في أوج قوته وعنفوان مجده الدكتاتوري الذي شيده على دماء وجماجم الملايين من أبناء الشعب العراقي،وحينما كان صدام حسين يقود جيشا يتبجح بأنه الجيش الرابع في العالم، ويمتلك ترسانة هائلة من مختلف أسلحة الإبادة الشاملة جرب معظمها على الشعب الكردي منها الغازات السامة، وشن حرب إبادة شاملة من خلال عمليات الأنفال، وأعدم مئات الآلاف من الشباب الكردي، وزج بآلاف آخرين منهم في غياهب السجون والمعتقلات، في هذه الفترة من عنفوانه وكونه بطلا للأمة العربية وحارسا للبوابة الشرقية للوطن العربي،وأمينا عاما لحزب قومي غارق في العروبة والحقد على القوميات الأخرى، لم يجرؤ صدام حسين بجلالة قدره أن يصف الشعب الكردي بالعدو. بل كان هو ووسائل إعلامه تصف كردستانquot; المارقةquot; عن حكمه، بالشمال الحبيب.حتى أنه أطلق صفة quot; جنة الله على الأرضquot; على كردستان، رغم أن ذلك كان من أجل الدعاية لنفسه وحكمه، ولكن مهما كانت غاياته فإنه لم يتجرأ يوما أن يصف كردستان بالعدو، مثلما فعل نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الحالي.

فالمالكي الذي إحتمى بكردستان أثناء فراره من سلطة البعث، وشرب من مائها وعاشر أهلها، وأكل مع شعبها الزاد والملح، تأخذه العزة بالإثم حتى يتجرأ وأمام تلفزيونات العالم ليصف الشعب الكردي بالعدو ويهددهم بشن حرب قومية ضدهم.

من تابع مؤتمره الصحفي الأخير وتمعن في كلمات المالكي يجد بأنه أكد مرارا على أن الكرد هم من يعادونه، في وقت أن هذا الكرد وهم شعب، فيهم من يعارض حتى النخاع سياسة رئيسهم مسعود بارزاني الذي يحاربه المالكي،وفيهم أيضا من لا شأن لهم في السياسة مطلقا، فكيف يصبح عدوا بمنطق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي؟؟.

الرجل يبدو أنه فقد صوابه بعد الفشل الذريع في أدارته لشؤون الدولة والتي بدأها بإهمال وتهميش الدور السياسي للسنة في العراق عبر إستبعاد القائمة العراقية من أي سلطة فعلية رغم أنها حققت مقاعد برلمانية أكثر منه.ثم أخذ يتنكر لكل التعهدات التي قطعها على شعبه ببرنامجه الحكومي، فبدلا من تحقيق العدالة والقضاء على الفساد وتحسين أحوال المواطنين المعيشية، والقضاء على الإرهابيين،عاش البلد في ظل حكمه بمحنة حتى كاد الكثير من العراقيين يتحسرون على أيام صدام حسين.

فالعدالة إنعدمت، والفاسدين المحيطين به أصبحت رائحة صفقاتهم تزكم الأنوف، والأحوال المعيشية وصلت الى الحضيض بسبب الغلاء وارتفاع نسب التضخم،وأصيح الإرهابيون يسرحون ويمرحون حاصدين يوميا أرواح كثيرة من العراقيين،رغم أن المالكي يتفاخر اليوم بأنه يسيطر على الجيش والقوى الأمنية والأجهزة الإستخبارية التي حل فيها أنصاره ومؤيديه، ولكن كل الإختراقات الأمنية تحصل داخل تلك الأجهزة التي يقودها أنصار المالكي، حتى أن هناك من يجرؤ على القيام بتفجيرات حتى داخل الحصن المنيع للمالكي، وهو المنطقة الخضراء.

لقد جن هذا الرجل وعميت بصيرته عن رؤية حقيقة الوضع الذي أوصل العراق إليه، فأخذ يضرب يمينا ويسارا،يرعد ويزبد وكأننا نعيش عصر القوة الإستبدادية والدكتاتورية، وليس عصر الحريات والثورات والإنتفاضات الشعبية التي تعم اليوم أرجاء العالم العربي،بحيث بات كل دكتاتوريي المنطقة يرتعبون من خروج ولو تظاهرة بسيطة من أن تتوسع وتزلزل الأرض من تحت أقدامهم وعروشهم.

تناقلت بعض المصادر العراقية مؤخرا معلومات عن نية القيادة الكردية بالتقدم لطلب الى التحالف الوطني الذي ينتمي إليه المالكي وكتلته بضرورة إستبداله بغيره، لأن العراق لا يحتمل حكما دكتاتوريا آخر شبيها بل ومتفوقا على هدام العراق السابق. وأنا لا أكتفي بهذا الحد بل أطالب بمحاكمته على غرار محاكمة الدكتاتور الأرعن السابق بتهمة التحريض على قتال شعب هو أحد المكونات الأساسية بالدولة العراقية، فإذا لم يتقدم المالكي بإعتذار واضح للشعب الكردي على وصفه بالعدو والتحضير لشن حرب ضده، يستحق تقديمه لمحاكمة نزيهة جراء ما أوصل إليه حال العراق اليوم.

ينص الدستور العراقي بالمادة (9) على أن تكون مهمة الجيش العراقي هو الدفاع عن العراق، وأن لا تكون اداةً لقمع الشعب العراقيquot; والمالكي بمجرد تحريكه لهذا الجيش نحو كردستان، والسعي لإستخدامه أداة لقمع الشعب الكردي وهم جزء من الشعب العراقي، إرتكب بذلك جريمة بحق الدستور يجب محاسبته عليها، فالشعب الكردي ليس عدوا خارجيا حتى يحشد له المالكي جيشه،وليست السلطة في العراق دكتاتورية أو إستبدادية حتى يجيز لنفسه قمع الشعب الكردي.

المالكي بغروره وعنجهيته تحول الى دكتاتور قد يكون أخطر من صدام حسين، لأن الدكتاتور السابق رغم كل جرائم الإبادة الشاملة التي إرتكبها ضد الشعب الكردي وغيره من العراقيين لم يكن يتبجح ويتفاخر أمام التلفزيونات بذلك، بل حتى أثناء محاكمته أنكر التهم الموجهة إليه، ولم يجرؤ يوما أن يحرض الجيش وبقية المكونات الأخرى لشن حرب قومية ضد الكرد، ولا هدد يوما بصراع عسكري بين العرب والكرد الذين كان لهم دورهم في إزاحة الدكتاتورية والإتيان بنوري المالكي الى السلطة الحالية ببغداد.

[email protected]