لماذا تقتلون الإمام الحسين؟ سؤال موجه ليس للمجموعة التي قتلت الإمام الحسين والمخلصين الذين صمدوا معه, وإلا لكان السؤال بصيغة الماضي, ولكنه موجه لأولئك الذين يقتلون الإمام الحسين كل يوم. ولكن, من هم هؤلاء الذين يقتلون الإمام الحسين كل يوم؟ نعم, أنهم أولئك الذين يحولون دون أن ينشر الإمام الحسين مبادئه التي قتل من أجلها, أولئك الذين يتسترون على الظلم والفساد وهو الذي خرج لهدف الإصلاح والقضاء على الظلم والفساد, أولئك الذين يحبسون الإمام تحت قبته بحجة الخوف عليه من الإرهاب وهو الذي خرج وقلبه بين كفيه, فكيف تحبسون ضياء يشق سناه السماء بين أربعة جدران, أولئك الذين يختزلون الإمام بالمأساة ويقتصون من أعدائه بشق رؤوسهم وقد نسوا بأن الإمام كان فكرا ً قبل أن يكون شيئا ً آخر. من هنا, خطر بذهني سؤال ومن حقي أن أسال هذا السؤال الذي يبدو ساذجا ً للكثيرين: هل نعرف حقا ً من هو الإمام الحسين؟
من وجهة نظري هناك جوابان لهذا السؤال, الأول هو أن الإمام الحسين هو أبن بنت رسول الله, والذي أستشهد في كربلاء لخروجه على الحاكم الظالم لأنه أبى مبايعته, وقد أستشهد كل صحبه بما فيهم أخوته وأولاده, وقد سبيت عائلته إلى الشام بأمر يزيد بن معاوية الذي طالما كان يضمر الشر هو وأبيه وجده لآل رسول الله في صراع عائلي قديم, فهو القائل عند قتل الإمام: ليت أشياخي ببدر شهدوا, جزع الخزرج من وقع الأسل....لأهلوا وأستهلوا فرحا ً, ثم قالوا يازيد لاتشل...لقد قتلنا القرم من ساداتهم, وعدلنا ميل بدر فاعتدل. إذاً, المعركة كانت عبارة عن صراع على السلطة راح ضحيتها الإمام وأعوانه بعد أن خذله قومه الذين دعوه للقدوم, أما إحياء هذه الذكرى فهي دعوة لعودة السلطة لأصحابها الحقيقيين بإحياء تلك الحادثة الأليمة من خلال التركيز على العنصر التراجيدي ومشهد الدماء الذي كان يغطي مشهد الجريمة. من هنا, أن للون الدم والعمامة المخضبة به رمزية ثأرية لتلك المظلومية, أما مشاهد اللطم والتطبير فما هي إلا رسالة إيحائية بالمظلومية وضياع الحق من أهله بعد أن إغتصبه الأمويون. وعلى هذا الأساس, تستحظر الشعارات الحسينية من أجل الحصول على مكاسب سياسية كما فعلها العباسيون والبويهيون والفاطميون والإدريسيون والحمدانيون والصفويون وأخيرا ً الإيرانيون في ثورتهم الإسلامية. لقد تحولت تلك المأساة إلى أيدلوجية سياسية تكرس الهوية السياسية الشيعية ويعاد إنتاجها بتكرار رمزية تلك المأساة كل عام, فلا عجب أن ادعى البعض بأن ضياع الشعائر الحسيينة هو ضياع للمذهب الشيعي, وكأن المذهب الشيعي ليس فكرا ً بل هو مأساة يجب الحفاظ عليها!

أما الجواب الثاني فهو, إن الأمام الحسين هو أبن بنت رسول الله وهو صاحب مشروع إصلاحي هدفه رفع المظلومية عن أبناء الأمة الإسلامية بعد أن ضاقوا ذرعا ً بسياسة الدولة الأموية. ذلك الرجل الذي لم يتوانى بالتضحية بكل مايملك من أجل مشروعه الإصلاحي, حتى لو كان الثمن رأسه وكل أصحابه وأبنائه وأخوته, حتى لو كان الثمن سبي لعائلته بطريقة لاتليق بنساء عزيزات في قومهن. لقد أراد الإمام لهذا المشروع أن يبقى مقابل التضحية بدمه, فحياته مرتبطة بحياة هذا المشروع وهو الثورة على الظلم والطغيان والسعي للإصلاح بكل عناوينه. فمن يقتل مبادئ الإمام الحسين فإنه يقتله مرة أخرى, لأنه أراد بدمه أن تحيا تلك المبادئ وتكون مشعلا ً لأولئك الذين يسعون للإصلاح ويريدون رفع الظلم بكل أنواعه.

قد يبدو بنظرة سريعة أن لافرق هناك بين الجوابين لسؤالنا الواضح, لكن, وبقليل من التمحص سيلاحظ القارئ بأن هناك فرقا ً شاسعا ً بين الجوابين كالفرق بين السماء والأرض! فالجواب الأول ينطلق من فكرة المأساة لتكريس الهوية السياسية الشيعية على مر العصور, فيما تختفي فكرة الإصلاح في خضم ذلك الصخب الذي تحدثه السيوف ومشهد الدم القاني الذي يغطي مسرح الجريمة, فالموضوع هو إعادة حق مغتصب لمظلومين ماتوا من أجل هذا الحق. أم الجانب الثاني فإنه ينطلق من فكرة الإصلاح ورفع الظلم والحيف عن أبناء الأمة دون الولوج بذلك المشهد الدرامتيكي بشكل يتجاوز فكرة الإصلاح نفسها ويخفيها عن الظهور في مسرح الحدث. لذلك تبدو فكرة...أني لم أخرج أشرا ً ولابطرا ً, ولامفسدا ً ولاظالما ً, وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...موضوع متألق ينافس ومض السيوف ولمعان أسنة الرماح في مشهد المعركة. أما فكرة...والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل, ولا أفر(أو أقر) فرار العبيد....موضوع يضاهي بقوته تناثر أشلاء أحباء الحسين بين يديه وهو يقدمهم قرابين واحدا ً تلو الآخر.

