منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 سعى الكورد جاهدين مع اخوانهم من المكونات العراقية الاخرى وعلى الرغم من كل العوامل الخارجية المعيقة والظروف الذاتية الصعبة الى بناء الدولة العراقية على اسس متينة وركائز قوية لا تتهاوى مع اية هزة او صدمة او ريح تعصف بها،، تحفظ فيها الحقوق وتصان الواجبات.

كان سقوط النظام المباد عام 2003 فرصة تأريخية لقادة العراق الجديد، ان يفتحوا صفحة جديدة ويؤسسوا لعلاقات وطيدة بين مختلف المكونات التي يمثل الكورد فيها القومية الثانية بعد العرب، على اساس المساواة والعدالة وحقوق المواطنة، وكانت الوعود التي تقطع من قبل الكتل الكبيرة بمنع التفرد وضمان الشراكة الحقيقية لجميع المكونات في حكم البلاد وليست المشاركة فقط والتوزيع العادل للثروات، قد اثلجت صدورنا نحن الكورد، غير انها وبكل اسف بقيت حبرا على ورق، وتحولت المشاركة في حكم البلاد الى منة وصدقة تمنحها الكتل الكبيرة، وبات سحق امال المواطنين وتطلعهم لمستقبل افضل امرا مرهونا بيد الحكام معتقدين ان ذلك من طبائع الامور، وتحولت الديمقراطية الى وسيلة للالتفاف على الخصوم السياسيين وتفريقهم وتشتيت صفهم، وصار الانصياع لمخططات واجندات دول الجوار مبعثا للتباهي.

كان على ساستنا الكرام، الذين اخفقوا في اول الامتحانات واسهلها وتعثروا امام اول مطب وضعته لهم دول الجوار، ان يدركوا ان الامتحان صعب والمسؤولية كبيرة والثمن باهض جدا.
فأخفاقهم في التصدي الى مهام بناء الدولة وليس السلطة، ادى الى بروز مئات المشاكل والخلافات التي خلفت في دربها العديد من الازمات التي تأخذ يوما بعد اخر اشكالا وابعادا خطيرة، تنذر من جانب بسقوط النظام السياسي الهش اساسا، وتهدد وحدة الشعب العراقي، وتفتح الباب امام نشوب خلافات اعمق واوسع، قد تعصف بالبلاد وتجر العباد الى حافة الهاوية وتزج بالشعب كله في اتون حرب اهلية يحترق فيها الاخضر واليابس.

لقد كان لنا في التاريخ مواعظ وحكم ودروس كثيرة، على ساسة اليوم ان يتعلموا منها، وان لا يسمحوا بتكرار المأسي التي مرت على العراق منذ اسقاط الحكم الملكي، وما تلاه من انقلابات وانفلات امني تسلل من خلاله البعث الصدامي ليستولي على الحكم في العراق، وخلف تركة ثقيلة من المآسي والويلات ما زلنا نعاني من تبعاتها المريرة الى الان.

ان على ساستنا الذين وصلوا الى سدة الحكم بعد عام 2003 عبر نضال مرير وطرق وعرة حملوا خلالها هموم شعب عانى لعشرات السنين من نير الدكتاتورية وقساوة حكمها، ان لا يكرروا اخطاء الماضي، وهم مطالبون بان يعودوا الى جادة الصواب وان يغلبوا لغة العقل والمنطق.

فما يحدث اليوم من دق طبول الحرب في مدينة طورز خرماتو، التي استقطعت من محافظة كركوك والحقت بمحافظة صلاح الدين في زمن النظام المباد، تغييرا لواقعها الديموغرافي، والتي يعيش فيها الكورد والتركمان منذ مئات السنين وغيرها من المناطق المختلطة، يضعنا جميعا في خانة المسؤولية التاريخية، وهو تطور خطير ينبغي علينا التصدي له بحزم.

