تصاعدت حدة التهديدات الإعلامية في الآونة الأخيرة حول حرب وشيكة ضد إيران وبرنامجها النووي، ومع تشديد العقوبات الأمريكية والغربية وبأن كل الخيارات مطروحة أمام صانعي القرار، يبدوا الأمر وكأن العد التنازلي قد بدأ لمثل هكذا حرب، فهل هي الحقيقة أم أن الموضوع برمته حديث خرافة مع إصرار النظام على المضي قدما في برنامجه كما هو واضح من الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية احمدي نجاد؟

إن دخول إيران النادي النووي، وفق ما يقوله الخبراء، أصبح قاب قوسين أو أدنى، نتيجة سياسة ( البازار ) التي ينتهجها النظام الإيراني والذي برع طيلة الفترة الماضية في مواصلة برنامجه النووي من خلال تصعيد الموقف لأقصى حد ممكن من التوتر ومن ثم تهدئته إلى الحد الذي ينعش فيه آمال الأطراف الأخرى بوجود تطور إيجابي أو على الأقل منح البعض منها فرصة التنصل من مسؤولياتها الدولية في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، مع أن السيد أحمدي نجاد نفسه سبق وان أعلن منتصف عام 2006 بأن بلاده نجحت في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي وهي تملك دورة وقود نووي كاملة.

كان هذا قبل خمس سنوات، خمس سنوات من التطور والتخصيب والتقدم المستمر، خمس سنوات من إبداع سياسة ( البازار ) التي تبقي الأمور معلقة لحين إتمام الصفقة أو المهمة.

من الواضح ان النظام في إيران غير مكترث بما يعانيه المواطن ولا بتكاليف هذا البرنامج على الاقتصاد الوطني ولا بالتململ الذي بدأ في الشارع الإيراني، فالتغييرات في إيران تأريخيا كانت بطيئة، وما يهمه الآن هو امتلاك الطاقة النووية سواء للأغراض السلمية أو غير السلمية، ويعتقد ان هذا من حق إيران ذات الحضارة والتأريخ العريقين، سيما وهي محاطة بدول نووية، فإسرائيل تملك أكثر من (250) رأس نووي وروسيا تعتبر ترسانة لهذا السلاح وهناك الصين والهند وباكستان وكوريا، والمجتمع الدولي لا يتحرك بجدية كافية لمنع أسلحة الدمار الشامل، هذا بالإضافة إلى الدرس الليبي الذي أستوعبه النظام الإيراني عن كيفية تعامل الغرب وأمريكا مع النظام الليبي بعد أن اطمأنوا بأنه نمر من ورق ولا يملك، لا أنياب نووية ولا أضراس جرثومية.

أن أية حرب خاطفة ضد إيران وبرنامجها النووي ستكون عقيمة ولن يتعدى تأثيرها المدمر حسب الخبراء عن تأخير هذا البرنامج لمدة سنة أو سنتين، أما إذا توسعت هذه الحرب، فستكون كارثية وستمتد نيرانها على مساحة الخليج والشرق الأوسط، ربما لسنوات عديدة، خاصة إيران شبه قارة ( مليون وسبعمائة كيلومتر مربع ) وتعداد سكانها حوالي 75 مليون نسمة ولديها ما لا يقل عن 100 مليار احتياطي نقدي من العملة الصعبة، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية واللوجستية التي وإن كانت متواضعة بالنسبة للقدرات الأمريكية والإسرائيلية والغربية، إلا إنها كافية لخوض غمار حرب استنزاف طويلة الأمد تهدد الاقتصاد العالمي الذي يمر حاليا بفترة عصيبة داخل غرفة الإنعاش الأوروبي ndash; الأمريكي، كما أن مثل هكذا حرب قد تؤدي إلى توحد الشعوب الايرانيه خلف النظام تحت يافطة مواجهة العدوان الخارجي وتؤدي بالتالي إلى تأخير الحراك الديمقراطي الحالي للتغيير، على عكس ما يقوله آخرون : من إن إيران هي سجن كبير لشعوبها وانه مع أول هجوم سينفجر الوضع الداخلي وتنقسم إيران إلى دويلات متناحرة مما يسهل أمر السيطرة عليها وتوجيهها بما يتفق والمصالح الأمريكية والغربية.

في التحليل الأخير ما هو الضرر الذي سيلحق بمصالح الغرب وأمريكا من انتماء عضو جديد للنادي النووي وبروز ما يسمى بسباق التسلح في المنطقة، هذا إذا لم يكن في صالحهم عبر بناء هذه الترسانة بالذات، فما يهم أمريكا والغرب هو استمرار تدفق البترول لآخر قطرة، وتكاليف مثل هكذا حرب وتداعياتها ستكون باهظة ومعقدة، ولذلك فأن الحديث المستمر عنها يبدوا وكأنه حديث خرافة حقا ! وعلى القوى الإقليمية أن تستعد للترحاب بإيران النووية القادمة ولاشك إذا ما سمح المجتمع الدولي باستمرار سياسة البازار!

bull;كاتب عراقي
bull;
[email protected]