بعد إجراء إنتخابات الأول من ديسمبر الماضي في الكويت والتي أسفرت وبرغم مقاطعة المعارضة الكويتية لها عن مجيء مجلس أمة جديد غابت عنه المعارضة وتميز بصعود تيار شيعي ملفت للنظر من الناحية العددية بلغ 17 من أصل 50، ومن ثم تشكيل حكومة كويتية جديدة برئاسة رئيس الوزراء السابق الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح يؤمل منها أن تقوم بتخفيف التوتر المتصاعد في الساحة الكويتية وتحقيق التطلعات الأميرية بتنفيذ خطة التنمية الشاملة المؤجلة وتحويل الكويت لمنطقة جذب إستثمارية كبرى في الشرق الأوسط وهو المشروع الذي تعثر لأسباب عديدة و مختلفة، تكون صورة إدارة الصراع السياسي في الكويت قد وصلت لنقطة حساسة وفاعلة للغاية في وضع متأزم لم يكن له أية دواعي حقيقية لأن يشهد كل هذا التوتر و التصعيد الذي نراه في كويت اليوم وهي تعيش و تراقب أجواء المتغيرات الإقليمية الكبرى الجارية في الشرق القديم وتتابع مسلسل الربيع العربي وإرهاصاته المتجددة و المتفجرة و المفتوحة على أكثر من نهاية و إحتمال !، المعارضة الكويتية باتت تتحدث اليوم للأسف عن تدويل الصراع الداخلي أي نقل الملف للبرلمان الأوروبي وللكونغرس الأمريكي؟ بحجة حماية وتعزيز الديمقراطية، ولكن هذا التوجه لايخدم أبدا المصلحة الوطنية الكويتية العليا والتي تعني أساسا ضرورة حل المشاكل العالقة داخل الخيمة الكويتية وبعيدا عن إشكاليات التدويل و التدخل الخارجي، فالقضية ذات أبعاد داخلية محضة وذات صلة بالنظام الإنتخابي وآلية التصويت ومن الممكن حل الخلاف داخليا وتوافقيا دون الحاجة الملحة لنشر الغسيل في الخارج وعلى قارعة الطريق، ثمة أزمات سياسية عديدة عاشتها الكويت في طريق التطور الديمقراطي منذ إنتخابات عام 1967 التي شابها التزوير وصولا لأزمة عام 1976 و1986 وصراع عام 1990 على إثر ظهور ماكان يسمى بالمجلس الوطني الذي كان بديلا لمجلس الأمة ثم جاء الغزو العسكري العراقي للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990 ليغير الصورة ويعيد التلاحم الوطني لسكته الأولى من خلال مؤتمر جدة في أواخر اكتوبر 1990 والذي أنتج توافقا وعقدا وطنيا كويتيا جديدا أسس لكويت مابعد التحرير وإعادة البناء وولادة الدولة من جديد بعد أعقد وأشرس حرب إقليمية مريعة، الصراع من أجل الديمقراطية و التطور هو صلب الحالة الكويتية الحديثة وهو متغير الوجوه و الأدوات ولكنه ثابت الأركان و الرؤى، بكل تأكيد ثمة قصور وخلل و ملفات فساد تشوه الصورة في الكويت ولكن وصول الأوضاع و التأزم لدرجة القطيعة والعداء السافر بين الحكم و المعارضة هو صورة غير مرغوبة أبدا ان تسود، فراس السلطة في الكويت وهو الأمير لايمارس سياسة إقصاء تسلطية ولا يعتمد القمع كمنهج للحكم بل العكس هو الصحيح وفرض هيبة الدولة و القانون لا تعني أبدا فرض سياسة تسلطية، فالكويت شأنها شأن بقية دول الخليج العربي مستهدفة ليس اليوم فقط بل منذ عقود وهي مرت بتجربة إحتلال فريدة لم تعشها أي دولة في المنطقة، لذلك فإن للحرية معنى مقدس في الوجدان الكويتي، وإرتباطا بالموضوع فإن لصعود التيار الشيعي في مجلس الأمة بعد إنسحاب المعارضة من المشهد الإنتخابي بات يفرض تساؤلات ملحة يطرحها البعض حول موقف عناصر من هذا التيار الذي يضم لوبيا إيرانيا واضح المعالم، فبعض النواب منهم مثلا يقلد فقهيا مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي، ومرجعيته كما نعلم سياسية محضة فهو ليس بأعلم المراجع الشيعة و لا بأفضلهم مقارنة بمرجعيات السيستاني والنجفي وغيرهم وتقليده يعني أساسا تبني مواقفه و أوامره و نواهيه ليس من الناحية الفقهية و الشرعية فقط بل من كافة النواحي الحياتية الأخرى، فمن قلده إعتمد أساسا على هذا القياس؟ وموقف الخامنئي من أحداث المنطقة معروف و مشخص لأنه الموقف الإيراني الرسمي و موقفه من الوضع البحريني ومساندته للجماعات الطائفية هناك لا يحتاج لتوصيف أو شرح بيان الحال؟ اما موقفه من الثورة السورية فهو عدائي محض بل مفرط في عدائيته؟ وهنالك عدد من النواب يتبنون بالكامل مطالب المعارضة البحرينية المدعومة إيرانيا بل ثمة نائب معروف لايتردد أبدا عن دعم المعارضة البحرينية ويقود مؤتمرا مزعوما لنصرة المعارضة البحرينية بل أنه تقدم بصفته كمحامي ورفع دعوى قضائية دولية ضد ملك البحرين هذا غير موقفه المعادي للمملكة العربية السعودية و رفضه وجماعته الكامل لعمليات درع الجزيرة لحماية السلم الأهلي و الإستقرار هناك، لا بل أن المجاهرة بدعم النظام السوري المجرم بات فريضة محكمة وسنة متبعة في عرف اولئك النفر!! وغني عن الذكر إن تلك المواقف تضر بالأمن الوطني الكويتي و المصلحة القومية الكويتية العليا، فالكويت عضو مؤسس واصيل في مجلس التعاون الخليجي و علاقاتها مع كل من السعودية والبحرين علاقة تاريخية ومصيرية لا إنفصام في عروتها الوثقى، كما أن الموقف من جرائم النظام السوري لم يعد مجرد خيار حكومي و إجتهاد خاص بل تحول لقضية إنسانية ودولية لا جدال حولها، فهل سيلجأ اللوبي الإيراني في الكويت لإستغلال المشهد القائم من اجل إبراز عضلاته و التصعيد في مجال دعم الموقف الإيراني ضد البحرين و المساند للنظام السوري؟ أم أنه سيلجأ لتعامل مختلف مع هذه الملفات الحساسة؟.. تقديري الشخصي ان ذلك التيار و اللوبي لن يلجأ أبدا لأسلوب المغامرة و التحدي بل سيركن لإنتهاج سياسة ( تقية سياسية ) معلنة تكون فيها هدوء الخطاب الخارجي والعمل الداخلي فقط؟ أي عدم إظهار التطرف في تبيان المواقف الحقيقية من نظامي دمشق وطهران، فالصورة العامة لا تتحمل أي خسارة مضاعفة ولا تصعيد أي إستفزاز قد يستفيد منه الطرف الآخر، لن نرى مزايدات دفاعية عن نظامي طهران ودمشق، ولن نسمع عن محاولات حقيقية للتضامن مع تلك الأنظمة، ولن تصدر بيانات تحريضية ضد السعودية و البحرين لأن في ذلك مقتل لذلك التيار الذي يتعمد الهدوء الظاهري و ينتظر الفرصة المناسبة لإعادة صياعة خطابه وفق أسلوب جديد ولكن بنفس المحتوى و الإطار، التيار الإيراني في الكويت يخوض اليوم معركة توازن هائلة ويحرص على عدم إضاعة المكاسب التي حققها والتي سوف لن يجودالزمان بمثلها، كما أنه يدرس السبل لتحصين وحماية مواقعه في ضوء الإنهيار الحتمي للنظام السوري و تحجيم النظام الإيراني و حزب الله و أحزاب العراق الطائفية، ولكنه قطعا لن يتخلى أبدا عن برنامجه المعروف و المرسوم... إنها وقفة تعبوية لإلتقاط الأنفاس وترتيب المواقع وإعادة صياغة الخطاب الفكري و السلوكي وفقا لمتغيرات المرحلة، ولكن يظل الإناء ينضح بما فيه.... وكل الخيارات ممكنة...

[email protected]