قرأت للسيد عبد الرحمن الراشد في إيلاف ndash; جريدة الجرائد مقالة تحمل عنوان quot;كيف يفكر الأسدquot; يحاول ان يدخل من خلاله إلى رأس الرئيس السوري quot;بشار الأسدquot; الذي لم يزل فتياً في عمره وفي طريقة أدائه للواقع السياسي.

بداية أقول بأن الأسد ليس فرداً. هو ليس شخصاً يدير الحكم. بل هو نظام ومؤسسة جيش ومخابرات وأيضا قاعدة أقتصادية ومواقع ستراتيجية وعلاقات مناطقية ودولية. فهو ليس حاكما كما صدام حسين مثلا أو القذافي وهذه مسألة يطول فيها النقاش ولا يمكن تمريرها في مقالة.

لكن ما أود كتابته الآن. وأنا مقل في كتاباتي حيث أفضل الإستراحة والإنطواء والتصرف كشاهد على عصر رديء. لكن مقال الراشد (كيف يفكر الأسد) حفزني لكتابة خاطرة أحسست أنها تتعبني وأريد أن أرميها وأستريح مثل شخص تلقى حليبا مسموما مضت عليه الصلاحية ويريد أن يدلقه من جوفه ويرتاح!

الراشد كان رئيساً لتحرير صحيفة الشرق الأوسط وعنده (جوقة) من الكتاب والمنادين بدفع ثمن الرواتب التي يتقاضونها وعليهم تقديم الولاء لصاحب النعمة، لكنهم في كل مقالاتهم لم يكونوا ولا هو أيضا في خانة الموضوعية. تذكرت أحد كتابه أو كتبته يوما أنه تحدث في معرض الحديث عن الدكتاتور القذافي، أن القذافي كان ذاهبا إلى إجتماع للرؤساء في المملكة وكان في سيارته الرئاسية وفي موكبه نحو الإجتماع. فطلب من السائق التوقف كي يشتري زجاجة كوكا كولا من بائع مرطبات. ويبدأ السيد الكاتب وأظنه أنيس منصور يسخف شخصية القذافي من هذا المنطلق. لا القذافي يحب الكولا ولا يشربها ولم يشربها نهائيا في حياته ولا الحادثة معقولة (وليس دفاعا عنه فهو مخبول ودكتاتور) ولكن ما هكذا تساق الأبل ولا هكذا يحصل الولاء بين الكاتب المأجور وبين صاحب النعمة على حساب الحقيقة. ومثل هذه المقالة الكثير من المقالات التي تكتب يوميا في الصحف الخليجية الصادرة خارج بلدانها.

واليوم ينتقل الراشد إلى أداة إعلامية مختلفة وخطيرة وهي قناة العربية الفضائية. ولو راقبنا طريقة أداء هذه القناة وأمثالها من أدوات التعبير الإعلامية والثقافة المرئية، لو راقبناها وفق منطق الإعلام والحقيقة الموضوعية وأردنا وزنها وفق هذا المنطق لبدت مؤسسة قمعية يتوجب مساءلة أصحابها ومقدمي برامجها لأنهم يقفون في خانة المعتدي على مشاعر وذوق وإحساس المتلقي والإستخفاف بذكائه وعقله إلى جانب تزييف الكثير من الحقائق.

أنت اليوم أيها الكاتب تقدم ضمن المؤسسة التي تبث من مقر الأم بي سي في دبي برامجك الإخبارية فيما مجمع القنوات يبث حفلات غنائية في بلاتو باذخ الصرف في الإضاءة والكاميرات والديكورات وتلتقط كاميرات الأستوديو مشاهد ضيوف الحفلات الذين يتكونون من لونين. دشاديش بيضاء وغتر حمراء على أمتداد عمق ميدان العدسة العريض للكاميرا. يغني مثلا مطرب العرب محمد عبده وينهض الذكور ويقابل كل ذكر صاحبه في كرسيه المجاور ويبدأون الرقص بحركات تخلو من البعد الجمالي والحس الإنساني فيما تختفي نساؤهم وراء جادورات سوداء ممنوع عليهن قيادة السيارة ويفضل ذكورهم أن تجلس (الحرمة) في المقعد الخلفي للسائق الباكستاني بدلا من تقود السيارة بنفسها!؟.

