إن وضع القضية الكوردية على طاولة الصراع الجاري في منطقة الشرق الأوسط لها ابعادها الاستراتيجية، والجيواستراتيجية، على الشرق الأوسط والمنطقة ككل، فهناك شعب يزيد عن أربعين مليوناً، منقسم بين تركيا، إيران، العراق، وسوريا، أربعة دول ألحقت ما ألحقت من ظلم بهذا الشعب الذي بقي بدون وطن ينتمي إليه، ومن دون دولة تحميه، على مدى قرون من الزمن، فلجأ إلى كل الوسائل لحماية نفسه من ظلم الاجندة السياسية التي تلعب بمصيره، وتحاول محو معنى انتماءه الكوردي بطرق مختلفة، باختلاف هذه الدول..

ولكن اليوم أسس اللعبة السياسية قد تغيرت، واستطاع الكورد أن يثبتوا، أنهم جزء لا يتجزأ من هذه اللعبة في الشرق الأوسط، وأنهم قوة تأثر وتعمل على خلق التوازن في أهم أربع دول في المنطقة، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، وسكانياً إن صح التعبير، وأنهم جزء من الحل، وليسوا جزء من المشكلة، كما كانت تقول تلك الدول في طرحها للقضية الكوردية في الماضي، وأثبتوا أنهم قادرون أن يكونوا قوة سياسية لها كلمة مسموعة في الدول الغربية والولايات المتحدة، وأنهم قادرين على الانتقال من العمل العسكري المنظم إلى عمل سياسي منظم أكثر..

إن محاولة جر الكورد إلى الصراع المسلح ما هي إلا محاولة لتوسيع دائرة القتال المسلح ضد الكورد في المنطقة، تقف خلفها قوى متواجدة في هذه الدول الاربعة، وعلى رأسها تركيا، فبعد مئات السنين من اضطهاد هذا الشعب، وحرمانه من حقوقه الثقافية، الفكرية، السياسية، الوطنية، والإنسانية، هناك من يحاول إقصاء هذه الفئة مرة اخرى من حقها بالمطالبة بحقوقها المشروعة، ويعمل على جرها إلى الصراع المسلح للقضاء على كيانها بشكل من الاشكال..

هناك مستجدات جديدة على أرض الواقع في المنطقة وخاصة في الآونة الأخيرة، مع تحول الأرض السورية إلى مسرح يلعب فيه من يشاء، ويحاول كل طرف اغتنام الفرصة لتحقيق القدر الممكن من المرابح على جميع الأصعدة، في ظل وجود حرص كوردي من عدم الدخول في القتل والأقتتال الجاري ما بين النظام السوري، وقوى المعارضة المسلحة، والمجموعات الجهادية والإسلامية، واطراف خارجية مثل تركيا، التي تحاول جاهداً جر الطرف الكوردي إلى الحرب الأهلية، كما حصل في منطقة الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، ومنطقة رأس العين، والقصف من الداخل التركي، على الداخل السوري، على مناطق الكورد بالتحديد في رأس العين، التي لم تتكلم عنها أية آلة إعلامية، فقط أكتفوا بالحديث عن الاشتباكات الجارية، ما بين الجيش الحر والمجموعات الكوردية، ما يثير الشكوك!!.. وهناك قوى أخرى متمركزة على الحدود السورية التركية، بالطرف التركي الموازي للمناطق الكوردية، بانتظار الأوامر لمعاودة الضرب من جديد..

إن الكورد شعب كباقي شعوب المنطقة والعالم، لهم ما لهذه الشعوب من حقوق في ممارسة المواطنة والعمل السياسي، والحفاظ على لغتهم وثقافتهم وأبناء شعبهم.. وبرأي الشخصي، إن الكورد ليسوا المشكلة، لا بل هم الحل، في الانتقال إلى مرحلة يعيش فيه الجميع سواسية، لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم..
فهل سينصفهم التاريخ هذه المرة؟.. أم كالعادة، سوف تستعمل الورقة الكوردية لتحقيق مكاسب إضافية، لبعض الدول؟..
أم سيسجلون الكورد التاريخ بأنفسهم؟

بروكسل..
[email protected]