نشرت جريدة الإتحاد الإماراتية مقالاً الأربعاء 18-1-2012 للباحث رشيد الخيون بعنوان quot;طريق الحسين ليس على بعلبكquot;.

يُشير المقال إلى جزء من خطاب السيد حسن نصر الله: quot; قال (السيد نصر الله): رحلة السَّبي الطَّويلة التي أرادها القَتَلة لأهداف... حيث عبر هذا الموكب، موكب الأحزان وموكب السَّبايا، عبر البقاع، واللَّبوة، ومقنة، وصولاً إلى مدينة بعلبك حيث تحتشدون الآن، ومِن بعلبك إلى دمشق التي كانت في ذلك الحين عاصمة يزيدquot; (25 يناير 2011).quot;

يبدو إن الباحث رشيد الخيون قليل الدرايّة بالجغرافية. لو دقق في quot;خرائط غوغلquot; متابعاً مسيرة السبي من كربلاء إلى حلب ومنها إلى دمشقrsquo; لعرف إن بعلبك في الطريق إلى دمشق من حلب. لكنه يتغافل عن المُراد من موكب السَّبي: أن يشاهد الناس الرُّؤوس التي خرجت على يزيد ويتعظوا من هذه المشاهد المخيفة. يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان ج1 باب حرف الباء/ ص454/ طبعة دار صادر- بيروت 1977: quot; ولما فرغ أبو عبيدة بن الجراح من فتح دمشق في سنة أربع عشر سار إلى حمص فمرَّ ببعْلبك فطلب أَهلها إليه الأمان والصلحquot; الخ.

واستطرد الخيون مُتذكراً إحدى زياراته: quot;كنت يومها ببيروت، وذهبت مع الذَّاهبين إلى بعلبك، ولما شاهدتُ مرقداً منيف البناء سألت أحد السَّدنة، فأجاب: quot;إنه مرقد خولة بنت الحسين، كانت في بطن أُمها فأجهضت، ودفن الجنين هناquot;! فحُدد جنسه والاسم!؟quot;

هذا خَلطٌ بين الشيخ محسن كما يسمى الآن, وبين خولة بنت الإمام الحسين المدفونة في بعلبك (يقال توفيت عن ثلاث سنوات), لا يوجد لهذا المرقد ذكر في كتب السيّر, إلا ما يُذكر في بعض المقالات. مع إن المساجد والمشاهد والمراقد التي بُنيّت في طريق الموكب كثيرة, ولا يسع المقال ذكرها كلها, لكن ما يهمنا هو موضوع مقال الباحث الخيون: لم لا يكون طريق الحسين على بعلبك, ولم كان طريقه إلى مصر أقرب من بعلبك, ولماذا أبعد الباحث رشيد الخيون الصفة السياسية عن موكب سبايا, خرج من حرب هي بالأصل سياسية, ودفاعاً عن مُلك؟.

ينقل ياقوت الحموي عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخَفَاجي معجم البلدان (ج2 حرف الجيم/ ص186): quot; جَوْشَن جبل في غربي حلب, ومنه كان يُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه, ويقال: إنه بطُل منذ عبر عليه سًبيُ الحسين بن عليّ, رضي الله عنه, ونساؤه, وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصُّنَّاع في ذلك الجبل خبزاً وماءً فشتموها ومنعوها, فدعت عليهم, فمن الآن من عمل فيه لا يَرْبح, وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمّى مشهد الدَّكة, والسقط يسمى محسن بن الحسين , رضي الله عنه.quot;

يستطرد السيد الخيون: quot;فالطَّريق التي تتبعناها، مع المؤرخين والجغرافيين، تمرُّ مِن الكوفة إلى الشَّام عبر الأنبار، وما حصل مِن تقابل الجيوش في معركة صفين (37 هـ)، بين الشَّام والعِراق، كان في أقصى غرب الأنبار، أو تمر الطَّريق عبر الموصل فسنجار إلى حلب!

فكيف اتجه الموكب إلى بعلبك؟!quot;.
من كتاب صورة الأرض لابن حوقل (ص 166/ الشام/ ط دار بريل/ ليدن 1938/ ط2/ دار صادر- بيروت): quot; وكتب عند القسم الأوسط من الجبل جبل بهرا وهنا مدينة حمص وبين حمص ودمشق طريق عليه من المدن , جوسيه , اللبوه , بعلبك , الزبداني , ومن أسفل حمص مدينة فاميةquot; إلخ.