هذه الحادثة وحدها وطريقة عرض حفلات الغناء الذكورية ويقابلها حكاية القذافي والكوكا كولا تعبران عن مستوى الإعلام المتدني والقائم على زيف إفتراضي وتخلف واقعي للدفع بثروات الأمة نحو النهب الدولي والدفع بالأمة نحو الهاوية المؤكدة. وستدون هذه الحقائق ليس على رقم طينية بل على فضاء مادي سيبقى فضاء أسود لحقبة رديئة من الزمن.

إن نظام الأسد هو نظام قمعي منذ نشأ ومنذ نشأ معه حزب البعث العربي الإشتراكي. مثله مثل الأحزاب الشمولية. ونظامه مثل الأنظمة الشمولية. وهذا النظام هو جزء من مجموعة أنظمة في المنطقة عملية التطور الإجتماعي فيها بطيء نتيجة قمع الحريات فيها وهو يشبه كل الأنظمة وربما يتقدمها إجتماعيا ويلتقي معها سياسيا.

بشار الأسد شاب يتقن اللغة العربية وهو أفضل من كل قادة العرب تقريبا في إستيعابه للغتين العربية والإنكليزية. وأمامنا وأمامك أيها الكاتب زعماء وأمراء وقادة بعضهم لا يتقن حرف الجر وبعضهم لا يتقن القراءة أبعد من المرحلة تحت الإبتدائية وهو حقيقة وليس مجازاً. ولا يمكن موضوعيا لزعيم لا يتقن مهنة القراءة والكتابة أن يقود مجتمعا وأمة. ولذا فالكتابة عن الأمم والأنظمة يتطلب فتح العينين وليس فتح عين واحدة وإغماض الثانية.

لست مع نظام الأسد وأني لا أزور سوريا فقط لأنها نظام مخابراتي وربما لو زرتها سأعود من مطارها بسبب تخلف رجال الأمن والشرطة في علاقتهم بالمواطن. ومن المطارات وحدها يأتي القرار والإصلاح ومعرفة طبيعة الدولة وهذا شأن كل الأنظمة العربية وفي المقدمة منها الخليجية.

نحن نعيش في مجتمعات خاطئة quot;غلطquot; المواطن فيها هو الضحية. هذه المجتمعات وهذه الأنظمة كونت لنفسها مؤسسات (Make up) يطلق عليها القنوات الفضائية. ومنها المؤسسة الإخبارية التي تقف أنت على رأسها وهي (القناة العربية) هل تراقبها جيداً؟ وهل تدقق في مستوى أداء مقدمي برامجها؟ هل تتسم قناتك بالموضوعية في محاكمة الواقع؟ هل تضع في حساباتك مستقبل هذه الأجيال المسكينة الذاهبة نحو الجحيم؟ وهل تستطيع أن تغير في المسار؟ هل تعتقد ذلك أنك قادر على أن تتدخل في هذا المسار المرسوم والمتفق عليه ضمنا بين ذاتك وما يطلق عليه أصحاب النعمة؟

إن بشار الأسد ومعمر القذافي وصدام حسين وعلي عبد الله صالح وكل الرؤساء غير المطاح بهم بعد والذين هم على الطريق وهم نيام حيث سوف يدور الفلك عليهم لإستكمال اللعبة ومن ذات العراب!

هل تعرف أنهم لا يختلفون كثيراً عن أوباما وبوش وبلير وتاتشر وساركوزي وبريسكوني. بعض هؤلاء القادة هم أيضا ممثلون من الكوميديا السوداء تحركهم مصالح وإحتكارات وعمليات نهب دون أن يفكروا بعدد الضحايا التي تسقط. وهي فكرة الدكتاتور. فالدكتاتور شخص أرعن يحقق بعنجهية وغرور ومرض ما يدور في رأسه المخبول دون أن يفكر بعدد الضحايا التي تسقط في الطريق ولا يفكر في حجم الخراب الذي يتركه في المكان. وكل هؤلاء القادة من الغرب والعرب والأعراب المستعربين يقفون في مكان واحد. في واد سحيق واحد يسخرون من ضحاياهم ومن خراب الحياة.

