منذ تشكيل الحكومة العراقية قبل اكثر من سنتين برئاسة نوري المالكي حسب اتفاقية اربيل للتوافق السياسي بين الكتل البرلمانية في الجمعية النيابية، كثيرا ما يشير رئيس مجلس الوزراء بنية واضحة الى تشكيل حكومة الأغلبية لازاحة القائمة العراقية الممثلة للمكون السني والتحالف الكردستاني الممثل لاقليم كردستان عن طريقه وقيادة الحكومة بصلاحية مطلقة شبيهة بالدكاتوريات المستبدة.

ويبدو ان المالكي فعلا قد خطط لتنفيذ فكرته وتهيئة الطريق امامه للاعلان عن تشكيل حكومة الاغلبية، والأزمة المفتعلة من قبله مع الكرد والقيادة السياسية لاقليم كردستان حول المنطاق المتنازع عليها في منطقة وديالى وتكريت وحول تشكيل قيادة عمليات quot;دجلةquot; دليل على جدية رئيس الحكومة لتحقيق غاياته السلطوية التي تقف ورائها حزب الدعوة الذي تحول الى أداة بيد المالكي لتحقيق مخططاته المضرة بالبلاد وبجميع المكونات السياسية والقومية والدينية والمذهبية العراقية.

وبالرغم من المحاولات الجادة للرئيس جلال طالباني لازالة الخلافات وتحقيق التقارب بين الكتل والمكونات الداخلة في العملية السياسية العراقية ومحاولة عقد المؤتمر الوطني لحل الخلافات والمشاكل، الا ان جهود طالباني تبينت انها كانت على الداوم تجابه بعراقيل متعمدة خاصة من قبل المالكي وحزبه، والازمة المصطنعة بين الجيش والبيشمركة في المناطق المتنازع عليها ضمن المادة (140) الدستورية دليل على المسار المتأزم للسياسة المتبعة من قبل رئيس الوزراء ومن خلال استغلال صلاحياته لتوجيه القطعات العسكرية الى مناطق متأزمة لحل الخلافات السياسية من موقعه كقائد عام للقوات المسلحة، وهذا العمل مرفوض تماما حسب مواد الدستور الدائم حيث يحرم اللجوء الى العمل العسكري لحل الخلافات السياسية الداخلية.

وبهذا الشأن فان الرئيس طالباني اطلق ارشادات ووصايا سياسية تعبر عن رؤى منطقية لمجريات الامور التي تجري عليها سدة الحكم في العراق، وبهذا الخصوص صرح الرئيس للقناة العربية بأنه quot;ليس من صلاحيات رئيس الوزراء نوري المالكي بصفته قائداً عاما للقوات المسلحة، أن يزج بالجيش في أمور هي من صميم اختصاص الشرطةquot;، وعلق إن تشكيل quot;عمليات دجلةquot; ينطوي على تجاوز على صلاحياته، لأن حالة الطوارئ تعلن بموافقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهو لم يوافق على ذلك، ومضيفا بالقول quot;إن قائد القوات البرية العراقية أصدر قراراً يطلب فيه وضع قوات الشرطة وكل القوات المحلية مع الجيش تحت قيادة عمليات دجلة، وهذا بحد ذاته إعلان للطوارئ على حد قولهquot;، وأشار إلى أن quot;رئيس الوزراء نوري المالكي لا يريد أن يعلن الحرب بل لا يقدر على إعلانها، ولكن ما وصفها بهذه الخطوة الارتجالية وغير المدروسة تؤدي إلى رد فعل من الجانب الكوردي، وقد يؤدي أي حادث بسيط إلى صدام نحن في غنى عنه على حد قولهquot;.

وبخصوص أهمية التحالف الشيعي الكردي الذي يحمل قواسم عراقية مشتركة، علق الرئيس طالباني حول الشكوك التي تحوم حول إمكانية تخلخل التحالف الكوردي الشيعي قائلا quot;أعتقد أن هذا التحالف تاريخي وموضوعي وذو جذور عميقة في المجتمع منذ الاحتلال البريطاني مرورا بعهد الملكية والمعارضة وانتهاء بالوقت الحاضرquot;، وأوضح quot;أن مفهوم هذا التحالف ليس مفهوما طائفيا فالتحالف الكردي الشيعي تحالف كوردي عربي، وكذلك تحالف سني شيعي باعتبار أن الكرد سنة، وأيضا هو تحالف بين شمال الوطن مع جنوبه ووسطه وهو تحالف لا تزعزعه تصريحات أناس لا يفهمون التاريخ ولا الحقائق الواقعيةquot;.