سأطرح سؤالا ً أخر ولكنه لن يكون بريئا ً أبدا ً هذه المرة, لماذا قتل الإمام الحسين؟ هل قتل من أجل أن يكون مقتولا ً ظلما وعدوانا ً وبذلك تصبح مأساته القصة التي ترتكز عليها دول ومجتمعات بوجودها, أي قتل من أجل القتل, فبذلك يكون القتل هدفا ً وغاية, ودليل من يدعي بذلك هو أن الإمام كان يعلم بقتله مسبقا ً من خلال أحاديث جده وأبيه. أم أن الإمام الحسين قتل بتلك الوحشية من أجل الفكرة التي جاء بها وهي فكرة الإصلاح, وماكانت تلك المأساة إلا ثمنا ً دفعه الإمام من أجل تلك الفكرة, أي أن مقتله كان تحصيل حاصل وحالة طبيعية لمن يخرج على السلطة السياسية المتمثلة بيزيد. ففي الجواب الأول لابد أن نكون, كلنا, في خدمة الإمام الحسين, نعيد إنتاجه بإعاده المأساة وإستحضار كل صورها الحزينة لأننا مدينون بوجودنا لها, وبذلك نكون قد أسدينا خدمة للإمام الحسين بإعادة إنتاج قتله مرة أخرى, وإن كان بشكل رمزي, وتحقيق هدفه الذي كان يسعى من أجله وهو الموت مقتولا ً. أما الجواب الثاني فيكون الأمام الحسين هو في خدمتنا عندما قدم روحه لأجل فكرة تخدم مجتمعنا, وهي فكرة الإصلاح برفع الظلم, وبذلك يكون الأمام الحسين خالدا ً بالفكرة التي قتل من أجلها, فلايحتاج الإمام لخدمة بل لمصلحين يعيدون إنتاج فكرته ويبلورونها على أرض الواقع. هل لاحظتم الفرق بين الجوابين على السؤال الأول والثاني؟

إذن, من يحبس الإمام الحسين تحت قبته التي زينت بالذهب تكريماً له فإنه يقتل الإمام الحسين, وأن تكريمه بجعل أفكاره بخصوص الإصلاح عالمية تتفق والمنطق الإنساني. من يريد أن يكون خادما ً للإمام الحسين فإنه يقتل الإمام الحسين مرة ثانية, لأن الإمام ليس بحاجة لخدمة فهو مات لتحيا الفكرة خدمة لنا. أن من يحتكر الإمام الحسين في مشروع سياسي طائفي فإنه يقتل الإمام الحسين مرة أخرى, فلم يكن هناك سنة ولا شيعة عندما قتل الإمام الحسين. ومن جهة أخرى, لاتتجاهلوا الإمام الحسين وكأنه ملك للشيعة فقط, فإنكم بذلك تكررون قتله, لاترفعوا شعارات من قتل الحسين لإنها ضد طائفة معينة فأنكم تقتلونه كما قتل أول مرة. لم يكن الحسين طائفيا ً ولا مرة واحدة, بل كان إنسانا أولا ً وآخرا ً. لم أطرح في هذا المقال نظرية من يعرف الإمام الحسين على إنه رجل خارج على إمام زمانه وإنه قتل بسيف جده لأنه وذلك لأنه لايوجد أكثر شذوذا ً من هذا القول ولا أكثر إنحرافا ً من ذلك بأن تشوه فكرة الإنتفاضة على الظلم لتتحول إلى من حركة فطرية إنسانية إلى فعل سياسي مصلحي جزائه القتل بالسيف. ولكن الأسوء منه هو الإعتراف بمظلومية الإمام والإشادة بفكرة الإصلاح قلبا ً فقط, أو على الأقل نظريا ً فقط, ومع ذلك يتم تجاهله بل تحريفه أيضا ً لالشيئ إلا لأنه محسوب على طائفة معينه أو يتعارض مع فكرة سياسية تصب في مصلحة ولي الأمر. أنه ليس نوع من أنواع القتل للإمام مرة ثانية بل هو أسوئها وأشدها قسوة.

إنطلقوا بفكرة الإصلاح وحاربوا الفساد الذي يعطل الدولة, حاربوا الظلم والعدوان التي تمارسها مؤسسات الدولة, حاربوا أوكار الجهل التي تمسك بخيوط السلطة وتحول دون تقدمكم وتطوركم, حاربوها بشكل حضاري بأصواتكم في صناديق الإقتراع وبإحتجاجاتكم وتظاهركم السلمي, لقد كان الإمام الحسين مسالما ً في إصلاحه ولولا ذلك ماجاء بكل نساء بيته معه, تلك هي رسالة الإمام الحسين التي لابد أن تكون ملهمة لكل شعوب العالم, أحيوها بإحياء فكرته التي مات من أجلها ولاتحبسوه بين جدران أربعة فهو لم ولن يكن ملكا ً لأحد.

[email protected]
http://www.facebook.com/imad.rasan