ليس من عادتي أن أرد أو أعقب على تعليقات قراء مقالاتي،لأن أغلب المعلقين لديهم أحكاما مسبقة على الكتاب الكرد من أمثالنا.فبحكم الآيديولوجيات والثقافة المترسخة في عقولهم منذ الصغر فهم ينكرون الآخر،ولا يتقبلون الرأي الآخر،ناهيك عن أن الكثيرين منهم مدفوعون بخلفياتهم الطائفية،وهي التي تدفعهم الى ملازمة جانب السلطة الطائفية،المتمثلة اليوم في العراق بنوري المالكي،حتى لو كان هذا المالكي قد أفقرهم وخرب بلدهم وأظلم مدنهم وعاث هو وأنصاره الفساد في البلاد،فهو أولا وأخيرا يبقى من الطائفة التي إستحوذت على السلطة لأول مرة في تاريخ العراق منذ نشوء التشيع كفكر ساعي الى السلطة الدنيوية.

أغلب هؤلاء المعلقين وخاصة من الأخوة الشيعة يعلقون بشكل مفرط في العدائية لمجرد أن أحدنا عارض المالكي هدام العراق الجديد،والمضحك في الأمر أنهم يستكثرون على كاتب كردي مثلي أن ينتقد المالكي الذي يزبد ويرعد ويتوعد بشن حرب قومية ضد شعبي الكردي، ويعبيء الدولة التي يقودها لحرب طائفية قومية في العراق الديمقراطي الجديد الذي قدمنا لإعادة بنائه دماءا عزيزة من كل بيت في هذا العراق من البصرة الى زاخو.

ولا يعرف هؤلاء المدافعين عن نظام المالكي والسائرين في ركابه، بأنه عندما يستجد الجد فإن كل كردي بغريزته وفطرته على إستعداد لكي يحمل السلاح دفاعا عن أرضه وعرضه ووطنه. والشواهد كثيرة فليس في كردستان شجر وحجر إلا وأريقت تحته دماء كردي، وليس فيها أم أو أب لم يجد بأبنائه في سبيل تحرير كردستان،وكاتب السطور شارك في ثورتين متتاليتين بعمره ، ثورة أيلول التحررية عندما كان شابا في التاسعة عشرة من عمره بمنتصف السبعينات، والثورة الجديدة التي أعقبتها وهو في الثلاثين من عمره بمنتصف الثمانينات،وهو مستعد للمشاركة في الثورة الثالثة كهلا. فهؤلاء لا يعرفون الشعب الكردي ومدى تعطشه للحرية بعد قرون طويلة من المعاناة والحرمان والقهر العنصري وجرائم أرتكبت ضده من حملات الأنفال والقصف الكيمياوي. بل لا يدرك هؤلاء quot; الغشمةquot; كيف أن النظام الفاشي السابق الذي قاده صدام حسين كان يسحب دماء الشباب الكردي المودعين في السجون والمعتقلات ليجرب عليها تجارب الأسلحة الكيمياوية،وكيف أن هذا النظام الوحشي أنشأ مديرية خاصة أطلق عليها إسم quot; وحدة المجازر البشرية:quot; وهي مديرية ملحقة بوزارة التصنيع العسكري في عهد ذلك النظام مهمتها إجراء تجارب غازات السارين والخردل والتابون وغيرها من الغازات السامة على أجساد الشباب الكردي.

الشعب الكردي مجبول على القتال دفاعا عن أرضه وعرضه، لذلك عندما تفجرت الإنتفاضة الشعبية في مدن كردستان عام 1991 كنت ترى أصحاب العربات المتنقلة التي تبيع الطماطم والخضروات في ساحة شيخ عبدالله بأربيل كلما سمعوا إطلاقة بندقية من مؤسسات أمن النظام في أي ناحية أو قضاء أو مدينة، كيف كانوا يسارعون الى إخراج بنادقهم ورشاشاتهم من تحت عرباتهم ليذهبوا الى ساحات القتال تاركين عرباتهم في عرض الشارع.

أنا كتبت في هذا الموقع الإعلاميquot; إيلافquot; أكثر من 500 مقالة إنتقدت فيها قيادة كردستان، وقلت كلاما جافا يذكرني القراء مرارا به في تعليقاتهم ضد هذه القيادة التي أعتقد بأنها أغرقت كردستان بفساد عظيم، بل أنني كتبت ما يماثل ذلك العدد من المقالات الإنتقادية باللغة الكردية ليقرأها قادة كردستان، ولم أخش أو أتراجع حتى اليوم عن هذا المبدأ الثابت والموقف الرافض والقاطع من مسألة الفساد في كردستان، ولكن عندما يملي علي إنتمائي القومي والوطني أن أدافع عن أرض كردستان،فلن اتأخر للحظة عن أداء واجبي بجبهات القتال،لأنني سوف لن أدافع عن مسعود بارزاني أو جلال طالباني، بل عن شعبي وأمتي.

