تتزايد وتيرة الصراع بين المركز والاقليم على نحو متسارع، مع تدفق كم هائل من التصريحات والمعلومات والاشارات المتضاربة سواء من قبل مسؤولي الطرفين او اطراف اخرى قريبة من هذا الجانب او ذاك.

وفي خضم هذا الاضطراب الشديد والمصالح السياسية الضيقة والشخصانية المؤطرة بشعارات الوطن والعرق، تسود نبرة من الكراهية والضغينة بين الاطراف المتخاصمة والمتناطحة تتبدى على نحو واضح من خلال استعانتنا بمنهج تحليل المضمون لكل ماقيل اثناء هذه الازمة من خطابات وكتب رسمية واوامر عسكرية، والتي نخشى ان تبدأ بالانسلال من القمة السياسية الى الوجدان الذاتي للفرد العادي، لنعيد صناعة الكراهية بين العرب والاكراد شعبيا، بعدما بدأت بوادر عدة تميل نحو بناء نمط من التعايش السلمي ( يمكن تلمس هذه البوادر بالدور الكبير للاكراد في بغداد على الصعيد الرسمي وغير الرسمي، اما في اربيل والسليمانية، فيمكن الاستدلال بإنموذج واضح الدلالة للتغيير الايجابي الذي اصاب منظومة التفكير الكردي تجاه اخيه العربي، هذا الانموذج يتمثل باللافتات والاعلانات التي تكتب باللغة العربية وهي تملئ ارجاء الاقليم، بعد ان كان ذلك في اعوام قريبة، اشبه بالمستحيل ان نجد لافتة واحد مكتوبة باللغة العربية، فضلا عن وجود مايقارب (100) الف شخصا عربي يسكنون في اربيل وحدها وينعمون بالسلام والطمأنينة )، وهو نمط قائم بالدرجة الاولى على المصالح المشتركة مع تنامي مدرك عمودي ( السلطة وتفرعاتها) وافقي ( المجتمع وتفرعاته) لكلا المكونين العربي والكردي، أن مغانم العيش المشترك والسلم الاهلي يتفوق بكثير عن مغارم الصراع والحروب التي لم تنتج لنا سوى هباءا منبثا ورمادا من البؤس والكراهية ومئات الاف من الارواح وهدر للثروات الوطنية وضياع عقود من التنمية.

ان الازمة الاخيرة كانت كاشفة لخلل بنيوي في تفكير الطرفين، وفي ادارة استراتيجية الصراع التي ادت في النتجية النهائية الى وصولنا الى معادلة صفرية تحكم نوع هذه الازمة بكل تجلياتها، بمعنى ان مايكسبه طرف ما من مكاسب خلال هذه الازمة سيعني بالضرورة خسارة مقابلة للطرف الاخر، مما دفعهما الى التشدد في المواقف خشية تبعات اي تراجع ينتج عنه خسارة تكون تباعاتها اكبر مما ان يتحملها اي طرف منهما.

ولذا بات من الصعوبة بمكان ايجاد مخرج حقيقي ونهائي للازمة، وان افضل تصور للخروج من هذا المأزق الذي وضع فيه رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني نفسيهما، يكمن في ايجاد نمط من التواطئ مع النفس والاخر عن طريق تأجيل حل المشكلة وترحيلها انتظارا لغد مجهول، تحت شعار انه لم يكن بالامكان تحقيق احسن مما كان، ليكون المعلن ان الازمة قد انتهت وان الطرفين قد اتفقا على ابقاء الوضع عما هو عليه، لكن الخسارة الفعلية تكمن في اوجه متعددة اولا : عدم ايجاد حل شامل جامع مانع، شامل بكل القضايا المسببة للخلاف والنزاع والصراع، وجامع لكل الاطراف بمختلف قواها وتلاوينها، ومانع من كل تأويل منحرف للاتفاق النهائي مثلما هو مانع لقيام الصراع مرة اخرى. وثانيا: زراعة بذرة اخرى من بذور الانقسام والكراهية والتوجس والخيفة، في انتظار جولة لاحقة من حلقات الصراع، بما يخلق سدا ماديا ومعنويا بوجه تعايش سلمي حقيقي يحفظ الحقوق للطرفين. وثالثا: بقاء هذه المناطق دونما استقرار حقيقي وامن ناجز مع تفاقم ازمة الهوية.رابعا : استمرار تعرض سكان هذه المناطق للظلم الثلاثي الابعاد قوات الحكومة، قوات البشمركة، وجماعات العنف المسلح ( القاعدة والمليشيات).

ان بقاء القضايا العالقة بين المركز والاقليم دون حل جذري، سيجعل من هذه القضايا محلا للتوظيف السياسي وبابا مفتوحا للتدخل الاقليمي والدولي، فضلا عن بقاء سيادة نمط اللا سلم واللا حرب، او منزلة بين منزلتين الاستقرار واللا إستقرار، وهو النمط السائد الان.

صفوة القول ان على الطرفين ان يديرا دفة الصراع من حالة اللعبة الصفرية الى حالة اللعبة غير الصفرية، بما يمكن الطرفين من الربح معا، لان شعور اي طرف من اطراف الصراع بالهزيمة هو بمثابة الوقود الازلي للحروب والصراعات، وان يكفا عن استخدام القضايا الخلافية كورقة للتوظيف السياسي المبتذل دون اي اعتبار للعواقب الوخيمة على التعايش المجتمعي، وان حل الخلافات بالغلبة لن يخلق الاستقرار الدائم، لان الغلبة قد تكون في يد طرف ما وتنتقل في زمن اخر الى الطرف الاخر، والحل الامثل هو في اتفاق نهائي قائم على مبدأ المساواة والرضا والاقناع.

[email protected]