تأبى الكويت إلا أن تتصدر ميادين المفاجآت في مختلف الميادين، فتاريخ الكويت خلال الحقب الأخيرة كان حافلا بمتغيرات ومفاجآت بعضها كان دراميا بل زاعقا في دراميته و أسس لأوضاع وحالات كانت بمثابة شواهد شاخصة في تقرير طبيعة المسارات السياسية لدول المنطقة، وقضية الصراع الدائم بين معادلتي الأمن و الديمقراطية ظلت هي الشغل الشاغل لصانع القرار الكويتي وتحولت لعقدة وعقيدة، كما أن الصراع بين المعارضة الكويتية والحكومة قد إكتسب صفة الدوام والحركية في بلد عربي خليجي صغير كانت له الصدارة في ممارسة العمل الديمقراطي في عز مرحلة الحرب الباردة وفي خضم أجواء ألأنظمة الشمولية و الإنقلابية في الشرق القديم و التي تعايشت معها الكويت و أنتجت في مرحلتي الستينيات و السبعينيات قمة التألق والتطور الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي حتى عرفت الكويت بصفة جوهرة الخليج العربي قبل أن تتغير الأوضاع و تأخذ مسارات مختلفة و متباينة مع صعود الفاشية البعثية الصدامية في العراق لقمتها وبروز الإستقطاب الداخلي في الكويت و نمو تيار ولوبي عراقي قوي وفاعل بحكم طبائع الأمور و تطورات الأحوال وطبيعة التحدي الذي أفرزته نداءات آيات الله الجدد في إيران لشعوب المنطقة بالثورة و تشجيع الأحزاب و التجمعات الطائفية مما نتج إستقطابا طائفيا حادا عانى منه العالم العربي ولا يزال حتى اليوم ورغم أن الشعب الكويتي كان بعيدا عن ملامسة الخطاب الإيراني الثوري التحريضي إلا أنه قد برز تيار كويتي داخلي ذو توجهات إيرانية صرفة متأثر بذلك الخطاب وعامل من أجل تنفيذ مضامينه مما أدخل البلد في مواجهات أمنية مستمرة إمتدت منذ عام 1980 و بلغت الذروة منتصف الثمانينيات و تصاعدت أعوام 1987 و 1988 حتى جاء غزو صدام حسين لدولة الكويت عام 1990 ليغير البوصلة ويحول خريطة الصراع بشكل حاد ويفرز اوضاع جديدة و تحالفات مختلفة، لقد تخلل صراع الثمانينيات تحالف غير معلن ولكنه واضح وصريح بين المعارضة الشيعية العراقية وتحديدا حزب الدعوة وبين الجماعات المؤيدة للخطاب الإيراني في الكويت ونفذت تبعا لذلك عمليات إرهاب كبرى في الكويت في 12/12/1983 وأعتقل خلال تلك العمليات بعض الكويتيين ممن تربطهم علاقات مع حزب الدعوة، ثم أن بعض الكويتيين ومنهم محمد باقر المهري (وكيل المرجعيات الشيعية الحالي في الكويت ) كان من الأعضاء المؤسسين للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق عام 1981!
وتكونت الخلايا ألأولى لحزب الله الكويتي الذي نفذت عناصره عمليات وقادت مواجهات مع الأمن الكويتي عام 1987 إضافة لمشاركة عناصر من التنظيم بتفجيرات مكة المكرمة عام 1989 وبالإشتراك مع المظاهرات الإيرانية خلال موسم الحج، وأنا أتحدث هنا عن لوبي إيراني وليس عن توجه شيعي فالشيعة ليسوا على رأي واحد بل أن العديد من شيعة الكويت لهم توجهات ليبرالية واضحة ومعلومة ولكن أهل الخطاب الملتزم بالرؤية الإيرانية هم من أعنيهم حتى لا تختلط الرؤى و الأوراق وتعمم الإتهامات، اليوم وبعد مقاطعة المعارضة الكويتية التي تضم تيارات إخوانية وسلفية وليبرالية للإنتخابات إحتجاجا على مراسيم الضرورة التي أصدرها أمير الكويت وعلى آليات التصويت برز التيار و اللوبي الإيراني وأفرزت إنتخابات ألأول من ديسمبر الماضي كتلة شيعية اغلب عناصرها من ذوي التوجهات المؤيدة تاريخيا وعقائديا للنظام الإيراني، فاحد النواب المنتخبين مثلا معروف بعلاقاته الواسعة جدا و الوثيقة مع النظام السوري وهي علاقات لايخفيها ابدا ذلك النائب بل يتفاخر بها علنا إذ سبق له أن لوح بدستور بشار الأسد الهزلي تحت قبة قاعة عبد الله السالم في وقت سابق من العام الحالي؟ كما أن نفس النائب من المعروفين بتحريضاته العلنية السافرة ضد المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين!!
وهي مواقف تتقاطع بالكامل مع الأمن القومي الكويتي ومع مصالح الكويت العليا!!، فيما عرف نائب آخر بعلاقاته الوثيقة جدا مع النظام الإيراني وسبق إعتقاله عام 1989 في احداث مكة المكرمة، فيما ينحدر نائب آخر من إنتماء شقيقه للجماعة التي نفذت تفجيرات نفق المعيصم في مكة المكرمة إضافة للإنتماء لجماعة ( حزب الله ) الكويتي لبعض من النواب، وتلك من الحقائق الدامغة و الموثقة وليست الإتهامات؟ بدون شك وجود هذا العدد الهائل نسبيا من أهل اللوبي الإيراني في البرلمان الكويتي يعطي إنطباعات غير مريحة للحلفاء الخليجيين في زمن التغيير و المواجهة الإقليمية القائمة، وهي عملية لن تؤدي في المحصلة لنجاح تنفيذ خطة التنمية الأميرية الكبرى في ظل حالة التربص القائمة في الكويت وعدم الوصول لمرحلة مريحة في ملف إدارة الأزمة الداخلية الكويتية، الكويت تقف اليوم على اعتاب منعطف خطير للغاية وتعيش موقفا غير مريح بالمرة فيما يتمدد اللوبي الإيراني و ينتعش في الزمن الخطا والموقع الخطأ.. بكل تأكيد الأزمة الكويتية مستمرة، فالمواجهة الحقيقية لم تبدأ بعد، و الأفعى الإيرانية تزحف بسلاسة وهي تنشر سمها الزعاف... و الله يستر....!.
التعليقات