كل الدلائل تشير الى ان العراق مقبل على ايام صعبة جدا ، قد لا يخرج منها سليما معافى كدولة واحدة ذات سيادة ، بل يتفكك وينقسم الى ثلاث دويلات او كونفدراليات مستقلة بحسب بعض المراقبين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين ، فالهوة تتباعد اكثر فاكثر بين الفرقاء السياسيين الاساسيين في الحكم وخاصة بين العدوين اللدودين ؛ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية اللتين تمثلان المكونين السني والشيعي ، والصراع بينهما يتصاعد يوما بعد اخر ويأخذ اشكالا عدة ، تارة يأخذ بعدا سياسيا والاخر طائفيا وتارة اخرى يأخذ بعدا امنيا ، وقد ابلى الجانبان في هذا المجال بلاء حسنا ، فمنذ ان قررت القائمة العراقية ان تشارك في العملية السياسية عام 2005بعد ان قاطعتها لسنتين واستطاعت في الانتخابات التشريعية عام 2010ان تحصل على المرتبة الاولى في عدد مقاعد البرلمانquot;91 مقعداquot; بينما جاءت دولة القانون بزعامة quot;المالكيquot;في المرتبة الثانيةquot;89 مقعداquot; ، الامر الذي شكل لها ولحلفائها في الداخل والخارج صدمة كبيرة ، فبدأوا بالتحرك سريعا نحو عقد تحالفات واتفاقات مع الفرقاء السياسيين وبخاصة الاحزاب الكردية والشيعية وعلى وجه الخصوص التيارالصدري الذي يملك 40 مقعدا في البرلمان العراقي للحؤول دون وصول القائمة السنية الى الحكم بأي طريقة ، ولم يمض كثير وقت حتى استطاعت ان تضمن ولاء الصدريين لها بمساعدة مباشرة من ايران مقابل اشراكهم في مناصب حساسة في الحكومة وكذلك عقدت اتفاقا مع الاكراد وافقت فيه على شروطهم الـquot; 19 quot;دون قيد اوشرط والتي لم ينفذ منها غير شرط واحد فقط لحد الان بحسب القادة الاكراد ، ولكي تبعد كتلة دولة القانون عن نفسها الشكوك في كونها قد قفزت الى الحكم بطرق سياسية ملتوية وخلافا لمقررات الدستور التي تقضي بتكليف الفائز في الانتخابات العامة الذي هو القائمة العراقية بتشكيل الحكومة ، ولكي تقطع الطريق امام وصول quot;البعبعquot; السني الى الحكم ، اتجهت نحو القضاء لتحصل منه على صك قانوني يجيز للكتلة الاكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة خلافا لنصوص الدستور التي تقضي بتشكيل الحكومة من قبل القائمة التي تفوز بأكبر اصوات المنتخبين ، وفور وصولها الى الحكم لولاية ثانية بدأت بالتخطيط لتقليم اظافر القائمة العراقية ، وذلك بابعادها عن مركز القرار السياسي وسحب المناصب المهمة منها كمجلس السياسات العليا الذي خصص وفق الاتفاق المبرم في مدينة اربيل لأيادعلاوي ولم تكتف بالاجراءات السياسية فحسب ، بل سعت لتصفية رموز العراقية واحدا بعد اخر بطرق متعددة ، ففيما كانت تصدر امرا قضائيا من مجلس القضاء الاعلى quot;المطيةquot;القانونيةquot; الجاهزة لدولة القانون في تحقيق مآربها السياسيةquot; باعتقال اكبر رموزها وهو نائب رئيس الجمهورية quot;طارق الهاشميquot;بحجة الارهاب ! وطردت قياديا بارزا ثانيا وهو نائب رئيس الوزراء quot;صالح المطلكquot; من وظيفته بتهمة وصفه رئيس الوزراء بـquot;الدكتاتور!quot;، واعدت للاخرquot;رافع العيساويquot; وزير المالية لائحة بتهم جاهزة تتعلق ايضا بالارهاب ، في سابقة خطيرة تنذر ببدء مرحلة جديدة من تكميم الافواه والحجر على الحريات ، وكأننا مازلنا في زمن النظام الاستبدادي السابق ولسنا في العراق الجديد الذي من المفترض فيه ان يكون نظامه ديمقراطيا يكفل للجميع حرية التعبير ...
ولم تمنع الاتفاقية الاستراتيجية التي تربط الاكراد بالتحالف الوطني ومحدودية تأثيرهم السياسي على قرارات بغداد بحكم بعدهم عنها وانشغالهم بادارة منطقتهم من ان تشن دولة القانون عليهم حربا اعلاميا شعواء وصلت الى حد اقالة رئيس اركان الجيش quot;الكرديquot;من منصبه والتفكير بقطع الميزانية المالية السنوية عن الاقليم ..
ولم تكتف دولة القانون بزعامةquot;المالكيquot; بالدخول في مواجهات مريرة مع القوى الداخلية المؤثرة ومحاولة الاستفراد بالحكم ، بل انضمت الى المنظومة السياسيةquot;الشيعيةquot;الاقليمية بزعامة ايران في صراعها مع الدول الاقليمية ، واخذت موقفا سياسيا معاديا منها على الاساس الطائفي والذي انعكس سلبا على مصالح العراق واضر بسياساته الخارجية كثيرا ..
فليس من مصلحة العراق في وضعه الهش الحالي ان يدخل في صراع اقليمي مع دولة مثل تركيا فقط لكونها دولة سنية وكذلك ليس من مصلحته ان يأخذ موقفا مؤيدا للنظام السوري القمعي المنبوذ عالميا ، لانه من الطائفة العلوية وكذلك لايمكنه ان يساند الانتفاضة البحرينية والثورة الحوثية في اليمن لنفس السبب ..فالعراق بمكوناته المتعددة وطبيعته الجوسياسية الفريدة من نوعها في المنطقة ، لايمكن ان يخضع لفكر خاص او دين محدد او طائفة وقومية معينة ، وقد جرب الاخرون غير دولة القانون حظهم ومارسوا كل انواع القمع التي تخطر على البال لارضاخ العراقيين ولكنهم فشلوا ، وستفشل دولة القانون ايضا ان استمرت على نهجها السياسي الحالي ..


[email protected]