ايها الاخوة ان الازمة الراهنة ومارافقها من تبعات كارثية تسبب بها احد الطائشين من شباب الكورد من المطلوبين للعدالة اصلا، الذي لا ينبغي ان يحسب على العرب او الكورد، ليست بالازمة العابرة او نزوة وقتية لبعض الساسة، انما هي ناقوس خطر كبير يدق من جديد، ويهدد كل ما بنيناه وحققناه من مكاسب ومنجزات على مختلف الصعد.

فنحن الكورد اكدنا في كثير من المواضع وشددنا في مواقفنا على التمسك بالاخوة بين جميع المكونات وسعينا بالتعاون مع الحريصين على وحدة البلاد والالتزام بالدستور، الى الحفاظ والالتزام بالتحالفات التأريخية للكورد مع جميع المكونات، وخصوصا مع الاخوة الشيعة، التي نعدها لبنة اساسية في بناء العراق الجديد، الا اننا ومع شديد الاسف نشهد اليوم بعض الطارئين على السياسة يحاولون تصويرهذا التحالف بأنه اكذوبة، غير ابهين لنضال عشرات السنين وتضحيات مئات الالاف من الشرفاء، وسيل من الدماء التي اريقت للحفاظ على لحمة البلاد ومستقبل اجياله.

لقد تابعنا بدهشة واستغراب اقبال الاخوة في بغداد على تشكيل قيادات العمليات والتحشيد العسكري غير المبرر وفسحهم المجال امام من تلطخت اياديهم بدماء الشعب الكوردي لقيادة تشكيلات عسكرية استحدثت لاثارة البلبلة في المناطق المتنازع عليها، التي كان من الاجدر ايجاد الحلول اللازمة لها وفقا للمادة 140 من الدستور العراقي المتلكئة منذ عام 2007.

نحن الكورد في الوقت الذي لا نعفي انفسنا من مسؤولياتنا التأريخية ونعتقد جازمين بان جزءا ليس باليسير من هذه الازمة كان نتيجة لاخفاقنا في خلق اليات ووسائل عصرية للتفاهم مع المركز، تحتوي الخلافات المتنامية على اغلب الملفات المشتركة،، نعتقد بأننا جميعا للعقل ننساق الى اتون حرب لا تحمد قباها، حرب الكل فيها خاسر، وقد اصبحنا ادوات بيد الشامتين، وغدونا بيادق يحركها اعداء العراق الديمقراطي الفدرالي الجديد، وتجار الحروب ومرتزقة النظام المباد، الذين تحينوا الفرصة وخططوا لخلقها بامعان،، وهم لن يفرطوا فيها دون تحقيق نصر يتمثل في دق اسفين في جسد العراق الفدرالي الجديد، نصر يبنونه على اطلال فشلنا، واخفاقنا في الحفاظ على علاقاتنا التأريخية، اخفاقنا في التعايش السلمي الاخوي وتقبل الاخر، اخفاقنا في الحفاظ على حقوق الشعب والتمسك بالدستور الذي صوتنا عليه جميعا رغم التحديات والصعاب، واعادة الحقوق لضحايا حلبجة والاهوار والانتفاضة الشعبانية والمقابر الجماعية والانفال وهم بالالاف، وكذلك فشلنا في الاستماع للعقلاء واتاحة الفرصة لهم لتحقيق ماعجزنا نحن عنه.

ان التاريخ ايها الاخوة لن يغفر لنا اخطائنا، وبات كل ما طرحناه من شعارات اوصلتنا الى كراسي الحكم على المحك،، ونحن الذين ندعي الحكمة والتعقل، ينبغي ان لا نلدغ يوميا من جحورنا عشرات المرات دون ان نتعظ.

فالحوار الهادف البناء هو السبيل الامثل لضمان الوصول الى حل سلمي ديمقراطي لمعضلات العراق، بمشاركة جميع القوى الوطنية والديمقراطية الحريصة على وحدة الشعب العراقي...