عجيب أمر بلادنا ومن يحكمها منذ تأسيس مملكتها وحتى يومنا هذا وكأن لعنة الحرب والدمار لازمة بذيول دشاديش حكامها، فما من ملك أو رئيس أو دولة رئيس، بلط شارعا أو بنى جسرا إلا واشترى طائرة أو دبابة لمشروع حرب لا مناص منها، كأنما تلك الثقافة البائسة التي يمارسها القروي أو البدوي أيام زمان حينما تكثر أمواله فيحتار ماذا يفعل بها، فإما الزواج على رأس زوجته أو زيجاته أو شراء بندقية كخطوة أولى لمشروع استثماري في القتل، وهكذا حال معظم أنظمة الحكم التي توالت على ( اغتصاب ) العراق. نتذكر جيدا كيف أنهم بلطوا عدة شوارع وبنوا عدة مجمعات سكنية ومجموعة مستشفيات ( ليبلشوا ) أي ليشرعوا في حروب ما زلنا ندفع فواتيرها الى أن يشاء الله ويهتدي خلفائهم في بناء دولة مدنية تعتمد العقل والحكمة والعلم والثقافة والتحضر في بناء قوة البلاد الدفاعية والهجومية بدلا من الطائرات والدبابات والمدافع، كما فعلت المانيا وشقيقتها امبراطورية اليابان بعد انتكاستيها العظمى في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الدرس بليغا والخسائر أعظم، ولكن الأكثر روعة ونبلا وفروسية هو موقف الحكماء فيهما، حينما قرروا ترك لغة السلاح والتسلح واستبدالهما ببناء دولتيهما وتطوير مجتمعاتهم في إطار مدني متحضر، أنتج خلال اقل من نصف قرن دولتان عظيمتان في تطورهما الحضاري والتقني والعلمي والاجتماعي وفي كل مناحي الحياة حيث تغطي وفرتهما المالية ما تنتجه ثلث بلاد العالم؟ وفي بلادنا التي اكتوت بنيران حروب فاقت في مجموعها حربا عالمية خسرت فيه الأخضر واليابس وتحولت بلاد من اغني بلدان العالم وأثراها وأجملها إلى أفقرها وأفشلها وأوسخها، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان على سقوط النظام فشلت الإدارة الاتحادية في إقناع الشارع العراقي بأنها البديل الأفضل رغم هامش الحرية، فقد تقهقرت الخدمات بشكل مريع حتى تحولت إلى أزمة كبيرة لا يمكن أن تحل خلال سنتين وهي ما تبقى لهذه الكتلة أو الحكومة أو البرلمان، شرعت منذ فترة إلى ذات الثقافة في بناء ترسانة عسكرية في بلاد أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر والثلاثة أرباع الآخرين يعانون من نقص كارثي في الطاقة بكل أنواعها، وتدهور مريع في الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية إضافة إلى انعدام حلقات مهمة من الصناعة والإنتاج، وتحول نمط الحياة إلى نمط استهلاكي بعد إغراق الأسواق بالمستوردات الزراعية والغذائية حتى توقفت معظم أنواع الزراعة!؟ يبدو أن الحاكمين اليوم لم يفهموا الدرس الذي لقنه نظام صدام حسين للعراق ومن يأتي إلى حكمه إلى أبد الآبدين كما يقولون، فهو الذي كان يمتلك اكبر وأقوى أربعة جيوش في العالم وسخر إمكانيات دولة من أثرى دول العالم للتصنيع العسكري والتسلح، بل إن أغنى دول العالم في الخليج كانت حليفته بل مرضعته خلال عقد كامل من الحروب!؟ فماذا أنتج!؟ والى أين وصل هو وجيشه وحكومته وحزبه الذي بناهم خلال ما يقرب من أربعين عاما بآلاف المليارات من الدولارات وملايين العراقيين من القتلى والجرحى والمعاقين والمحرومين!؟ ألا يكفي هذا درسا وعبرة لمن لا يعقلون ولا يفقهون!؟
- آخر تحديث :
التعليقات