وأما موقع صفين غربي الرّقّة حسب ياقوت الحموي, معجم البلدان, (ج3/ باب الصاد/ ص414): quot;وقيل لأبي وائل شقيق بن سلمة: أشهدتَ صِفّين؟ فقال: نعم وبَئِستِ الصِّفّون : وهو موضع بقرب الرّقّة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرّقّة وبالس, وكانت وقعة صفّين بين عليّ, رضي الله عنه, ومعاوية في سنة 37 في غرّة صفر,quot;. ومن معجم البلدان أيضا (ج1/ باب الألف/ ص 257): quot;والأنبار أَيضاً: مدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ,quot;. فأين الأنبار من الرّقّة ؟, وكيف دارت الحرب إذاً quot;بين الشَّام والعِراق, في أقصى غرب الأنبارquot;, أليس هذا تضليلاً للقارئ؟!. وما الغاية من طرح العراق والشام بديلاً عن علي بن أبي طالب, ومعاوية بن أبي سفيان؟, ألا يكفي العراق مصائبه, حتى نجرّه للتأريخ المُشوَّه؟!.

يُذكر إن أقرب الطُرق إلى دمشق, هي بادية الشام (من ضمن بادية السماوة), وتعتبر مفازة, ولا يستطيع الموكب أن يسلكها, وكان مسيرهم مع الأنهار ومرورهم بالمدنِ لغايتيّن: الأولى نشر الرُّعب في قلوب الناس, والثانية المياه. وتُذكر هذه المدن: (الحيرة, الكوفة, كربلاء, الأنبار, الرّقّة, حلب, حماه, حمص, بعلبك, دمشق, وأغلب مواقع بادية السماوة) في أمات الكتب, منها فتوح الشام لـ محمد بن عمر الواقدي, ص19 من فصل quot;خالد بن الوليد في الشامquot; وفي ص95 من فصل quot;فتح حمصquot;. وعند البلاذري في كتابة فتوح البلدان, من فصل فتح quot;دُومَةُ الجندَلquot; ص42. ويذكرها كتاب quot;رحلة في بادية السماوةquot; 1920م للباحث والسياسي العراقي محمد رضا الشبيبي
(ط المجمع العلمي العراقي). وهناك الكثير من المراجع التي تؤرخ لجغرافية هذه المدن.
وإن خرائط غوغل الآن quot;أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِquot;, وهي quot; جلاءُ الشَّك والريَبِquot; (أبو تمام).

الصورة الأولى تُبيّن الطريق الذي سلكه موكب السَّبي

الصورة الثانية تُبيّن المسافة بين بعلبك ودمشق

الصورة الثالثة تُبيّن الطريق الحالي بين كربلاء ودمشق

الصورة الرابعة تُبيّن الفَرق بين الأنبار والرّقّة


يقول الباحث الخيون: quot; ثم كيف تتحمل الرُّؤوس المسافات، التي قدرها السَّيد بألفي كيلو متر؟!quot;. وهذا تحوير لكلام نصر الله عن المسافة التي ذكرها من quot;مئات الكيلو متراتquot; إلى quot;ألفي كيلو مترquot;, أليس من ضرورات الباحث الدقة؟, هناك فرق رياضيّ كبير, بين آلاف, ومئات!

يسترسل السيد الخيون: quot;كي نجعل الحسين مثالاً في العدل علينا الاعتدال والصدق عند مخاطبة العقول، فإذا كانت القصة خارج المعقول فما هو المأمول منها؟!quot;.

لا أدري عن أي عدل يتحدث, وأي عقول يُخاطب السيد الخيون؟ وهل السؤال عن تحمل الرُّؤوس المقطوعة, سؤالاً منطقيّاً من داخل quot;المعقولquot; ويفي بـ quot; المأمولquot; منه؟
مضيفاً: quot;لسنا ساعين إلى إلغاء الأربعين، ما زال النَّاس يتأسون بها، لكن عندما تُنتزع البراءة الاجتماعية عنها، وتتحول إلى رايات طائفية، هنا لا بد مِن قول الكلمة.quot;
إذا كان الخيون غير ساعٍ إلى إلغاء هذه الذكرى, ومتوجساً من أن quot;تُنتزع البراءة الاجتماعيةquot; عليهِ أن يذكر التأريخ الذي انتزع كل براءة اجتماعية, سياسية أو اقتصادية, لكنه يحوّل نظرهْ عن هذا التأريخ الملطَّخ بالدِّماء والتَّزوير حتى يومنا هذا.

من خطبة للإمام الحسين ينقلها الطبري في تاريخ الأمم والملوك: quot; أنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت, وأدبر معروفُها واستمرّت جدَّاً, فلم يَبقَ منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء, وخسيسُ عيشٍ كالمَرعَى الوَبيل. ألا ترون أنّ الحق لا يُعْمَل به, وأنّ الباطل لا يُتناهَى عنه!quot;.