سأبدأ مقالي بتأكيد عدم فهمي وتدخلي في السياسة وخوض الحديث فيها حتى مع نفسي، لأنها ببساطة ليست عملي الذي أسترزق منه، لا تهمني ولا تعنيني من بعيد ولا قريب، وليست من أولويات حياتي التي تنحصر في الحياة بكرامة وأمان وطمأنينة بال، وتوفير حياة مريجة لأبوي الذين أتكفل بهم، والحمد لله ذلك متوفر لنا في الدولة التي نعيش فيها كمغتربين (الحقيقة لم يجعلوننا يوما نحس بالغربة)، أدام الله عليهم نعمة الأمن والأمان (آمين). لكن القنوات الفضائية لا تنقل شئا سوى أخبار الدول العربية التي مرت فيها quot;الزعابيب العربيةquot;، ووالداي كبرا في السن ولا يتحركان خارج المنزل إلا للذهاب إلى المستشفيات والعيادات التخصصية حيث يعاني كلاهما من إنسداد في الشرايين، ولا بد من مراجعتهم الدورية لأخذ الدواء والعلاج، وليس أمامهم مايشغلهم سوى متابعة أحداث الساعة. والان حديث الساعة هو ما يحدث في سوريا، والذي يحدث فيها حدث في دول عربية أخرى، نفس الأحداث، بنفس السيناريو، لأبطال متعددين quot;رؤساء الدولquot; الذين لديهم شخصيات وعقليات مختلفة، كل له تفكيره وحساباته التي جعلته مازال حي يرزق كبن علي ومبارك، وآخر أصيب بجروح مازال يعالج منها كعبدالله صالح، وآخر توفى كالقذافي، لكن كان هناك نقطة واحدة إتفقوا عليها جميعا بإتفاق غير مكتوب ولا معلن، وهو إستعمال العنف مع المتظاهرين وتعذيبهم، ظنا منهم أنها هلوسة شعب مسطول، سرعان ماسيفيقون منها تحت تأثير القمع والإرهاب ولم يدركوا إلا متأخرا أن الأمر ليس بهذه البساطة وأن هناك حسابات أخرى لم يعملوا لها حسابا، وبالطبع هناك كومبارس لا بد منهم في أي فيلم، يقومون بأدوار صغيرة لكنها quot;هامةquot; وايضا هؤلاء الكومبارس إختلفت أدوارهم، لكن لعبوها بعناية فائقة وترتيب مسبق، فالمخرج بارع ويستحق الأوسكار. وعودة إلى سوريا، ما يحدث فيها حدث في دول أخرى كما سبق وذكرت، وكإن التاريخ يعيد نفسه، لكن المشكلة أن النظام مازال متمسكا بالكرسي، مستعملا جميع وسائل القمع والتعذيب والترهيب quot;كما تقول الأخبار والصحف والمجلاتquot;، مبيدا للمتظاهرين محاولا إخماد نيران الثورة التي لن تخمد حتى رحيله، نعم في البلاد التي مرت فيها quot;الزعابيب العربيةquot; ومنها بلدي، أصبح الأمن منعدم، والخروج من المنزل بعد المغرب يعد مغامرة ومخاطرة تعرضك للسرقة إن لم يكن القتل، والبعض يعزو ذلك إلى تورط النظام السابق وتحريضه للمواليين له لنشر الذعر والخوف وإنعدام الثقة في عهد ما بعد مبارك، كمذبحة بورسعيد التي آلمتنا وحتى الآن لا نصدق أن من فعل ذلك مصريين شربوا من نيل مصر وأكلوا من زرعها، فيهم نخوة وشهامة، تربوا على الدفاع عن الأرض والعرض، مهما كانت كمية الشر التي بداخلهم فالمصريين بالفطرة طيبين، ومهما كان الشخص بسيطا أو ضعيفا، بداخله بذرة تجعله لا يلجأ للعنف إلا مضطرا، ولم ارى وجه إضطرار في ما حدث، فمبارك لن يعود، فحالته الصحية لا تسمح، وفكرة التوريث إنتهت تماما، ومن يستمر في زعزعة الأمن يدافع عن قضية خاسرة بالتأكيد. وعودة ثانية لسوريا، أتساءل أحيانا وإن كان الأمر لا يعنيني، هل يتابع الرئيس السوري التلفزيون ويستمع لنشرات الأخبار، هل يتابع الإنترنت، هل يقرأ مايكتب على quot;الفيس بوكquot;، ويعرف ما يحدث في سوريا من قتل وقمع، هل إطلع على مصير أصدقائه الرؤساء السابقين، وأدرك أن العنف ليس هو طوق النجاة خاصة هذه المرة تحديدا، أحيانا أشك أنه على دراية وإطلاع على آخر المستجدات، لعل معاونيه قطعوا عنه الإرسال والإنترنت، ويبثون له قنوات خاصة يعرضون فيها ما يحب أن يشاهده، أو ما يحبون quot;همquot; أن يشاهده، لأنه وببساطة شديدة لو جمع الأخبار وحلل الأحداث، وعرف أن العالم تحكمه الآن المصالح الإقتصادية وبغض النظر عمن يدعمه حاليا، فالدنيا دوارة بدليل ما يحدث الآن، وأصدقاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم، وعليه أن يبحث عن وسيلة تنجيه هو وعائلته من مصير لا نعرف طبيعته تحديدا، لكنه بالأكيد لن يكون سارا، لأنه بالأكيد طال الزمن أم قصر quot;راحل لا محالةquot;.
- آخر تحديث :
التعليقات