الخيار الثالث
الخيار الثالث أو الخطة (ج) أو Plan C،.. وهو اسم المشروع الذي تعكف على دراسته الدوائر الأميركية والبريطانية المعنية بالشأن الأفغاني. صاحب المشروع هو البرلماني البريطاني توبياس إيلوود.
لتلافي الفوضى والحروب الأهلية بعد انسحاب القوات الأجنبية في 2014م من أفغانستان، يقترح توبياس إيلوود تقسيم أفغانستان الى ثمان ولايات شبه مستقلة مع مركز شرفي للرئيس لضمان عامل الوحدة بين الكيانات السياسية الجديدة.

بعبارة أخرى، فإنَّ مشروع الخيار الثالث يقضي بتقسيم الدولة الأفغانية لممالك لتلبية الطموح السيادي والمصالحي للقوميات والقوى السياسية (بما فيها طالبان) وأمراء السلطة،.. إنَّ مشروع الخيار الثالث يعلن موت وحدة الدولة الأفغانية التي ستبتعلها الدويلات الأفغانية،.. وهو حل يفرضه الفشل في إرساء وحدة وطنية تعبر عن كافة مواطني الدولة الأفغانية، وتفرضه الحروب الدائمة بين قومياتها وقبائلها وأمراء الحرب والسلام فيها.

أسئلة
هل سيكون (الخيار الثالث) نموذجاً لحل أزمات الدول الفاشلة الفاقدة للوحدة الوطنية والغارقة في صراع الهويات السياسية السيادية؟ وهل التقسيم المبطن أو الناجز هو الحل الأوحد لتضاد القوميات والطوائف والقبائل التي تشكل مادة الدولة الوطنية هنا وهناك والفاقدة لقدرة التعايش؟ وهل نموذج Plan C سيسود لتلبية طموح الملل والنخب والأحزاب الغارقة في الذاكرة التاريخية والمتقوقعة في شرانق قومياتها ومذاهبها والداخلة في حروب ضروس انطلاقاً من تعصبها وتعنصرها وتمذهبها ومصالحها الضيقة؟

من جانب آخر، هل يمكن من خلال نموذج (الخيار الثالث) الإستدلال على طريق تفكير بعض الدوائر الغربية المؤثرة في رسم الجغرافيا السياسية ndash;الداخلية والإقليمية- للعديد من الدول الفاشلة؟ وهل هو بداية العد العكسي لسيناريوهات التقسيم لدول وأمم المنطقة؟

أكثر من سايكس بيكو
يقول البعض بأنَّ مخططات تقسيم الدول إنما هي مؤامرات أميركية غربية بامتياز، وأنَّ رؤية مراكز القرار الدولي تتمحور حول إعادة إنتاج جديدة للجغرافيا السياسية لأكثر من دولة وبالذات في العالمين العربي والإسلامي حماية للمصالح الستراتيجية للدول الكبرى،.. أي سيكون هناك أكثر من سايكس بيكو يحدث انقلاباً جذرياً في الثوابت الجيوسيادية للمنطقة.
هل هذا يكفي؟

هل يكفي القول بوجود مؤامرات أميركية غربية لتفسير جميع هذه التداعيات والإنقسامات والتشرذم الحاصل والذي سيحصل لأمم ودول المنطقة؟ أم أنه شكل من أشكال تسطيح الوعي بالأزمة لتبرير فشلنا في إنتاج أمم ودول وطنية متماسكة وناجحة؟ المؤامرات موجودة وستبقى، إنها جزء من حرب المصالح الذي لا تتخلى عنه دولة صغيرة كانت أم كبيرة، هي حرب تتجدد وتتموضع حسب متغيرات التاريخ إن لم تكن هي الصانعة للتاريخ. بالمناسبة، ليس هناك فئة أو أمة أو دولة لا تمارس الدفاع عن مصالحها بالمؤامرة شرعية كانت أم غير شرعية، بمعنى ليس هنالك من جهة لا تدخل حرباً مصلحية على تعدد مصاديق المصالح السياسية والإقتصادية والثقافية،.. أصلاً التاريخ هو سجل مؤامرات لمصالح متضادة لأفراد وجماعات وأمم ودول.

المؤامرات موجودة وستبقى، إنه تنافس كوني وراء مصادر الثروة ومناطق النفوذ لتحقيق المصالح،.. ومنطقتنا هي مركز تقاطع كوني للثروة والجغرافيا، لذا هي مورد اهتمام استثنائي للعالم، لا ولن تترك.
المؤمرات موجودة وستبقى، ولكن، هل يعفينا هذا من تحمل مسؤولية انهيار أممنا ودولنا، وما هو دورنا المعلن والمبطن في تحقيق مصالح الآخرين على حساب مصالح أممنا ودولنا؟ ما هي الأسس والمعايير والسياسات التي تم اعتمادها في بناء مجتمعاتنا ودولنا والتي كانت ومازالت حاضناً للتشرذم المستدعي تمرير المؤامرات؟

مّن نحن
بمرارة، نحن -بالأعم الأغلب والى هذه اللحظة التاريخية- مجتمع المجتمعيات الضيقة المتحيزة المنكفئة والرافضة للآخر الوطني، مجتمع العصبيات المذهبية والقومية والقبلية والمناطقية الغارقة في هوياتها الخاصة على حساب الهوية الإنسانية والهوية الوطنية الكلية،.. فشلنا بإنتاج دول المواطنة فأنتجنا دول القوميات والمذاهب المحتكرة للسلطة والقامعة للآخر الوطني المختلف عرقاً أو طائفة أو مذهباً سياسيا،.. فشلنا بخلق المشترك الوطني فتضخمت لدينا الهويات السياسية الفرعية التي تسعى إما لإبتلاع الدولة أو للإنفصال عن الشريك الوطني الآخر،.. فشلنا في التعايش المستند الى قبول الآخر المختلف، فشلنا إنسانياً في تحري المشترك الإنساني المحقق لخصوصية ومصالح كل فئة.. فشاع الصراع بيننا وتغول التضاد وتسيد الإحتراب.

