لقد أصدر البرلمان العراقي قبل أيام قانونا ً يمنع التدخين في الأماكن العامة. لا إعتراض على القانون إلا في بعض الفقرات التي تنهتهك مبدأ الحريات العامة للمواطن العراقي وتتعارض مع بعض فقرات الدستور. فشكل القانون يبدو جميلا ً لأنه بالتأكيد يتعلق بصحة المواطن العراقي والبيئة المحيطة به. لكن، هذا لايمنع من طرح بعض التساؤلات التي تتعلق بهذا الموضوع، سأسميها تساؤلات بريئة لأنها تتعلق بجدوى هكذا قوانين.

تساؤلاتي كالتالي: هل من الممكن تطبيق هذا القانون من الناحية العملية في بلد يتجاوز عدد المدخنين فيه السبعة ملايين؟ كيف يمكن أن نسن قانونا ً لايمكن في حال من الأحوال تطبيقه، أو على الأقل التهيئة له من خلال حملات التوعية أو من خلال منع التدخين أولا ً في بعض الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس ودور السينما. قد يقول القائل لماذا هذا التشائم، فالنبدأ بالقانون أولا ً ومن ثم تتلوها خطوات أخرى. نعم، أنا أشكك بجدوى القانون وفاعليته من الناحية العملية، فموضوع التدخين هو عادة من العادات التي ترتبط بسلوك الإنسان التي لايمكن منعها بقانون، إذ يأتي القانون في المراحل الأخيرة من المنع. فالكثير يعرف أن التدخين يؤدي للسرطان لكنه يدخن، بل أن الكثير من النساء تطلقن بسبب عدم القدرة على ترك التدخين من قبل أزواجهن. فعدم فاعلية القانون يقلل من قيمة مجلس النواب ويضرب هيبة الدولة حين يصبح حبرا ً على ورق. فأنا أشك حتى بجدوى تطبيقه من بعض البرلمانيين الذين شرعوا القانون والذي سيدفع البعض منهم أن يدخن بالخلسة وسيراهم البعض الآخر من البرلمانيين الأصدقاء ليتستروا عليهم وتصبح الجريمة جريمتين.

أن مشكلة البرلمانيين العراقيين هي بأنهم يعتقدون بأن العراق وصل إلى مرحلة ومستوى الدول المتقدمة في تشريع بعض القوانين، بالخصوص ممن كان يعيش في دول غربية متقدمة. فهم يريدون أن يرفعوا طفلا ً صغيرا ً من رأسه إلى أعلى ولايريدون أن يقتنعوا بأن رقبة الطفل مازالت رقيقة، ولايريدون أن يجربوا رفع هذا الطفل بطريقة أخرى لأنها بالتأكيد ستكلفهم الكثير من الناحية الشخصية. لماذا لم يهيئ البرلمانيون خطوات تجعل من هذا القانون فاعلا ً وذلك من خلال صرف الأموال اللازمة للتوعية الصحية في المستشفيات والمدارس والتلفزيون وإقامة الندوات والمحاضرات، أو التركيز على المراهقين والأطفال الذين لم يدخلوا في عالم التدخين لتقليل فرص الدخول في هذا العالم المضر.

من جهة أخرى، وإذا كان القانون لاجدوى منه من الناحية العملية، أليس من الأجدر تشريع قوانين تهم المواطن العراقي في حياته اليومية، فمن القوانين ماهو معطل لمدة ثمان سنوات، ولا أقصد هنا القوانين ذات الطابع السياسي التي تثير جدلا ً بين الفرقاء السياسيين بل قوانين تخص حقوق المرأة والطفل، حقوق الأيتام والمعاقين، حقوق المهجرين والمتضررين من الأعمال الإرهابية وغير ذلك الكثير.

أن الشعب العراقي يعيش منذ عقود في حالة من حالات اليأس والإحباط المستمرين وهما من الأسباب التي زادت نسبة المدخنين في العراق، فترى العراقي يفرغ البعض من همومه حين يمتص السيكارة وينفذ من صدره الدخان وكأنه يبث وجعه وينفث همه الجاثم على صدره من ضيق الحال. أنا متأكد، بل جازم بأن الوضع السياسي الحالي في العراق، وبالخصوص التناحر على السلطة هو من الأسباب المؤدية للتدخين، والتدخين سبب رئيسي من أسباب السرطان، أي بطريقة غير مباشرة، وبين قوسين (السياسيون العراقيون سبب رئيسي من أسباب السرطان في العراق). وعلى هذا الأساس، على السياسيين العراقيين ومنهم البرلمانيين طبعا ً، أن يدركوا بأن تقليل نسبة المدخنين في العراق يحتاج لجهد شخصي من حضراتهم وتنازلات ربما تخص إمتيازاتهم.

إذن، توجد هناك طريق كثيرة لتقليل نسبة المدخنين في العراق، قبل ااشروع في تشريع قانون له. فيمكن تخصيص الأموال اللازمة لنشر الوعي الصحي أولا ً، أما ثانيا ً وثالثا ً وحتى رابعا ً، فهو تشريع القوانين التي تخدم المواطن العراقي في حياته اليومية، تشريع قوانين تقلل الفساد وتحاربه، حل المشكلات السياسية العالقة بين السياسيين أو رحيلهم، ورحيلهم بالتأكيد سيؤدي إلى تمام الصحة والعافية، تقليل رواتب المسؤولين في الدولة، ومنهم البرلمانيين طبعا ً، فهي تستهلك لوحدها علبة سكائر لكل مواطن عراقي مدخن، من النوع الرديء طبعا ً لينتقم المواطن العراقي من نفسه ومن الندم الذي يأكل قلبه لأنه أختارهم بنفسه. هذه هي الأسباب الرئيسية التي تزيد من هموم المواطن العراقي مما تزيد من فرص أقباله على التدخين. هي شروط بالتأكيد صعبة على السياسيين والبرلمانيين، ولهذا السبب سوف نجد الكثير منهم من المدخنين الذين ربما سيتوارون خلف أحد الجدران في أروقة البرلمان ليمتص أحدهم عقب سيكارة. هذا إذا هم أحترموا القانون وطبقوه على أنفسهم وأني أكاد أشك في ذلك!


[email protected]