وأما بصدد مسألة سحب الثقة من رئيس الوزراء شرح طالباني quot;بأن ترشيح رئيس الوزراء ليس من صلاحية رئيس الجمهورية، بل الكتلة البرلمانية الأكثر عددا، وبالتالي فإن طلبي من البرلمان نزع الثقة من رئيس الوزراء تجاوز على صلاحية كتلة التحالف الوطني التي كانت قد رشحت المالكي لرئاسة الوزراء، وأضاف quot;أرى أن يطلب من التحالف الوطني أن يغير رئيس الوزراء من سلوكه الحالي أو يستبدله بآخرquot;.

وحول القلق الذي ينتاب الكرد من تسلح الدولة العراقية، قال quot;نحن نريد عراقاً قوياً ولسنا متخوفين من صفقات السلاح التي تبرمها حكومة العراقquot;، وأضاف quot;أن حكومة إقليم كردستان تريد نوعا من التنسيق والاطمئنان على كيفية استخدام هذه الأسلحةquot;.

ولكن يبدو ان المالكي لا يمتثل لوصايا ونصائح رئيس الجمهورية من استشارات واراء قيمة ورؤى حكيمة ولا يقدرها حق تقدير.

وفوق هذه الاراء الصائبة للرئيس طالباني التي لم يأخذ بها المالكي فان الاحداث الأخيرة أثبتت انه حتى لم يأخذ بحكمة نصائح كوسرت رسول علي نائب رئيس اقليم كردستان، فكم من مرة أكد quot;ان حكم العراق لا يمكن ان يمر بحكم رجل واحد أو حزب واحد أو مكون واحدquot; وأوضح مرة quot;ان الكرد والشيعة لا يقبلان مطلقا برجوع العراق الى قبل عام الفين وثلاثةquot;، ومرة اكد على ضرورة التحالف بين الشيعة والكرد مبينا اهميته العراقية قائلا ان quot;التحالف الشيعي والكردي ضروري للعراقيين لمحو الماضي المشترك بالمليء بالمعاناة والمأساة والكوارثquot;.

وبغض النظر عن النوايا الخفية في نفوس الساسة والقادة العراقيين وعدم قدرتهم على الاتفاق حتى الان لحل أزمة العملية السياسية، يبدو ان المالكي قد فقد السيطرة على نفسه نتيجة الضغوطات الايرانية الشديدة عليه، وبسبب تناقضات وقوفه الطائفي الى جانب نظام بشار المستبد في سوريا على حساب المصالح العليا للعراق، وتزايد الامل بقرب انتصار الثورة السورية، فبدلا من الاحتكام الى الوصايا والنصائح الاخوية من القادة الكرد وجه سهام غاياته السيئة نحو الشعب الكردي ونحو اقليم كردستان، ونحو المناطق المتنازع عليها الخاضعة لمقتضيات المادة (140) الدستورية، ونحو كركوك المدينة التي يقطنها الكرد والتركمان والعرب في وئام وسلام، لخلق توتر جديد مع الاقليم عن قصد ونيات مسبقة.

وهنا لابد من التأكيد وبالرغم من المسار الخاطيء للسيد المالكي الا اننا نأمل ان يستفيد من وصايا ونصائح الرئيس طالباني والنصائح الاخوية لنائب رئيس الاقليم كوسرت رسول علي من باب الحرص على ما هو مفيد ونافع لصالح جميع العراقيين، ونرجو ان لا يذهب رئيس الوزراء مذهب الخطأ المنزلق الى نفق مظلم يخشى منه كل مواطن عراقي ان كان عربيا او كرديا او من قوميات اخرى.

ولهذا نجد ضرورة ان يتراجع السيد المالكي عن كل خطواته السياسية والعسكرية وان يتبع نهجا واسلوبا وطنيا في العلاقة مع الاقليم ومع جميع اطراف العملية السياسية لحل المشاكل وتخليص العراق من كل الاشكالات المتعلقة بالمكونات والكتل البرلمانية، ولا شك ان اتباع هكذا نهج وطني سيؤدي حتما الى خلق أجواء سليمة لتبادل الثقة وحمل المسؤولية المشتركة في ادارة الحكم لحل الخلافات والمشكل العالقة بالمودة والمواطنة المشتركة، وبالتأكيد فان هذا النهج العراقي سيكون عاملا حاسما لإحداث نقلة نوعية في ارساء الحكم الرشيد الذي نحن بأمس الحاجة اليه، وفي النهاية نأمل ان لا يذهب أملنا بالمالكي مذهب الريح، وان لا يفقد الشريك الكردي في حكم العراق، وصدق من قال المثل البغدادي quot; ليِضَيعْ ذَهّبْ، مَيلْكَى ذَهَبْquot;.

[email protected]