يلقي الجميع باللائمة على بشار، ويحملونه جريرة ما يُرتكب من جرائم بحق المدنيين السوريين الذين لم يطلبوا أكثر من حقهم في الحرية والعدالة والكرامة والأمان.
وتمتد الملامة لتضم إليه أخاه وأبناء خاله وصهره. ثم تتسع الدائرة قليلا لتشمل، في بعدها الإقليمي والدولي، أحمدي نجاد وحسن نصر الله ونوري المالكي وبوتين ولافيروف.
وكأنَّ كل إطلاقة مدفع وصاروخ ورصاصة قنص وحريق، وكلَّ هدم ٍ لمنزل أو مدرسة أو مستشفى أو ملجأ، من صنع بشار، وحده، ومن أفكاره ومخترعاته، بمعاونة حفنة صغيرة من أعوانه المقربين.
ويتناسى الجميع أؤلئك الهاتفين بحياة القائد، والمدافعين عن وقاحته وهمجيته، من مواطنين وجنود وضباط وشبيحة ومخبرين.
إن المشكلة ليست في بشار، ولا في الزمرة القليلة من المغامرين الذين يقودون له أمنه ومخابراته وجيشه وشبيحته، بل في جمهرة واسعة من جماهيرنا العريضة، متخلفة غبية جاهلة تبارك الجريمة وتدعو لمرتكبها بطول البقاء، عن قناعة وإيمان وتصميم.
إن بشار لم يستورد شعبا من الكونغو ولا من البرازيل ليقتل له ويتجسس ويسلب ويغتصب ويغتال ويعذب ويحرق المنازل الآمنة على رؤوس ساكنيها.
أليس ضباط ُ هذا الجيش الذي يقتحم المدن والقرى والميادين، وجنودُه الذين يرقصون على جثث القتلى، وكتائبُ الشبيحة الذين يتصيدون المنتفضين بالخناجر والسكاكين، سوريين من أبناء قرى سوريا ومدنها البائسة؟.
وكل الساكتين عن ظلم النظام، جبنا أو جهالة أو تجارة، وكلُ المحللين والمعلقين والصحفيين الذين يظهرون على فضائيات العرب والأجانب يبررون القتل ويدافعون عن القاتل ويُجرِّمون المقتول، ويزورون ويلفقون، ويقلبون الأسود أبيض، والأحمر أخضر، والديكتاتور وليا عادلا واجب الطاعة والولاء، أليسوا سوريين، أبا عن جد؟.
لا فرق بين أمي جاهل أو مثقف كبير. فأدونيس الشاعر والمفكر الإنساني العالمي الكبير الذي يرضى بذبح أبناء مسقط رأسه، اللاذقية، بحجة أن الانتفاضة تضم إسلاميين غير علمانيين، أليس سوريا وابنَ سوري، إلى آخر نفس؟.
على امتداد التاريخ كان كل ديكتاور يجد من بين مواطنيه من يتفانى في خدمته والبطش بمعارضيه، ويموت في سبيله. والشعوب الحية وحدها التي يقل فيها المنافقون والانتهازيون المشاركون في حماية الظالم من المظلوم والقاتل من المقتول والسارق من المسروق. وعلى قدر أعداد الشبيحة والمرتزقين من الفساد، في أمة من الأمم، كبر ذلها وطال عذابها وثقل الثمن المطلوب لانعتاقها.
هذا ما حدث عندنا بالأمس في العراق، وما حدث في ليبيا واليمن وما يحدث في سوريا هذه الأيام، وما سوف يحدث في أكثر من بلد عربي آخر تعيس. صحيح أن كل شعب من شعوب الدنيا لا يخلو من شريرين ومارقين، لكن حجم الفاسدين والمنحرفين عندنا أكبرُ من العادي وأكثر من المعقول.
فكتائب القذافي التي أوشكت أن تذبح نصف الليبيين لولا العساكر الأجنبية، مثلا، كانت ليبية أيضا. وقوات علي عبد الله صالح يمنية خالصة. وقبلهم جميعا كان صدام حسين. لم يستقدم من الخارج ملايين المصفقين المباركين الهاتفين بحياة القائد الضرورة، وهو يقص لسان من يشاء، ويبتر يد من يشاء، ويقطع رأس من يشاء، ويواري في مقابره الجماعية من يشاء.
وبوتين وأحمدي نجاد وحسن نصر الله وعمر البشير حسني مبارك وزيد العابدين لم يشتروا جنودا ومجاهدين من غير مواطنيهم ليقوموا، لهم ولحسابهم، بقتل المعارضين وسحق المتظاهرين وإخراس المخالفين، بقوة السكين والخنجر، أو بالمفخخات والمتفجرات، أو بالمدفعية والصواريخ وقنابل الدبابات، أو بتزوير الانتخابات.
وها هو بشار أمامكم. يتجمع حول قصره، كل يوم، مواطنون كثيرون، بالعشرات والمئات، وربما بالألوف، يغنون له ويرقصون، ويقبلون صُورَه في الميادين، حتى وهم يرون ما يفعله بأهلهم، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
هؤلاء، كلهُم، حتى وإن لم يحملوا السكاكين، قتلة ٌوجزارون مثلـُه، ويحملون كما يحمل، وزر هذه الهمجية والدونية وقلة الخلق وفساد الضمير.