هذا هو بأس شعبنا في القتال والتاريخ يشهد على ذلك، ولكن معظم الشعب الكردي لم يعد يؤمن بعد تحرير كردستان بأنه بحاجة الى القتال لإنتزاع المزيد من حقوقه المغتصبة.والقيادة الكردية ومنذ سقوط النظام السابق تعتبر الدستور العراقي الذي وافق عليه أكثر من ثمانون بالمائة من العراقيين هو الضامن لحقوقنا،وهو الحكم والملجأ لحل خصوماتنا ونزاعاتنا، ولو كان هناك إلتزام من الطرف الآخر بعشر معشار إلتزامنا نحن الكرد بهذا الدستور، لهانت جميع المشكلات والخلافات، ولما كانت هناك أصلا أزمة سياسية بحجم الأزمة الحالية التي تهدد بنيان المجتمع ومصير الوطن العراقي.

سأتخلى اليوم عن عصبيتي القومية،وسأحاول أن أناقش أولئك الذين يؤازرون المالكي أو يسيرون بركابه عميانا عن رؤية الحقائق على الأرض، مناقشة هادئة، وسأبدأها بتذكير هؤلاء كيف أن السيد المالكي أراد عام 2008 خلال أزمة خانقين أن يجيش جيوشه وأن يفتح النار على البيشمركة،ولولا تدخل أمريكا في ذلك الحين لكانت الحرب والقطيعة واقعة لا محالة لمجرد مغامرة طائشة أرادها المالكي.

ولا أتغافل عن موقفه المشين والمعيب من التهرب من تنفيذ المادة 140 من الدستور حول المناطق المتنازعة،فلو أن المالكي نفذ تلك المادة لما تراكمت الخلافات والمشاكل الى اليوم، فكل ما يحدث اليوم جزء كبير منه يتعلق بعدم تنفيذ تلك المادة الدستورية، وعدم إلتزام المالكي بتلك المادة الدستورية إستسهلت عليه لاحقا التهرب من الإلتزام ببقية المواد الدستورية.

عندما واجه العراق أزمة حكم بسبب تقارب النتائج الإنتخابية بين قائمتي العراقية ودولة القانون،وكادت العملية السياسية أن تنهار بسبب تمسك المالكي بالسلطة، وإصراره على إعادة تكليفه برئاسة الوزارة، بذل القادة الكرد في أربيل جهودا جبارة من أجل حسم الموضوع لصالح المالكي،والتسوية كانت تقتضي بأن تتسلم القائمة العراقية رئاسة مجلس السياسات،ولكن المالكي لم يلتزم مطلقا بذلك الإتفاق،وصمم على إقصاء القائمة العراقية وزعيمها أياد علاوي الذي يتحلى حقا بصبر أيوب،وعمل على تهميش دور هذه الكتلة في العملية السياسية وإضعافها بشتى السبل حتى إنهارت القائمة وتفرقت سبلا متعددة،وبذلك يكون المالكي قد خان الأمانة عندما تراجع عن إلتزاماته وحارب الجهات التي وقفت معه في تلك المسألة.

هيئة الرئاسة العراقية تشكلت على أساس التوافقات السياسية،وكان تقسيمها بين المكونات الأساسية ( القومية والطائفية) هي الضمانة لإستمرار العملية السياسية بالعراق وهو بلد متعدد القوميات،لكن المالكي بذل المستحيل من أجل إقصاء نائب الرئيس طارق الهاشمي حتى نجح بإصدار أمر إعدامه جنائيا بعد أن قضى عليه سياسيا،ولولا هروب الهاشمي لكان اليوم تحت التراب لمجرد إشباع نزوات المالكي وحبه وشهوته للسلطة المطلقة. وليلاحظ المواطن العراقي كيف تعرجت العملية السياسية بغياب أهم قياديين يمثلان المكون السني في العراق وهما طارق الهاشمي وأياد علاوي من العملية السياسية، والآن يحاول المالكي أن يغيب المكون الكردي من السلطة، فماذا يبقى في العراق بغياب هذين المكونين الأساسيين، وكيف يمكن أن يسمى العراق ديمقراطيا تعدديا في ظل هذا السلوك الخاطيء بالحكم، فصدام حسين فعل نفس هذا الشيء عندما غلب السنة على السلطة وهمش الكرد والشبعة لأكثر من خمس وثلاثين سنة من حكم العراق.

