلق تنتاب أولا الشعب قبل قياداته.
السؤال هو، ترى هل هو مجرد مصادفة إدارية بأن يتشابه رقم القرارين، الأول بتشكيل قيادة عمليات كركوك تحت إدارة غلي حسن المجيد،وقيادة عمليات دجلة بقيادة ضابط من البعثيين السابقين؟. أم ترى بأن المالكي كان متقصدا في إختياره لرقم القرار وترشيح نفس الوجوه المرعبة لقادة عملياته العسكرية القادمة ضد الشعب الكردي؟.

ان الاختلاف الوحيد في التفاصيل لا يعدو سوى بتاريخ صدور القرارين رغم أن هذا الإختلاف بسيط جدا،حيث أن قرار صدام صدر قبل خمسة وعشرين عاما في 29/3/1987، وقرار المالكي صدر في 29/5/2012، والقراران يحملان نفس الرقم 160؟!.وقرار المالكي أعطى نفس الصلاحيات الى قائد عمليات دجلة تحت مسمى فرض الأمن والإستقرار، كما فعل صدام بتعيين علي حسن المجيد لنفس هذا الغرض.
ترى هل أن الزمن عاد الى الوراء، أم أن التاريخ يعيد نفسه؟..