ألم تروا كيف زحفت الجموع الحاشدة في دمشق، سواء بأمر النظام أو تطوعا ومحبة، لاستقبال لافيروف، لشكره والاعتراف بفضله على (السيد الرئيس)؟. أليس هذا دليلا صارخا على وجود اختلال مريع ومعيب في معايير الوطنية والعدالة لدى جماهيرنا العربية الواسعة، وتأكيدا لوجود شرائح واسعة من مواطنينا الأشاوس يعجبها القتلة، ويستحق حبهَّا وتقديرَها وشكرها المخادعون والمتآمرون واللصوص، ويُطربها دوي مدافع الحرس الجمهوري وهي تدك منازل مواطنيها ومدارس أطفالهم ومستشفياتهم، ويعدونها فروسية وشجاعة؟.
وبرغم معرفة العالم بأن ثلاثة أرباع هؤلاء المُرحبين بالوجه الجليدي البارد لافيروف ساقهم النظام بالعصا إلا أنهم أعطوا شبيحة المجتمع الدولي فرصة لالتقاط الأنفاس، والتمسك بالحق الذي يريدون به الباطل، ولو إلى حين.
صحيح أن شلة المتخلفين الشريرين قليلة، في أمتنا العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، قياسا بملايين الخيرين المتحضرين المتنورين، لكنها فئة مندفعة مغامرة بذيئة وقحة، تجاهر بالجريمة وتفاخر بالرذيلة، ولا تستحي أن يقال عنها إنها تمتهن القتل والاغتيال والخطف والاغتصاب والكذب والتزيوير والتلفيق وقلة الحياء.
تقابلها كثرة كاثرة من الأخيار، لكنها مسالمة وخجولة. لغتها عفيفة، وخطواتها وأقوالها وقراراتها متأنية ومقننة بحساب المنطق والقوانين والأعراف والأصول. ترى الجريمة فلا تملك غير مناشدة القاتل الرحمة َ بقتيله. وحين يفيض الكيل وتغطي دماءُ القتلى شوارع المدن والقرى َينفذ صبرها فتهب وتهدد وتتوعد وتشجب وتستنكر، ولكن دون مدد من قوة ولا رباط خيل. قنابل كلامية هوائية باردة لا تصل إلى مسامع السيد الرئيس.
وردا على كل خطبة خجولة من أحد أفراد هذه الكثرة الخيرة في نصرة المظلوم تتضاحك جبهة البلطجة والتشبيح، على قلتها، وترد بسرعة وقسوة وعنف، فتجعل الصاع صاعات، وتخترع من فنون القتل ما لا يخطر على بال.
فبعد أحد عشر شهرا من مذابح النظام، يدا بيد وكتفا إلى كتف، مع إيران وروسيا وحزب الله وبعض العراقيين، ما زالت جبهة الخير، ومعها المعارضة السورية نفسُها، تعارض التدويل، وترفض أن يتدخل الأجانب، رغم أنهم متدخلون من زمان. أليست هذه وطنية خائبة، ونزاهة مفتعلة ليست في محلها ولا في زمانها؟. ألم يحن بعدُ موعد الحديد الذي يفل الحديد؟
روسيا هناك، بسلاحها وخبرائها وبوارجها ودفاعها المستميت. وإيران هناك، لم تتوقف عن ضخ المقاتلين والأموال والسلاح. وحسن نصر الله لا يخفي إصراره على حماية السيد الرئيس وقتال معارضيه المارقين.
ليس هذا وحسب. كثيرون من اللبنانيين يقتلون لبنانيين آخرين، حبا ببشار، ودفاعا عن مجازره في حمص وحماة ودرعا واللاذقية وريف دمشق والزبداني ودير الزور والقامشلي وألبو كمال، وحتى في لبنان ذاته، والعياذ بالله.
حتى من كان في العراق بالأمس يصرخ عاليا مستغيثا يناشد العالم العون والرحمة لحماية المنتفضين من بطش الديكتاتور نجده اليوم يشد من أزر طاغية آخر على شعبه، أشد قهرا وأكثر همجية من صدام حسين.
إنها صورة ٌ مخزية محزنة لا ريب فيها. لكن دخانها لا يحجب النهاية الآتية. فالزمن لا يسير إلى وراء. والشعب الذي أفلت من قبضة الديكتاتور لا يمكن أن يعود إليها من جديد. والنظام الذي يحكم بالدم زائل ٌ لا محالة، ومعه الجمهرة الباغية، سورية ً وإيرانية وروسية ولبنانية وعراقية، مهما تأخر الحسم، وتأجل الانتصار.
شيء واحد أتمنى أن أعرفه. ماذا يدور في رأس بشار وأخيه وصهره وابن خاله وقلة المغامرين الملتفين حوله؟.
هل يعتقدون، فعلا، بأن في إمكانهم أن يحكموا سوريا بعد اليوم، وأن يعود نظامهم إلى الحياة من جديد، حتى وهم يرون هذا البحر الواسع من الرفض والاستهجان والاستخفاف والاستنكار والاحتقار، من كل شعوب الأرض، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها؟
أتساءل، من سيبيعهم؟، ومن يشتري منهم؟. من سيستقبلون ومن سيودعون؟ بل من يرضى بأن يقال عنه إنه صديق لبشار؟
إنه الحمق بعينه، والغباء بأجلى صوره الخائبة. ولكن لا حياء ولا حياة لمن تنادي.
- آخر تحديث :
التعليقات