نكتب هنا ولا تزال النيران حول كشغري مشتعلة، وصل إلى السعودية بعد مجهود استخباراتي بسيط بين المملكة وماليزيا؛ عجّل في أن يكون كشغري بين أبناء وطنه بشقيه القابل له والكاره، وأبواه في العاصمة الرياض يستجديان كل حبل لإنقاذ ابنهما ذو العشرين ربيعا ويزيد بضعا عليها؛ لإنقاذه من نيران فتاوى صنفته بـquot;الملحدquot;، وفق بيان هيئة كبار العلماء السعودية.
كشغري حرك دوائر كثيرة داخل مجتمعه بعد تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي quot;تويترquot; الذي كشف عن قِناعات عديدة بين السعوديين، وهو الموقع quot;الساحةquot; الذي شكل صراعات quot;الخزي والعارquot; بين معسكري المحافظين والليبراليين أو المثقفين.
لكن قضية كشغري وتغريداته المجلجلة تجاوزت كل الحدود، المثير فيها تنظيرات مناصري ومدافعي النبي محمد حول التوبة التي أعلنها عبر بيان له قبيل مغادرته جدة نحو ماليزيا؛ حيث قُبض عليه بعد طلب سعودي للانتربول الدولي.
والدته تظهر عبر قناة دينية، وصدى صوتها وألمها على فراق ابنها لم يصدقه الكثيرون، بينما الآخرون على النقيض يعيبون على المجتمع غياب روح quot;التسامحquot; التي ينادي بها الإسلام، وازدياد زرع بذور quot;الكراهيةquot; تجاه رجل يعلن توبته عن كل ذلك.
وكان مما زاد الأمر تعقيدا، هو لقاء كشغري مع صحيفة quot;نيوزويكquot; وتبيينه أنه كان قاصدا لكل كلماته، وأن توبته كانت بقصد الخوف على نفسه، مضيفا بأن quot;كثيرون في السعودية يعيشون ذات اتجاههquot;. وتبين بعد ذلك أن ترجمان اللقاء كان سيئا في النقل، فكشغري لم يتراجع عن توبته وهو واقف على بابها.
هل فعلا أن هناك فروع عدة لكشغري داخل السعودية؟
الهزة الكشغرية آمنت إلى حد ما بـquot;التفكيرquot; فنالت quot;التكفيرquot;، فالسعودية لم تعهد تلك الهزات والانفجارات الكونية التي غالبا ما تتواجد في مجتمعات متحضرة دون سواها، خاصة وهي مهد لانطلاقة رسالة النبي محمد وفيها قبره، ومجتمعها شديد الغيرة عليه.
أنفاس كشغري كانت قوية على قناديل الفكر الديني ورمزه الكبير، حتى وإن كان أمثال حمزة يتفقون معه فيما يقوله أو يحدثون به، لكنهم وإن كثروا فهم متلونون وفق الظروف ووفق ما تستدعيه لهم ظروف مجتمعهم الذي يعشق quot;الجمودquot; ويهاب الحركة جامعا بين الرفض والقبول.
وإن كان عقل كشغري وهو quot;الفتيّquot; قد حاول الاقتحام لما وراء العقل كما عرف عنه، فهو يمارس ذلك على أرض ووجود كله عبادة، لابد وأن تتكسر كل الآراء تجاه الذات الإلهية أو ضد النبي محمد الذي وجد تعاطفا منقطع النظير طال دول، دلالته تتمثل في مقاطعة النرويج والدنمارك والاحتجاجات ضدهما.
والفلاسفة يقولون دائما أن المفكرين طبيعتهم التمرد والتغيير، لكن وجود كشغري وغيره من فروعه يرونهم في مجتمعاتهم الإسلامية هم أدوات خارجين على الموج ومداه؛ بل هم أعاصيره المحركة لكراهية تتكرر كل عقد من الزمان، يكون نتيجته في الغالب إما quot;هجرةquot; أو quot;قتلquot; يُتقرب بدمه فيه إلى الله كما ينادي متطرفو اليمين.
كم من سعودي تغيره كتب الفلاسفة وهم يعانون الخنق المولد للانفجار في نواحي عديدة، ربما يكون ممارسة الضغط على الشباب وهم في انفتاحهم المعلوماتي والفكري بحجج ومظلات الدين داعيا للتمرد ولو قليلا.
السلوك المتوافق مع المجتمع وتوجهاته يمارسه الشباب الأكثر خوفاً، وإن سماهم البعض بالعقلاء، يعرفون تماما أن العقل محرك المعرفة وأن quot;المنطقquot; هو أساس التعليم، يقاوم ويصنع كل جديد، لكن تقنين الاستفادة منه هي الأكثر طلبا.
التصور لقضية كشغري لم تلق التصور الشامل، والحكم عليها جاء من أوجه عدة، والقراءات تختلف. فمحاربوه لم يقبلوا التفاهم معه، والمدافعون يريدون نقل الصورة وإصدار الحكم بعد فهم طبيعة المقصد.
نقد الإله أو النبي هو الذنب الذي لا يمكن غفرانه طالما أن العرب يؤمنون بالله أو الدفاع عن النبي، رغم أن التفكير بلا حدود والنقد متسع كاتساع السماء إلا أن الحدود لا تمس وفق العرف والشرع.