هل تذكرون فيلم quot;سوق المتعةquot; بطولة محمود عبد العزيز وإلهام شاهين والذي يكشف إذلال النفس البشرية لنفسها ووصولها إلى انتهاك إنسانيتها، حيث تدور قصته حول خروج أحمد من السجن عقب انتهاء فترة عقوبته التي قضاها ظلما لجرم لم يفعله، يخرج من السجن ليحصل عما يعوضه عن تلك الفترة والتي حرم فيها من حريته إلا أنه أحب سجنه وسجانيه والعذاب الذي لاقه خلف قضبان السجن، لقد اعتاد أن يكون مذلولا مهانا، ولم تنفعه الحرية وكل الأموال وهي أموال قذرة التي ملكها للخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليه فقام بشراء مكان منعزل ليجعله كالسجن وقام بجمع زملائه المساجين ووظف سجانيه الذين أحيلوا للتقاعد بدءا من مأمور السجن وانتهاء بالصول السجان، ليتولوا إدارة ذلك المكان المنعزل الذي قرر أن يعيش فيه، ليؤكد أن أمراض السجن من ذل ومهانة وظلمة وكراهية للحرية وعجز جنسي أعمق من أن يتحرر منها أو يعالج ومن ثم يستحيل عليه أن يعيش حرا كريما، إنه يستلذ العبودية والعذاب والإهانة والمذلة.

هكذا هؤلاء الذين يحكمون مصر الآن، لا يستطيعون التحرر مما أصابهم السجن به من أمراض التكفير والتحريض على القتل، وما أن استولوا على السلطة حتى قرروا أن يجعلوا من مصر سجنا كبيرا ومسرحا للدم، أعفى الرئيس الإخواني الذي ينتمي لفصيلهم الأساسي الإخوان المسلمين عن كافة القتلة والمجرمين، لتكون أول جرائمهم في سيناء حيث قتل 18 جنديا مصريا في رفح على الحدود تحت صرخات التهليل quot;الله أكبرquot;، وثم ضم قياداتهم إلى اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور لكي يفصلون دستورا طائفيا دينيا يسمح لهم بممارسة أمراضهم البغيضة على الشعب المصري انتقاما وجلدا للذات.

وما السقوط المروع الذي يعانونه الآن والذي سيتواصل بعد أن بثوا الرعب في نفوس المصريين، إلا نتائج أولية لما تنضح به عقولهم وقلوبهم السجينة من تفسيرات متطرفة وعنصرية للدين، ونظرة متأنية لأقوالهم وأفعالهم وانتهاكاتهم اللانسانية تؤكد أننا أمام أحداث فيلم quot;سوق المتعةquot; الذي كتبه السيناريست المعروف وحيد حامد منذ سنوات عدة، فقد جاء الرئيس وجماعته وأنصاره من السجون حاملين معهم ما كان يحملهم شيوخهم من أمثال سيد قطب الذي لم يستثن مجتمعا من التكفير.

ومنذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة بدأ في الاستيلاء على مفاصل الدولة، استولى على المؤسسات الصحفية والإعلامية ونصب عضوا في مكتب الإرشاد وزيرا للإعلام، وأقال ما يقرب من 82 من كبار قيادات الأمن في وزارة الداخلية، وأطاح بالمشير طنطاوي وزير الدفاع وكذا رئيس الأركان وجاء بوزير دفاع ورئيس أركان لا تخفى ميولهما الإسلامية، وأقال رئيس جهاز الاستخبارات وجاء بمن يقسم له على المصحف الشريف ونصب مؤيدوه مستشارين له ومحافظين في المحافظات الحيوية، وأعطي رئاسة الحكومة لكادر إخواني اختار على الأقل 60 % من وزراء حكومته ممن ينتمون للتيار الإسلامي المؤيد لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد انتابت الرئيس وجماعته عقب خروجهم من السجن المادي والمعنوي حالة من السعار والجوع للسلطة، فبدأوا ينهشون كل مفاصل الدولة المصرية ومبادئها ومفاهيمها للاستيلاء والانفراد بالإجهاز عليها، رافعين سيف الإرهاب والقمع والتخوين والعمالة ضد كل معارض يجرأ على انتقادهم.

والآن يخرج زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في رسالة فيديو ليحرض الشيخ حازم أبو إسماعيل وهو لا يحتاج لتحريض كونه محرضا أساسيا ضد الشعب المصري ويقول له أن عليه أن يشن حملة تحريضية لتطبيق الشريعة في مصر quot;لابد من تحقيق طلب شعب مصر من الحكم بالشريعة، وإجبار القوى الفاسدة في مصر على الرضوخ لمطالب الشعب عبر العمل الشعبي الثوري الدعوى التحريضي، وعلى الأمة المسلمة أن تقدم الضحايا والقرابين حتى تعيد لمصر مجدهاquot;، كأن مصر كافرة وعليهم أسلمتها.

لكن هذا الكلام لزعيم تنظيم القاعدة ليس بعيدا عن كلام قيادات ومشايخ تيارات الإسلام السياسي محمد حسان والحويني وصفوت حجازي ومحمد بديع ومحمد عبد المقصود وعبد الله بدر وخالد عبد الله الذين ومحمد البلتاجي وعصام العريان وغيرهم، فما من مرة يخرجون فيها على أنصارهم ومؤيديهم إلا ويؤكدون أن مصر يفتحها الإسلام من جديد، وأنها برئاسة محمد مرسي تبني دولة الخلافة الإسلامية باعتباره مدعوما ومؤيدا من الله، بل إن الرئيس نفسه هو أول من أعلن ذلك في الاحتفال بذكرى موقعة بدر مساء 5 أغسطس 2012 بالجامع الأزهر حيث قال quot;المرحلة التي تمر بها مصر الآن تشبه الدولة الإسلامية في أول نشأتها عندما أسسها رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد تأسست تلك الدولة في مجتمع الجاهلية الكافر ولم تنشأ في مجتمع إسلاميquot;. إنه فكر واحد ووحيد يجمعهم، فكر يرى أن مصر دولة كافرة وينبغي أسلمتها ولو بقوة القتل والسحل.

إن ما صور من فيديوهات ونقل من صور لأحداث الأربعاء الدامي أمام القصر الرئاسي، يؤكد أن هذه التيارات التي تدعي الإسلام والسعي إلى تطبيق شرع الله ما هي إلا مجموعات من المخربين عقليا ووجدانيا، حيث مارسوا التعذيب والقتل على المتظاهرين السلميين المعتصمين أمام القصر لإسقاط دستورهم الطائفي، مارسوا ذلك بفجاجة وانحلال أخلاقي وسلوكي، عذبوا السيدات والفتيات وشوهوا وعروا أجساد الشباب الذين قيدوهم لمدد تجاوزت 16 ساعة، فعن أي إسلام يتحدثون وأي شريعة يريدون تطبيقها.

إن ما يجري للدولة المصرية هو محاولة إدخالها قهرا وإرهابا إلى السجن ماديا ومعنويا تحت شعار quot;تطبيق الشريعةquot;، حيث أن المستهدف الحقيقي من وراء هذا الشعار هو سجنها لكي لا تقوم لها قائمة بعد ذلك، فالفنانات داعرات والفنانون فاسقون والكتاب والمبدعين زنادقة وفاسدون والإعلاميون مارقون مخربون، ومن ثم تفقد ما أنجزته وحققته من مكتسبات حضارية وثقافية وفكرية وإبداعية ودينية أيضا باعتبارها دولة الإسلام المعتدل.