نحن ndash;الى هذه اللحظة- مجتمع تسوقه الذاكرة التاريخية كعصبيات تنتج عصبويات عضوية تنفي الآخر، تكفره، تخونه، لتؤسس بالتبع للإستعباد والإستبعاد للآخر شريك الأرض والمصلحة والمستقبل.
إنموذج الدولة الذي أنتجناه طيلة العقود المنصرمة فشل، فشل كقيم واشتراطات وحواضن وسياسات، لقد أنتجنا دولة الإستبداد المحتكرة قومياً مذهبياً حزبياً نخبويا،.. أنتجنا دولة العرق والمذهب والقرية والعائلة والعشيرة والرمز الضرورة ولم ننتج دولة الجمهور والمدنية والمؤسسة،.. لقد أنتجنا مسمى دول، كيانات سلطة تحتال على مفهوم الدولة وفلسفتها ووظائفها، مسمى دول خالية من ضمانات المواطنة والديمقراطية الحاضنة للحقوق والحريات المدنية السياسية الإقتصادية الثقافية.

لأننا لم ننتج مجتمعاً سياسياً فقد فشلنا بانتاج دولة الجمهور، وبفشل دولة الجمهور الوطني بقينا مجمع مجتمعيات إثنية عرقية طائفية مناطقية لا ترى غير هوياتها الذاتية ولا تدافع إلاّ عن مصالحها الخاصة،.. وبالنتيجة تم تغليب الجماعة على المجتمع والسلطة على الدولة والمكوّن على السلطة والحزب على المكوّن والرمز على الحزب..الخ فتعددت الهويات والسلطات والمصالح لتفترس المجتمع الوطني ولتبتلع الدولة والهوية الوطنية.
المجتمعات الفاقدة للوحدة الذاتية المتأتية من التعايش والتسامح وقبول الآخر، والدول الفاشلة القائمة على أساس من أفكار التعنصر والإستبداد والإحتكار والفساد،.. هكذا مجتمعات ودول إنما تحمل جرثومة الفناء في أحشائها سواء كانت هناك مؤامرات أم لم تكن.

هل الخيار الثالث حلا
ترى بعض الدوائر المعنية بالشأن الدولي أن مشروع Plan C هو نموذج جار تحقيقه لأكثر من دولة تعاني التصدع الداخلي، وأن توزيع السلطة والثروة لتلبية الطموح السيادي للقوميات والطوائف والإثنيات هو الحل، وأن التعايش السلمي لمكونات الدول المنقسمة على نفسها عرقياً وطائفياً وقبائلياً ومناطقياً مستحيل دون تسلح مكوناتها بمقومات السلطة التي ستدار بالتبع من خلال توافقها على المصالح. إن مشروع Plan C أو الخطة ج أو الخيار الثالث هو مشروع فدرلة بشكل وآخر،.. إنه إعادة إنتاج الجغرافيا السياسية الداخلية للدول على أساس من فكرة المكونات السيادية التي تمتلك كافة مقومات الدولة لكن ضمن الدولة.
هل الفدرلة حلا؟

هل الفدرلة حلاً للمجتمعات المنقسمة والدولة الفاشلة؟ هل يمكن للمشروع الفدرالي أن ينجح في بيئة مجتمعية وسياسية وثقافية تقليدية متصارعة متنافرة مخترقة تأن من الذاكرة وتعاني رسوخ العصبيات وتعيش هوياتها المنغلقة؟ أم هو مقدمة لتقسيم ناجز للدول؟ في تصوري ستقود الفدرلة مع غياب اشتراطاتها وحواضنها الى التقسيم، فلا يمكن تركيب نظام سياسي وشكل للدولة دون بنى تحتية قادرة على استيعابه وهضمه. يجب ألاّ ننسى صعوبة تطبيقات النظام الفدرالي حتى في الدول صاحبة البنى التحتية المجتمعية السياسية الإقتصادية المتطورة،.. حالياً النموذج البلجيكي يعاني من تصدع رغم البنى المتطورة والتجربة التاريخية الطويلة.
نموذج الدولة لدينا قد فشل.. وبفشله انكشف الواقع عن تناقضات مجتمعية سياسية مصالحة هائلة، وبعدم وجود نواة مدنية سياسية صلبة لأممنا الوطنية يكون الباب مفتوحاً لجميع الإحتمالات بما فيه التقسيم الناجز للدول،.. إنها مرحلة مخاض تاريخية لدولة وأمم المنطقة، فأما أن تعي وتلتزم بموجبات إنتاج الأمة والدولة الوطنية وفق اشتراطاتها ومعاييرها من مواطنة وديمقراطية ومدنية وتعددية وتنمية، وإما الإستسلام الى أكثر من سايكس بيكو محلي الصنع أو مستورد.

[email protected]