الصراع حاد في أروقة مجلس الأمن، على خلفية المسودات المتناقضة التي طرحت في قاعته، بدءً من تقرير الأمين العام للجامعة العربية ورئيس وزراء قطر إلى مندوب سوريا الدائم، ومسودة مندوب روسيا الدائم، المحرك الفعلي للصراع وإثارتها من وراء أجندات حكومته والتي ستؤدي لخلق آفاق حرب أهلية في داخل سوريا. على خلفية التقارير ومسودات المشاريع تلك وتضارب المصالح الدولية حول القضية السورية يتجه مصير الشعب السوري إلى صراع حالك المصير، ينقب عنه موسكو قبل السلطة السورية.
من غرائب الدهر أن تنقلب روسيا المساندة لنضال الشعوب وعلى مدى قرن من الزمن، إلى دولة تساند الطغاة ضد الحركات التحررية وشباب الشعوب الثائرة من أجل الحرية والعدالة! وتأتي الدول الرأسمالية لتبني مصالحها الإقتصادية والسياسية مع الشعوب، وتشحذ دبلوماسيتها من أجل إقامة حكومات ديمقراطية تجد لنفسها المكان الآمن على مصالحها الإقتصادية في القادم من الزمن مع الثورات الشبابية هذه!

تتاجر الحكومة الروسية سياسياً للحصول على ضمانات سورية ودولية لمصالحها في سوريا ومن خلالها في المنطقة، قبل أن تتخلى عن السلطة السورية الدكتاتورية، لذلك كانوا في قاعة مجلس الأمن أدق وأمتن سياسياً في الدفاع عن السلطة السورية، بعكس الملحمة الأدبية والخطاب الغوغائي لممثل سوريا الدائم quot; بشار الجعفري quot; والتي نود أن نأتي على بعض من سجاله السفسطائي وليس دفاعه أمام أعضاء المجلس:
1. تباها بإحتواء السلطة السورية لمليوني عراقي مهاجر، أغلبهم من البعثيين الذين تلطخت أياديهم بدماء الشعب العراقي، لم تؤدي في الواقع إلى أزمة إقتصادية في سوريا كما أدعى الجعفري، بل هؤلاء معظمهم من أعضاء البعث وبينهم رؤساء وقادة الحزب الذين جلبوا معهم هذا الجمهور وكميات ضخمة من الأسلحة وبينها الكيميائية، والتي دمجت مع فوجات الحرب الكيميائية في الجيش السوري، إضافة إلى كميات من الأموال والعملة الصعبة التي نهبت من البنوك العراقية وضخت في بنوك السلطة السورية وهي نفس الأموال التي صرف قسم كبير منه على إقامة معسكرات تدريبية لنشر مجموعات الإجرام والتدمير على طول العراق وعرضه. الجحيم الذي حصل في العراق على مدى سنوات كان ورائه هؤلاء الذين أحتضنهم وهيئتهم السلطة السورية في معسكرات خاصة وبمساعدة أئمة ولاية الفقيه.

2.هجرة ثلثي الشعب اللبناني كانت على خلفية ثلاثين سنة من استعمار السلطة السورية لذاك الشعب، السلطة السورية كانت وراء خلق صدع بين الشعب اللبناني من الصعب ألتئامه، لكن الهجرة في ذاتها كانت على خلفية إثارة هذه السلطة quot; بجيشهم المتواجد في البقاع آنذاك quot; حرب وهمية مع أسرائيل والذين هربوا إلى ما وراء حدود لبنان قبل تحرك الجيش الإسرائيلي بيومين! وبقي الشعب اللبناني وحيدأ في الساحة يحارب جيشاً لا ناقة لهم فيها ولاجمل، خلقت السلطة السورية من ورائها منية على الشعب اللبناني، وأجبرتهم على مذلة ورضوخ دامت سنوات عديدة فقد فيها الليبنانييون الألاف من خيرة شبابهم في أقبية السلطة السورية اللأمنية.

3.الكاتب quot; أميل زولا quot; لم يدافع عن ضابط يقف مع الدكتاتورية بل كان الضابط الفرنسي يقف إلى جانب الحق والشعب الفرنسي، وهنا وكغيرها من أمثلته التي سردها في رده الفلسفي السفسطائي، يعكسها بمزاجية خاصة ويجانب الحقائق حسب غاياته الذاتية ورغبات سلطة الأسد!