عندما أرادت الدول الغربية أن تنشيء رابطة عالمية لدعم الشعب السوري بمواجهة نظام بعثي وحشي يقتل الأطفال والنساء بالطائرات الحربية ويعدم الناس في الشوارع،إنضمت الى هذه الرابطة دول تبعد عن سوريا بعشرات الآلاف من الكيلومترات، والعراق الذي يقوده المالكي يكاد يسمع فيه أنين الأطفال وصرخات الأمهات الثكلى عبر الحدود، سكت عن كل هذه المعاناة التي يعانيها الشعب السوري بيد طاغية دمشق، بل أنه ساعد في تمرير السلاح والأموال الى جيش النظام الوحشي لتمويل عملياته الإجرامية ضد الشعب السوري الأعزل، ولم تحرك مشاعره تلك الصور المنقولة عبر شاشات التلفاز وهي تصور المعاناة اليومية لهذا االشعب، ولا هزته الأرقام اليومية المروعة لعدد القتلى هناك، فإصطف المالكي الى جانب نظام وحشي يقوده جلاد أرعن كان الى الأمس يرسل الإرهابيين والمفخخات عبر الحدود الى العراق ليقتل أطفال ونساء وشيوخ العراق في الأسواق الشعبية ومتنزهات الأطفال. ونسي المالكي وهو الذليل الخانع لسياسات إيران المؤيدة لنظام طاغية دمشق،أنه هو بالذات وحزبه كانا ضحية من ضحايا حزب البعث الحاكم في العراق، ولكنه أصبح اليوم خير نصير لجلادي ذلك الحزب، فهل هناك ثمن مهما غلا يساوي الوقوف بجانب قتلة الشعبين السوري والعراقي؟.

تركيا كانت ومنذ عقود طويلة إحدى أهم الدول الصديقة للعراق منذ تأسيس جمهوريتها على أنقاض الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الدولة العراقية الجديدة بأوائل عشرينات القرن الماضي، وكانت تركيا هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي آزرت العراق أيام محنة الحصار الإقتصادي الدولي المفروض من قبل المجتمع الدولي،وكانت هي الملاذ لملايين العراقيين الهاربين من بطش نظام صدام عبر العديد من السنوات الماضية،لمجرد أن محكوما بالإعدام أتهم زورا لجأ إليها،أقام المالكي الدنيا ولم يقعدها ضد هذه الدولة الجارة، حتى أنه تطوع بإرسال جيشه الى قرب الحدود التركية قبل عدة أشهر بمنطقة الزمار، ليعيق الدور التركي بدعم الشعب السوري وإيواء لاجئيها ونقلهم الى داخل المخيمات. وتركيا هي الدولة التي أرسلت المئات من شركاتها والآلاف من مستثمريها ليدشنوا حركة إستثمارية ويساعدوا العراق في نهضة إقتصادية وتنموية لم يشهدها البلد من قبل.

ولا ننسى المواقف المعادية لنظام المالكي من المملكة العربية السعودية،وكيف يجند وسائل إعلامه المرتزقة للنيل من هذا البلد المسلم لأسباب طائفية ،ولا دوره في تصعيد المواقف مع الكويت جارتها الجنوبية. فلم يبق للعراق سوى دولة جارة واحدة صديقة في كل المنطقة وهى إيران التي مازالت تحاول تصدير أزماتها ومشاريعها التدميرية الى دول المنطقة.

في الداخل سعى المالكي الى بناء جيش خاص به،وأخضع جميع المؤسسات الأمنية والمخابراتية تحت سلطته،وحاول أن يمد أذرعه الى المؤسسات البنكية ليسيطر على القوة والمال، ترى لماذا يريد المالكي أن يسيطر على كل شيء في هذا البلد إذا كان فعلا هو يؤمن بالديمقراطية وبالإنتخابات؟.وماذا سيكون مصير الرئيس القادم عندما يكون ولاء الجيش لغيره والأموال بيد غيره ، كيف يستطع أن يحكم هذا البلد في ظل هكذا وضع حتى لو فاز بالإنتخابات؟.وما جدوى الإنتخابات أصلا إذا كانت جميع السلطات بيد شخص واحد يريد أن يستفرد بالحكم من خارجه؟

من كل ذلك يبدو واضحا بأأن المالكي قرر مسبقا بعدم التخلي عن السلطة في العراق مهما كانت نتائج الإنتخابات القادمة، أليس هذا إشارة واضحة الى ظهور دكتاتور آخر في العراق؟.

[email protected]