هنا يحتم علينا هذا الواقع أن نكون نحن النخب المفترضة في موقع آخر مختلف تماما. مكان نظيف ليس فيه (وسخ). قد لا نتمكن من التغيير وأكيد لا نتمكن فالقلم والصورة ليست قذيفة هاون ولا هي كرة سلاح كيميائي. ولكنها الكلمة والصورة والثقافة هي سلاح ضمير الذي ينبغي معرفته. فالكتابة عن الواقع لا تقتضي فتح عين وإغماض ثانية. فالمجتمع العربي وأنظمته وواقعه المعاش ينبغي أن يتغير وأول التغيير هو الحرية الواعية الحقيقية وليست حرية الإستيراد التي يرسمها الغرب لنفسه ويقوم بتصديرها لمنطقتنا. والحرية وتطوير المجتمعات ينبغي عليك أن تناقشها لا أن تعمم سوادها كما في حفلات الذكور الهائلة المخيفة التي تنذر بالخوف وأنا أشاهدها فاصاب بحالة من الغثيان وأركن للنوم حتى أهرب من الكابوس الذي تبثه مؤسساتكم الإعلامية.

ينبغي للكاتب قبل أن يسافر في رأس الأسد، أن يرحل نحو الرؤوس الأخرى المركبة بطريقة عجيبة كما عليه أن يرحل في رؤوس أبناء الأمة (الغلابة) التي تهتف لتموت دون أن تعي ما حولها.

الأسد بشار ومن قبله والده حافظ ساروا في طريق خاطئ فبنوا أنظمتهم على أساس الخوف وليس على أساس الحرية وهما على خطأ. والأنظمة العربية الأخرى بنت وتبني أنظمتها على أساس الجهل وليس على أساس المعرفة وهي أيضا على خطأ.
والضحية في كل تلك الأنظمة هم المواطنون. كل المواطنين بغض النظر عن إنتماءاتهم الدينية والعرقية وبغض النظر عن مستوياتهم الإجتماعية. وإذا كانت تلك الأنظمة تحاول أن تزين واقعها عبر مؤسسات الإعلام فإن أدوات تلك المؤسسات تقف بالصف إلى جانبها وليس بالصف إلى جانب الضمير وإلى جانب الحقيقة الموضوعية.

لن أطالبك بتغيير المسار فهو مسار مرسوم. والذات وفق قوانين القدر الإغريقية تتحمل عبء الخطأ. بشار الأسد سار في طريق خاطئ والبدايات الخاطئة تقود بالضرورة إلى نتائج خاطئة. وهذا المسار هو مسار كل الأنظمة العربية بنسب مختلفة. والكاتب هو الآخر في مسار الخطأ ضمن أنظمة إعلام خطيرة لم يعد المنتمون إليها يلتزمون بميثاق شرف المهنة. لأن ميثاق شرف المهنة يقتضي الموضوعية في قراءة الواقع والتعبير عنه.

وعسى أن يتوقف مجمع الأم بي سي ومنه قناة العربية عن بث حفلات الغناء الذكورية المخيفة وإعطاء المرأة حرية تعريض شعرها للشمس كي ينمو الشعر صحياً وينمو العقل والجسد صحياً ونحن نعيش في بلدان مشمسة يتمناها الغرب. عند ذلك سنجد شرطة في مطارات الدول العربية يبتسمون للزائر ويدخل المواطن العربي إلى تلك البلدان العربية والإسلامية بأمان. وكل ذلك جزء من مسئولياتكم لأنكم تقفون على رأس مؤسسات أعلامية كرست وتكرس اليوم لواقع مرير آت إلى المنطقة.. وما يحصل اليوم ليس سوى شرارة الإنفجار بإتجاه الخراب وأنتم تتحملون جانبا كبيرا من المسئولية. وفي تقديري أن بشار الأسد وعبد الرحمن الراشد كلاهما على خطأ!

كاتب وإعلامي عراقي
مقيم في بريطانيا