عدو للنهاية.. إنه الكيان الصهيوني وحلفاؤه، فلا يمضي القليل من الساعات والأيام حتي يثبّت الصورة ويؤكد العداوة. ومشاهد البانوراما المأساوية ترتسم بفرشاة مغموسة في بحر من الدماء الفلسطينية.
فهل جاءك خبر الخمسة عشر شهيد في غزة، وفيديو تفحم الطفلة رنان عرفات والمصابين المائة والعشرين في يوم الغارات الدموي الصهيوني الأول علي القطاع؟
هل استطعت حبس دموع عينيك أو قشعريرة جسدك أو اخفاء العض علي نواجذك من شدة الغضب؟
وهل تلحظون أنهم كلما أعلنوا نيتهم ضرب إيران يجهزون ودون سابق إنذار علي أهل السنة في غزة والسودان ومن قبل في افغانستان والعراق والصومال وليبيا؟ إنها ليست إشارة لتصنيف مذهبي فدماء الناس كلهم حرام، ولكن إشارتي لأهل السنة لأؤكد من خلالها حجم تواطؤ ملالي طهران مع الكيان الصهيوني، وما قتالهم لشيعة حزب الله وأمل إلا حلقة في مسلسل هليودي يذاع من حين لآخر للدعايا والإعلان لحسن نصرالله الذي انفضحت عنصريته إبان انطلاق الثورة السورية.
إذاً فالكيان يبقي عدو ظاهر يمثل أعداء آخرين منهم من بدت ملامحه وظهرات قواسمه، ومنهم من لم يزل يخدعنا بزعمه التدين تارة، والعون تارة والعداء للكيان تارات أخري، ومنهم من أخضعه جبنه وألجمه منصبه وأخرسه حرصه علي ملكه.
فثمة اسئلة صريحة وواضحة لا جواب عليها غير أن أعوان الصهاينة في طهران قد أبرموا عهدا وانتووا أمرا.. فانظر ماذا تم حين أعلن بوش في 2001 عن نيته القضاء علي محور الشر - سوريا وكوريا الشمالية وإيران- همّ مسرعا وبعون إيراني خالص ليقضي علي المسلمين في أفغانستان قتلا أو تنصيرا، وكذلك فعل بالعراق والعراقيين؛ ولم تمس كوريا ولا إيران ولا النظام النصيري في سوريا!
ثم في 2006 تنتوي اسرائيل الحرب علي حزب الله، وخلال 33 يوما لا يحدث فيها شيئا، ولا تمس قوة حزب الله ؛ وإنما يعلن حزب الله اليوم عن اطلاقه طائرة تجسس فوق اسرائيل!
ثم يأتي الموقف المتناقض والغريب والمريب للدول الأوروبية من الثورة الليبية والثورة السورية، فخلال أسابيع قليلة من الثورة ضد نظام القذافي، يتم عمل حظر جوي ودخول قوات متعددة الجنسيات إلي ليبيا؛ أما سوريا وثورتها لا داعم ولا معين لها من هذه الدول خلال ما يربو عن عام ونصف!
ولا ننسي الوقوف طويلا عند الزيارة التاريخية لأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني والتي جاء بعدها قتل القيادي الكبير أحمد الجعبري الذي لم نسمع عنه خبرا منذ صفقة مبادلة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط إلا وهو مقتول، كما ضربت مخازن السلاح في غزة!
وهنا لا يسعني إلا النصح لإخواننا في غزة أن راجعوا خط سير من يزوركم وحققوا علكم تفاجأون بما لم تكونوا تتوقعون فتتفادوا ما أمكن تفاديه وتأخذوا حذركم فيما بعد ممن تظنوهم أحباء وهم أعدي الأعداء، وكذلك فعل معكم كثيرون من قبل لو أنكم تصدقون.
إن ما جري وسيجري في غزة من وجهة نظري لا تخرج من دائرة سيناريوهات ثلاثة أولاها استدراج حماس لإخراج ما لديها حتي يمكن تتبع ما خفي من مواقع منصات اطلاق الصواريخ وتغيير مخازن الذخيرة. وفي ذات الإطار اظهار ورقة جديدة لتركيا ومصر للفت انتباههم إلي ما يمكن لإسرائيل أن تفعله لتفسد أي تنمية اقتصادية تقوم بها تركيا في مصر، باعتبار أن القيادة المصرية لن تدع الفلسطينيين في غزة وحدهم هذه المرة دون أن تقدم لهم الدعم اللوجستي والسياسي والذي قد يكلفها مزيدا من الإرهاق الاقتصادي والابتعاد أكثر عن الشريك الأمريكي، ثم افشال التعاون المصري التركي.
السيناريو الثاني هو تحويل بوصلة الرأي العام العالمي نحو غزة بشكل مؤقت تمهيدا لارتكاب الأسد النصيري سلسلة من المجازر الجديدة في سوريا، وتشتيت العيون الاستخبراتية خاصة المصرية والتركية عما يتم حاليا علي الأرض من إعادة تنظيم الفيالق الأسدية والخامنئية في الداخل السوري، وادخال رجالات الاستخبارات الصهيونية للتعرف علي الأرض إلي حقيقة وضع الثوار والاطمئنان علي الأسلحة الكيماوية لدي الأسد، ونقلها إلي طهران.
نعم.. هذا يعني أن الاستخبارات الصهيونية الإيرانية الأسدية متعاونة، وأنا أؤكد علي تعاونها وليس كما يتوهم البعض أن بين هذه الأجهزة صراعات، وإنما مخططات وتصفيات تتم لبعض الذين انتهت مهمتهم هنا أو هناك علي يد هذا الجهاز أو ذاك، واستكمال المشاهد الهليودية لمسلسل الصراع المزعوم.
السيناريو الثالث هو أن اسرائيل تقوم بخدمة لبعض الأنظمة العربية المتواطئة والمذعورة من وصول الإسلاميين إلي السلطة في مصر وسوريا وليبيا وتونس والأردن والمغرب واليمن، وإن لم يتم بصورة كاملة استحواذهم علي السلطة غير أنهم علي خطوات قليلة من تحقيق ذلك؛ الأمر الذي قد يهدد عروشا وكروشا، وليس أدل علي ما نقول من الصمت الرهيب لهذه الأنظمة علي مجزرة غزة أمس.
هذه السيناريوهات الثلاثة يصعب علي استبعاد أحدها، ولكني أجد السيناريو الأول هو الأقرب ويسير خلفه بقليل السيناريوهين الآخرين، وسيخرج من رحم الأيام المقبلة ما كان خافيا.
التعليقات