عند بدايات الانتفاضة السورية قبل مايقرب من عام ظهرت تركيا وكأنها المنقذ الوحيد للسوريين من النظام في دمشق. في البداية صرح رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية ان الوضع السوري انما هو شأن داخلي تركي، اي بمعنى انها ستتدخل في الشأن السوري وبقرار تركي دون الرجوع الى اي كان. لاحقا قال اردوغان: لن نسمح بحدوث مجزرة جديدة في حماة. الا ان المجازر ازدادت وحي الخالدية في حمص تعرض لقصف اوقع المئات. واردوغان مايزال يلفه صمت مدقع حتى اللحظة. ثم توالت التهديدات التركية الخلبية عندما اعطى احمد داود اغلو وزير الخارجية مهلة 48 ساعة للنظام السوري لانهاء العنف دون جدوى. بناء على هذه العنتريات التركية ظن البعض من المعارضة السورية ان سقوط النظام صار قاب قوسين او ادنى، وشكلت بموجبها (المجلس الوطني السوري) في استانبول، والذي لايزال في حالة انتظارمن خمس نجوم آملاً بتدخل خارجي بقيادة تركية. بعد مجزرة حمص يوم امس صرح اليوم داود اغلو ان الاوضاع في سورية لم تعد تُحتملْ وتضرع الى المجتمع الدولي داعيا اياه بعدم الوقوف مكتوف الايدي وذلك بعد ان اضطرت تركيا الى الوقوف quot;مكتومة الفمquot; في الاشهر الاخيرة. اذن لماذ هذا الهلع التركي لاي تدخل في الازمة السورية حتى ولو بعظمة اللسان؟. الاسباب كثيرة ولكنني سأتوقف عند سببين. احد اهم هذه الاسباب هو القضية الكردية. لو تلقت الحركة الكرية في تركيا دعما خارجيا سيتحول الشعب الكردي الى مارد حقيقي (هذه الكلمة كانت تستعمل ضمن تعابير السياسة التركية الرسمية حتى سبعينات القرن الماضي وكانت تقول: حذارمن ايقاظ المارد الكردي النائم) وسيشكل دولته كبقية شعوب المنطقة بالاضافة الى نشوب حرب اهلية لا تبق ولا تذر في الداخل التركي نظراً لوجود كثافة كبيرة من الكرد المهجرين في المدن التركية الكبيرة والاعداد الهائلة منهم على الساحل الغربي الذي يشكل عصب الحياة للاقتصاد التركي من واردات السياحة. النظام السوري لايزال يشكل قوة عسكرية كبيرة وتركيا تخاف من هجوم سوري على اراضيها من خلال المناطق الكردية التي تنوء تحت عبئ سياسات التتريك بكل موبقاتها وهي جاهزة للتخلص من ربقة الاستبداد منذ تسعين عاما. السبب الثاني هو الجيش التركي. الحكومة التركية الحالية تخشى من اعطاء اي دورللجيش التركي في ظروف الازمة السورية حيث يتربص الجيش المهان من قبل الحكومة الحالية للانقضاض على السلطة ومثل هذه الظروف الاستثنائية هو السبيل الوحيد للجيش التركي للعودة الى السلطة من النافذة بعد ان تم طرده عبر الباب. اي تدخل تركي يعني زيادة نفوذ الجيش كأمر طبيعي. على المجلس الوطني الاستانبولي ان يعرف ان العلاقات السورية التركية مستمرة وبشكل سري وهم متفقين على مبدأ ( لاتلدغني انا ايضا لن اؤذيك) ولكن لا مانع من الجعجعة الكلامية. تركيا لن تصبح دولة كبرى اذا لم تحل القضية الكردية في داخلها، بل انها مهددة لان تعود القهقرى وتصبح دولة عادية في العالم الثالث اذا استمرت على نهجها الحالي اي (رهينة واسيرة القضية الكردية). تركيا هي في حالة شلل كامل امام اكبر واعقد ازمة تدور حوادثهاعلى حدودها خوفاً من المارد الكردي المتربص والمتلهف للحرية. طبيب كردي سوري
هكذا عاد الوفد الخليجي رفيع المستوى برئاسة الامير سعود الفيصل وزير الخارجية خالي الوفاض بعد مباحثات في انقرة قبل عشرة ايام، بعد ان تعرف على الموقف التركي الحقيقي عن كثب وهو العجز التام لأي تدخل.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات