كما يزداد العراق فقرا وتعاسة وبطالة يزداد أيضاً الجدل والسفسطة البرلمانية بالنسبة للقضاء والعدالة والمحاسبة الجنائية للقتلة من المجرمين والأرهابيين وملفاتهم. ويُلاحظُ في هذا الجدل استعلاء بعض من شارك وانغمس في القتل والتفجير والأرهاب على القانون والشريعة والدستور والعدالة الألهية، كأنهم مُنزلين من الله ومن ثم، لايجب أن تطالهم يد القضاء بحجة أن quot; القضاء مُسيس.quot; وبداية، كمراقب وباحث فأني لاأمثل أي كتلة سياسية عراقية ولا أُؤمن بحكم قرقوش في القصاص الجائر ولا ببراءة من أرتكبَ أعمالاً أجرامية بحاكمات اعلامية فضائية وتصريحات جدلية تبتز الفكر الأنساني القضائي وتحيده من قبل المتهمين قبل أن تُحدد لائحة صادرة بمذكرة قضائية، نوع التهم، التي تستوجب حضور المتهم والشهود والأدلة. وماسمعته مؤخراً عن حصانة برلمانية لبعض المتهمين بالأرهاب في العراق يثير الغضب والأساءة الى بلد الحضارات الذي عُرِف في العالم بأنه كان أول من وضع التشريعات والنصوص الحضارية للقوانين الأنسانية. وعندما يطلبُ المتهمُ من الضحيةِ أن يُشخصَ الجريمة فأنه يضيف شكوكاً أكثر ودلالات أعمق على التهم الموجهة له في حالة براءته منها. فأي رجل حقوقي يمتلك معرفة بسيطة بالقضاء وسير المرافعات الجنائية قد ينصح المتهم بالسكوت والصمت. لقد كان الأفضل للهاشمي أِلا يقول شيئاً وينتظر ببسالة الجندي يوم القضاء لدحض التهم والرد عليها وتفنيدها وكشف ملفات quot; جوقة الأفاكين quot; الذين أشار أليهم، لنكون الى جانبه ولكن يبدو أنه كالمتهمين الأخرين، أختار المكان والصحافة والتصريح والردود الأنفعالية التي لاتستحق غير الشفقة. ويبدو أن أختياره للموقع ( مكان المحكمة ) تمَّ بأستشارة ومعرفة بوجود خلل دستوري لم يتم تعديله ويتعلق بصلاحيات المحاكم الأتحادية، وهو أن السلطة ( الاتحادية ) ليس لها اي سلطة قضائية على اقليم كردستان في الدولة الأتحادية، لكنها كما يبدو، تستطيع أن تطلب بحياء أخضاع متهمين الى سلطتها وأرجاعهم الى مركز الدولة بمذكرات قضائية أجرائية. كما ان الادعاء العام في الإقليم الكردي لايزال يرتبط بوزارة العدل في الأقليم نفسه وبأستطاعته رفض الطلب. وتبقى هناك مجموعة من التساؤلات، منها : أليسَ الهاشمي والمطلوبين الأخرين للقضاء هم جزء من السلطة السياسية، وكان لأنخراطهم فيها وتحريكهم لأدواتها قد تم بأختيارهم وأرادتهم؟ أليس من حق شعب العراق معرفة من أجرم بحقهم ومن شردَ عوائلهم طوال هذه السنوات مهما كانت أنتماءاتهم المذهبية؟ ولماذا يتصرفون الآن وكأنهم فوق القانون وأعلى من سلطة القضاء بمعارضة للمؤسسات التي شكلوها وتبنوها بأختيارهم؟ أِلا يدعوهم الواجب الأخلاقي والقانوني كشف الأرهابيين ومن ساهم في تقتيل أهل العراق؟ كما أننا نفهم بأن غرض تصريحاته والأخرين موجهة للشعب العراقي للتعاطف معهم. وفي الوقت ذاته تعطيل وتحييد السلطة القضائية وأستفزاز القضاة وأرهابهم أو جلدهم بطريقة حكم قرقوش. أن أي عمل يدخل لغرض تعطيل محاسبة ( كل ) من شارك ومول وسلحَ القوى الأرهابية التي دخلت العراق وساهمت في دماره هو عمل باطل ومستهجن وغرضه المكشوف هو التستر على هذه القوى. وهنا يبرز دور رئيس الوزارء ومسؤوليته الوطنية والأخلاقية بتسليم مالديه من ملفات الى السلطة القضائية. فالمحاكم القضائية لا ينبغي أن تكون عشائرية مذهبية أو توافقية غرضها المصالحة، ولايستطيع الرئيس طالباني مثلاً، أحتضان وأستضافة الهاشمي لمدة أطول أو تغيير مكان المحكمة بقرار غير دستوري بالمماطلة ومناورات الأستغفال والنية بعقد مؤتمر مصالحة جديد وأعفاء القضاء من سلطته المستقلة. فحتى عشيرة الرئيس العراقي وعلى لسان عبد العزيز طالباني وهو أحد المتنفذين، تطالب بتسليم الهاشمي للقضاء للأجابة على مقتل القاضي نجم الطالباني. وأكاد أرى أن محاولة مايسمى (جمعُ الأطراف للمصالحة والمشاركة الوطنية) تبدو كمساهمة وبأعتراف رسمي بأن أعمال الأرهاب والقتل والتخريب متفق عليها، لكن quot;بشروطquot;، كما أتفقُ مع الكثير من الباحثين والكتاب بأن هذه المصالحة غرضها أقناع الأطراف( بعدم أغراق مركب النِعم والبركات والأمتيازات) والرجوع للعمل الوزاري والنيابي للمحافظة على رواتبهم الخيالية. واليوم، يقف شعب العراق عاجزاً على خط النار وسط قوة وتسلط النفوذ الحزبي والعشائري والخارجي. وهذا التسلط والنفوذ في رأيي، لايمثل أطلاقاً هيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية والقانونية. فالتجاوزات على الدستور تمارس من كل الأطراف وبلا حدود أو مسؤولية. وتقف السلطة القضائية ومبادئ العدالة مجردة من أي سلاح ذو تأثير في مواجهة قوى رهيبة لاتستكين ولاتهدأ في صراعها العقائدي والمذهبي على النفوذ والسيطرة والتأثير. وقد لاتكفي صفحة واحدة لتعداد هذه القوى وتحديد أهدافها وبرامجها. أليس مُخزياً طلب السلطة القضائية العراقية من البرلمان العراقي رفع الحصانة عن بعض نجوم الأرهاب وتُقابل بالرفض بحجة أن quot; القضاء مُسيس والقضاة يخضعون لتاثير المالكي.quot;؟ أنها بالتأكيد حلقات متصلة من تاريخ العراق الذي يضع العدالة الأجتماعية جانباً، كما يضع القضاء والمحاسبة وقتل الخصوم في ملفات على رف يعلوه التراب منذ عام 1963، بل على ألأصح منذ أيام ولاة الحكم العثماني.
الأصم من لايسمع والأعمى من لايقرأ. فقد طلبت السلطة القضائية العراقية من البرلمان العراقي رفع الحصانة عن بعض النواب تمهيداً لأستدعائهم للمحاكمة والأجابة على التهم الموجهة. كما طلبت قبل ذلك مثول طارق الهاشمي أمام القضاء بمذكرة قضائية صادرة من هيئة تحقيقية مشكلة من مجموعة مستقلة من 9 قضاة....وكانت النتيجة، كما يعرفها الجمهور، رفض نواب العراقية للسلطة القضائية لأنها quot; مُسيسةquot; وأتهامهم لنوري المالكي والسلطة التنفيذية بتسير وتوجيه القضاء حسب مشيئته وأتهام السلطة القضائية التي ( هم أساساً منها ) بأنها تُدار منه. أفهم من هذا أن القضاء مُسيس مادام أعضائه من القضاة العراقيين لم يتم أختيارهم من القائمة العراقية. وأفهم أيضاً أن القائمة العراقية غير مسيسة على الأطلاق ولهم الحق في تعيين القضاة وأختيارهم، وهو مايطلق عليه في القضاء الأمريكي (cherry pick) وبموجبه يتم أختيار القضاة وألتقاط المُحلفين والشهود كما يحلو للمتهم أو المتهمين. وذلك يذكرني بأيام دراستي الجامعية عندما قرأتُ لأول مرة حكمة الرئيس الأمريكي لينكولن:
It is better to say nothing and be thought a fool than to open your mouth and remove all doubt. - Abraham Lincoln
وهو مثلُُ ُ يضرب لأناس يزداد الشك بهم بأدانة أنفسهم كلما فتحوا أفواههم بغباء. من حق الهاشمي والأخرين أن يبدوا أرائهم في القضاء ومن حقهم أنتقاد السلطة القضائية وتشويه سمعة المالكي quot;وجوقة الافاكينquot; على حد تعبير الهاشمي وأتهاماته للسلطات يوم 5 فبراير شباط 2012 quot; بتلفيق المعلومات لتحريض الشعب ضده quot; والتي quot; قد بدأت بالاستفاده من ركاكة اكاذيبها السابقة وقامت بتوسيع دائرة الاتهام مستهدفة هذه المرة إثارة المكونات والكيانات والقوميات التي ينتمي إليها المغدورون أو الذين تعرضوا لجرائم quot;. ولكن الهاشمي لايستطيع تعطيل مؤسسات القضاء وتحديها لأنها تعني تعطيل أي محاسبة للقوى الأرهابية التي دمرت العراق. والمراهنة كما قال نصاً quot;على نباهة العراقيين وفطنتهم في تشخيص مثل هذه الادعاءات والتعامل معها بمنطق العقل والحكمة وتجاهلها جملة وتفصيلا.quot; هي المراهنة على من ليس له صوت، والضحايا الذين غُدر بهم وعوائلهم وصوت الشعب يطمح أكثر من أيّ وقت مضى، الى معرفة الجناة والحقيقة.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات