أرض الوطن تعتبر مكاناً يجتمع فيها كل محطات عمر الانسان وقيمتها تكمن بجذورها وصلاتها الانسانية والاجتماعية والحياتية المرتبطة بالبيت والأسرة والمحلة والمدينة والمجتمع والشعب، وهذه الصلات تشكل سجلا تاريخيا للفرد وعنوانا للانتماء، والثالوث المقدس أرض الوطن والشعب والدولة ثوابت استدلالية على حضور المكان والانتماء والتاريخ.

وبجمع الوطن والشعب يتشكل وجود الكيان والحضور التاريخي، وحينما يزاح الوطن من الشعب او يزاح الشعب من الوطن يلغى الكيان ويزال التاريخ، والخوف أولا وأخيرا على الوطن لان بوجوده يولد الشعب وبغيابه يلغى الشعب، والخوف الموازي لهذه الحال هو تجريد الانسان من بيت وأرض لانتماء الوطن، وعندما يجرد الانسان هذا الكائن المشترك والرابط بين اركان الثالوث المقدس الوطن والشعب والدولة من بيته ومأواه ووطنه يفقد من اسرته ويزاح من وجوده كفرد من افراد الشعب، وعندما يتم تجريد الأنسان من بيته بافواج ومجاميع كبيرة يبدأ الشعب بالتناقص وسرعان ما يتحول الوطن الى مستعمرة خالية أو مكانا لمهاجرين من غير أصحابه.

هذا المشهد المخيف بدأ يلوح بالتشكيل على أرض كردستان العراق بفعل سياسات جائرة لرئيس الاقليم والحكومة والحزبين الحاكمين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وهذه السياسة اتسمت وتتسم بالخيانة الكبرى تجاه الشعب لأنها جعلت من أرض الإقليم بورصة تجارية لا مثيل لها في المنطقة تتبارى فيها الأثرياء والأغنياء الفاسدين المارقين من أرباب السلطة والحكم والتجارة والمال والاستثمار الفاحش لشراء وطن معروض للبيع للداني والقاصي، وتتصاعد فيها الأسعار بجنون رهيب بين ليلة وضحاها، والضحية لهذه العملية الشيطانية الشعب والمواطن، والشعب الكردستاني بات قريبا ليصبح شعبا بلا وطن ونسبة كبيرة من ابنائه باتوا بلا بيت وبلا وطن، وهذه الواقعة المرة بدأت بالتنامي في الإقليم قبل عقد من السنين بمستويات تصاعدية حتى وصل الأمر الى تفريغ الكرد من احساس الانتماء للوطن بفعل افعال واعمال السلطة الحاكمة، ونتيجة لهذا الواقع المؤلم بات الانسان الكردي أمام مصيرين لا ثالث لهما، اما التهجير من الوطن الى خارج الاقليم او الانتحار، ولو استمر الواقع على ما عليه سنشهد انتحارات فردية وجماعية بنسب تصاعدية كبيرة بين الكرد في المستقبل خاصة بين اوساط الفقراء والكادحين والمستضعفين، ومظاهر الحياة الباذخة والمترفة باعلى المستويات في الاقليم عند البعض تدفع بهذا الاتجاه بسبب تحول الأقلية المتسلطة الحاكمة الى طاغوت مستبد في التجارة والسطو على الاموال والممتلكات على حساب الكرد.

ولكي تكون صورة الوضع واضحة في الاقليم نبين ان الاسرة المتواضعة وخاصة الفقيرة التي لا تملك بيتا وتسكن بالايجار باتت من سابع المستحيلات عليها ان تحلم بتملك سكن لها بسب الارتفاع الجنوني لاسعار أراضي السكن والشقق والبيوت، والتصاعد الجنوني للأسعار لا يمكن تخيله باي شكل من الأشكال، وعلى سبيل التقدير يقدر الارتفاع بنسبة تتراوح بين الف بالمائة الى خمسة الاف بالمائة، وبفعل الاسعار الخيالية وصل الجشع لدى ارباب السلطة والمال والتجارة والقوة والنفوذ الى حدود لا توصف ولا يمكن تخيله وايجاد مثيل له على أرض المعمورة ولا في تاريخ البشرية ان لم أكن مبالغا في هذا الوصف، ولم تقف حدود هذا الجشع الخارق عند هؤلاء الفاسدين المارقين عند هذا الحد بل قاموا بسد جميع ابواب حقوق المواطنة على الأغلبية الكبيرة من المواطنين الكرد في الاقليم للحصول على قطعة أرض للايواء والسكن وتثبيت الانتماء، وبفعل سيطرة هؤلاء على العقارات والاراضي السكنية والزراعية والطبيعية والتجارة الخيالية بها فان الكرد صار شعبا بدون أرض، والوطن بوجوده المكاني لافراد الشعب لم يبقى له وجود، فسهول الزرع بُلعتْ وتلول البقاع سُرقتْ وحتى الجبال نُهبتْ.

وليس بخاف فان المسؤولية الأخلاقية لهذا الواقع المتأزم والمتسم بالجشع الشيطاني والفساد الرهيب في التجارة والعقارات والاموال تقع على كاهل الرئيسين جلال طالباني ومسعود برزاني مباشرة، لأنهما الحاكمين المطلقين في اقليم كردستان منذ عقدين من السنين، الاول في السليمانية وما ترتبط بها بعض اجزاء كركوك، والثاني في اربيل ودهوك، وهما زعيمان لحزبين حاكمين وراعيان لحاشية تقدر بالالوف من المسؤولين الموزعين بفترات دورية على كل المناصب والمواقع الحزبية والحكومية والبرلمانية والعسكرية والأهلية.

وهنا لا أخفي على الرئيسين طالباني وبرزاني خوفي من حاضر قاتم ومستقبل قادم بمعالم مجهولة لاقليم كردستان حتى وان تحول الى دولة منفصلة عن العراق ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي، لأن الكرد باتوا الان شعبا بلا وطن والانسان الكردي بنسبة كبيرة بات انسانا بلا بيت، فكيف بالمستقبل المجهول ان يحتضن كردستانا بكيان بلا أرض وبلا وطن.
واضافة الى هذا الخوف من الغد والمستقبل، لا أخفي احساسي بانني مواطن من الدرجة الثالثة او الرابعة في الاقليم، ولا أشك في ان أغلبية كبيرة من الكرد يملكون نفس الاحساس بسبب الفوارق الطبقية المتولدة في المجتمع بين أقلية تعيش في بروج قارونية وأغلبية تعيش نسبة كبيرة منها بمستويات قريبة للفقر وتحيا بلا أرض ولا وطن.

ولا أخفي أيضا اني لا أشعر ان أيا من الطالباني والبرزاني برئيس للشعب، خاصة رئيس الاقليم، فهو رئيس فقط للحزب وللعشيرة وللأثرياء والاغنياء والاقرباء والمحسوبين والمنسوبين والتجار والمقاولين والسياسيين والمنافقين والمتطفلين الفاسدين، ولا يشعر به رئيسا لمواطني الاقليم على السواء بدون تميز وتفرقة وتصنيف للمواطنة وعلى قدم المساواة للجميع، وأقول بصراحة وعن قلب جامد انه مطلقا ليس برئيس للفقراء والمحتاجين والمستضعفين وذوي الدخل المحدود والمؤجرين والكادحين والكسبة الذين يحصلون على قوتهم اليومي بمشقة الجسد والروح وفي وسط حياة وبيئة تعيش فيها بشر من الاخطبوط والتماسيح والحيتان من ارباب السلطة الحاكمة.

هذا الخوف من بيع الوطن صار حقيقة وواقعا، كيف لا والرئيس وارباب حكمه سمحوا ببيع الارض ومفردات الوطن للمسؤولين والأثرياء والمستثمرين المحتالين برخص التراب لجمع مئات الملايين والمليارات من الدولارات، وباعوا قوت وغذاء ودواء الشعب للتجار الفاسدين المارقين على حساب الصحة وسلامة الحياة، كيف لا وقد سمح الرئيس بظهور طبقة فاحشة ومارقة من أصحاب الرساميل الماردة الذين يعيشون في بروج عاتية وكأننا في عصر للفراعنة وليس في عصر للانسان والمواطنة والعدالة والمساواة.

ولا اخفي قولي ان الرئيس البرزاني طوال السنوات الماضية قدم ومازل يقدم الشعب الكردي قربانا للأثرياء والمستثمرين والأغنياء الفاسدين المارقين في مجالات العقارات والغذاء والدواء، وخاصة في مجال الاستثمار العقاري، وواقع الحال يقول انه من أجل الثروة والجاه والسلطة صنع من اقليم كوردستان كيانا بلا أرض لشعب هو من أقدم الشعوب على أرضه في التاريخ، و شتان بين من يعمل للشعب وللتاريخ وللآخرة ومن يعمل للقبيلة والنفس والدنيا.

في الختام لابد من القول، هيهات والف هيهات للفاسدين والمارقين وبئسا لهم ولكل حاكم ظالم جائر، ولابد أن يدرك ان هؤلاء المتطفلين والناهبين لأرض الوطن وقوت الشعب ان كانوا في اقليم كردستان او في العراق ان لا نهاية بالخير لهم لأنهم في آخر المطاف هم زائلون بالثورة عليهم والثورات باتت تطرق الأبواب وما البقاء الا لله وللشعب، وجلَّ قولُ الله سبحانَ وتعالى quot;فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِquot;، وبالرغم من تحفظي على كلمة الجهاد، لكن جاء في الحديث الشريف ان quot;أفضل جهاد كلمة حق عند سطان جائرquot;.

وخير ما أنهي كلامي هو قولي لرئيس الاقليم يا سيادة الرئيس ان والدكم المرحوم قد سخر كل حياته من أجل الكرد والوطن الكردستاني، وما نراه اليوم من بيع جائر للوطن وترابه وأرضه وسهوله وتلوله وجباله من قبل ارباب سلطتكم وتحت حكم الحزبين الحاكمين والاقرباء والاعوان والاتباع والمسؤولين ومن قبل الاثرياء الفاحشين والفاسدين، خيانة لا مثيل لها للشعب ولروح المرحوم ملا مصطفى ولارواح الشهداء الابرار الذين ضحوا بارواحهم من أجل كردستان، وهذا البيع لارض الوطن قتل جائر لأجيال الحاضر وابادة متعمدة للأجيال اللاحقة، لان الغد الاتي ليل داجي ولأن الاقليم بات اقليما للغد بلا وطن وبلا أرض وبلا بيت للكرد، والله من وراء القصد.

[email protected]