4.لم يسأل quot; بشار الجعفري quot; المتمكن حديثاً وللأسف كبوق لسلطة دكتاتورية! لماذا هب الشعب السوري في الدفاع عن نفسه وحمل السلاح بعد أن تجاوز عدد الشهداء بيد شبيحة الأسد الخمسة آلاف؟ ولماذا ينشق الجيش السوري؟ ولم يبحث عن الإعلام الملتزم بمفاهيم سلطة شمولية دكتاتورية ساخطة وأصبح كالورم السرطاني في كيان الشعب؟ ولم يقتنع بعد بأن الثورة موجودة والإعلام العالمي يبحث عن المناطق الساخنة لديمومته وليست لدعم الثورة السورية! الثورة السورية موجودة ومستمرة وستنتصر إن بثت الجزيرة والعربية وب ب سي وغيرهم أم تغاضوا عنها. مهما لفق الإعلام الخارجي الحقيقة فإنها لا ترقى إلى سوية نفاق إعلام السلطة السورية والذي جعل من الأسد وآله ووريثه آلهة على الأرض أبديين وهم أموات! لكن الغاية ليس في نقل الخبر والأحداث بل المطلب هو التعتيم على الإجرام الذي يجري في سوريا، كما حدث في حماه في بداية الثمانينات يوم صمت العالم أمام مجازر والد وعم المجرم الحالي!

5. الأسلحة التي تصل إلى يد الجيش السوري الحر والمدافعين المدنيين عن عائلاتهم، هي من صلب أسلحة الجيش السوري الذي نزلت البارحة ببارجة روسية وقوافل من أيران إلى الأراضي السورية لضرب الشعب السوري الذي كان أعزل حتى البارحة!

6. قدم الجعفري نفسه في القاعة على إنه ممثل بشار الأسد قبل أن يكون ممثل الشعب السوري، وهنا تتبن الحقيقية، حقيقة الصراع بين الشعب وسلطة الأسد وحاشية غارقة معها في الفساد والإجرام، لهذا لم يتجرأ بشار الجعفري أن يقدم نفسه ممثلاً ومحاوراً بإسم الشعب السوري!

ستكون القضية بعد هذه الجلسة محور نقاش وحراك دبلوماسي حاد على مدى الأيام القادمة، إتفاقيات سياسية إقتصادية ستجرى فيما وراء الكواليس، وعلى الأغلب ستؤدي إلى إعادة القضية إلى المربع الأول، أي إبقاء الصراع بين الشعب السوري والسلطة الدكتاتورية المحتمية بقواه الأمنية المتنوعة الأشكال، والحماية الدولية من روسيا وربما الصين، وهنا ستحدث التدخلات الدولية عن طريق أروقة مظلمة مليئة بالخبث والمصالح الذاتية، وسيتحرك تجار الأسلحة وبقوى دولية، أي سيجر الشعب السوري إلى حرب أهلية طائفية مؤلمة، لن يستطيع أي كان الحد من التدخلات الدولية المقرفة آنذاك، بل سيكون الصراع أفظع وأشرس، وستسيل الدماء في شوارع المدن السورية بدون رقيب، حينها لن يتمكن القوى المعارضة السورية التي تعارض التدخل الدولي تحت وصاية مجلس الأمن quot; كهيئة التنسيق...quot; من وضع الحلول والحد من القتل على الهوية، وهذا ما تصارع السلطة السورية من أجل حدوثة للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.

هناك في ساحات الحرب الأهلية ستتاجر مافية موسكو بالأسلحة قدر الإمكان، ولا يهمهم إن كان الثمن إراقة دماء عشرة آلاف شهيد سوري آخر، فالمصالح الروسية quot; حكومة quot; تتجذر جزئياً أو كلياً مع إزالة السلطة السورية الحالية، وللأسف لا يود حكام روسيا الحاليين بالجدلية التاريخية المؤكدة على أن الغلبة دائماً للشعوب، والسلطة السورية آيلة للزوال لا محالة، وعليها الإقتناع بإن مصالحها الإقتصادية والسياسية تترسخ أكثر مع حكومة سورية ديمقراطية تعددية.

السناريو الثاني: في حال الوصول على إتفاق دولي والتي قد تكون من ضمنها فرض عقوبات على السلطة السورية، وإرضاخ الأسد للتنحي، وما سيرافقه من وصايا كالحصانة، مثلما حدث في اليمن، ستجرف السلطة مصير سوريا إلى مثال أقرب إلى مثال ليبيا، لكن الإنهيار ونهاية السلطة ستكون أسرع، ولا يستبعد دمار سيشمل العديد من المدن، لكن بخسائر بشرية أقل من حالة عزل القضية عن أروقة مجلس الأمن وإعادتها إلى أروقة الجامعة العربية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]