الثورة ضد ظلم وطغيان نظام البعث البغيض بدأها كرد سورية كما هو معروف بأمد طويل قبيل النهضة العربية التي جاءت بها رياح الربيع العربي من تونس، تمثلت بالانتفاضة الكردية الشعبية العارمة عام 2004 والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء، مئات الجرحى وآلاف المعتقلين هذا بالإضافة الى سياسة الانتقام التي مارستها السلطة الدكتاتورية من خلال اصدار العديد من القرارات والمراسيم العنصرية الجائرة بحق المنطقة الكردية التي كانت تعاني التمييز المقيت أصلا.

كرد سورية مع بقية أطياف المجتمع السوري يتأملون انتصار الارادة الشعبية وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية موحدة، يجد فيها الجميع متسعا للتآلف والعيش المشترك وذلك من خلال القبول والاعتراف بالآخر.
حساسية القضية الكردية اقليميا هي التي زادت الأمور تعقيدا. التوجس من تنفيذ أجندات القوى الاقليمية والمتمثلة بالدرجة الأولى بالمصالح التركية، هذه الخشية أثرت بشكل مباشر على السلوك والنهج السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الغير منسجم مع المعارضة السورية والتي تبلورت في علاقته مع المجلس الوطني السوري الذي بدوره يخضع لنفوذ كبير من حزب الاخوان المسلمين القريب من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركية.

الحركة الكردية ببقية أحزابها المنضوية تحت لواء المجلس الوطني الكردي في سورية قريبة من المعارضة لكنها ليست منخرطة في صفوفها تنظيميا.
حركة تيار المستقبل التي كان يقودها الشهيد مشعل التمو مثّلت الجهة الكردية السورية السياسية الوحيدة المنخرطة بنفس القوة والزخم مع بقية قوى المعارضة لكن تأثيرها خفّت بشكل ملحوظ مع تغييب قائدها.
جدير بالذكر أيضا انخراط بعض الشخصيات الكردية المستقلة و التنسيقيات الشبابية الكردية في الحراك.

هذه المعادلة المتشابكة أعطت خصوصية للحراك الكردي في مواجهة النظام وكذلك خصوصية لسياسة النظام الأقل هجومية وربما أخف عدوانية تجاه المناطق الكردية التي تحولت نوعا ما الى ملاذات آمنة للسوريين من بقية المحافظات الساخنة حتى أمد قريب.

لكن العنف بدأ يقوض هذه الملاذات الآمنة أيضا ونذير الدمار بدأ مع الهجوم الذي قامت به مجموعات مسلحة تدعي انتمائها للجيش الحر على مدينة ( سري كانيه ) الكردية المعربة الى رأس العين. الحقيقة أن الكل يعلم بأن النظام لن يسقط من خلال السيطرة على رأس العين التي تخلو أساسا من قوات الجيش الحكومي، لكن الهجوم جاء بإيعاز من حكومة أنقرة وخدمة لمصالحها أكثر من أي طرف اخر، كونها لا تريد لكرد سورية أي نفوذ قد يشكل عونا لإخوتهم الكرد في تركيا مستقبلا والذي يتجاوز عددهم العشرون مليون نسمة يعيشون على أرضهم التاريخية مجردين من حقوقهم القومية.

الآن لا يحق لأحد أن يلوم الكرد لأن منطقتهم لم تتعرض للقصف والتدمير مسبقا، بل ان جميع السوريين يتمنون لو أن الدمار المؤسف لم يلحق بسائر مدنهم وبلداتهم، لكن الكرد قبل أي مكون سوري اخر بحاجة الى استراتيجية جديدة تضع الصالح العام للشعب السوري بسائر مكوناته في أولوياتها، تلك الاستراتيجية لابد أن تسير باتجاه الانضمام للائتلاف الوطني السوري حيث يعدّ ذلك واجبا وطنيا و خطوة باتجاه توحيد القوى وقطعا لدابر التذرع بشرذمة المعارضة من قبل المجتمع الدولي وإجباره أخلاقيا وقانونيا على القيام بواجبه تجاه شعبنا والمساهمة في إيقاف نزيف الدم السوري.
.
المعارضة السياسية و العسكرية المتمثلة بالجيش الحر الذي كثرت جماعاته وقياداته لهم بدون شك الكثير من الأخطاء لكن ايصال الصوت والتأثير على القرارات وتقويم الاعوجاج يأتي أقوى من الداخل ومن خلال الاشتراك الفعلي كجزء هام وشريك أساسي في العملية السياسية لا من خارجها.

بدون شك ينظر كرد سورية الى السيد عبدالله أوجلان كزعيم كردي ناضل ومازال من أجل القضية الكردية في كردستان تركية، كما أنهم يرون في السيد مسعود البرزاني قائدا كرديا فذا لكن هذا لا يغير من حقيقة أن مستقبل كرد سورية مع بقية الشعب السوري بمختلف أطيافه وحل قضيتهم في دمشق ليس في أربيل أو قنديل.

الآن وليس غدا على القوى السياسية الكردية أخذ موقعها الفعلي في صدارة المعارضة السورية وإلا سيكون الكرد أخر المستفيدين من سقوط النظام هذا ان بقيت أية استفادة.
الشعب الكردي في سورية من حقه التمتع بحقوقه القومية دستوريا ضمن الوطن السوري الواحد، شأنه في ذلك شأن بقية المكونات ولا قبل له على الاستمرار في معاداة الأنظمة القادمة أيضا وكأن قدره أن يعيش منبوذا جيلا بعد الاخر.

الائتلاف الوطني السوري جاء تأسيسه تحت ضغوط دولية كبيرة من أجل توحيد أكبر قدر ممكن من المعارضة ومن خلال حيثيات مشابهة للوقائع التي رافقت تأسيس المجلس الوطني الا أنه يبقى مسعى بالاتجاه الصحيح من أجل اعادة تنظيم المعارضة التي تباعدت وتوحيدها من جديد تحت مظلة تضم معظم فصائلها بحيث يمكن أن ينبثق عنها حكومة مؤقتة تكون مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية.
رغم عدم التوصل الى التوافق في الكثير من المسائل العالقة بين الكرد والمعارضة يبقى انضواء الحركة الكردية والمتمثلة بالهيئة العليا أو على أقل تقدير المجلس الوطني الكردي تحت راية الائتلاف هو أفضل الخيارات.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

[email protected]