الانتخابات البرلمانية الإيرانية خامنئي وقلقه البالغ من التحدي الأمني


يوم الجمعة الموافق 2 آذار / مارس 2012 هو موعد اجراء الانتخابات التشريعية الإيرانية ولهذه الانتخابات أهمية بالغة بالنسبة للنظام الإيراني على كافة الاصعدة داخليا وإقليميا ودوليا وتأتي تلك الاهمية على الرغم من تظاهر النظام على الدوام بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي وتمتعه بقاعدة وشرعية شعبية, ورغم حاجة النظام الى اظهار صورا من المؤازرة الشعبية له امام العالم ليستعرض بها عوامل الشرعية والقوة الشكلية التي لا تتجاوز كونها امرا سطحيا قشريا..نجده اي النظام هذه المرة اكثر قلقا من سابقتها من الوضع الاجتماعي الذي ينعكس كثيرا في صحفه وفي أوساطه السياسية حيث صار أمراً يومياً وبديهياً وقلقا في محله.

تفيد التقارير الواردة من مصادر داخل النظام بأنه منذ اندلاع انتفاضة الشعب الإيراني لعام 2009 حيث دخل الملايين الساحة وتظاهروا في الشوارع وطالبوا بوضوح تام بإسقاط النظام بأكمله, تفيد بأن القلق الرئيس للسلطات العليا وكبار مسئولي النظام بمن فيهم خامنئي نفسه هو خوفهم من تكرار الاحتجاجات الجماهيرية مثل التي وقعت في انتفاضة عام 2009 حيث يبذلون في اروقة النظام كل جهدهم للتخطيط للحيلولة دون وقوعها خشية ان يهوي بهم عرش السلطة بعد التغيرات الحاصلة بالمنطقة .. فقد حذر خامنئي المرشد الاعلى للنظام وولي الفقيه في أواسط تشرين الأول / أكتوبر2011أي حوالي 6أشهر قبل إجراء الانتخابات حذر قائلا: laquo;إن الانتخابات تحد سياسي للنظام ولكن لايجب أن يكون تحديا أمنيا للنظام إطلاقاraquo;. ويعني هذا التحذير بهذه الفترة بأن التحدي الأمني سيبدد كافة مساعي ومراهنات النظام الدعائية والسياسية خلال السنتين الأخيرتين., ويتعاظم قلق ورعب الخامنئي بعد تصاعد وتيرة الربيع الديمقراطي العربي في تونس ومصر وليبيا وأهمها تلك الجارية في سوريا, ويحاول النظام بكل جهده التحايل والتظاهر بالاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي مشيرا بأن الربيع العربي لا يعني laquo;إسقاط النظام في ايرانraquo; او انه امرأ يهددها, بل على العكس فالربيع العربي هو نتيجة منطقية للثورة السلامية التي حدثت بإيران قبل ثلاثة عقود وجاء ثورة التغيير العربي متأثرة بها, ويعتبر هذا الربيع احد انجازات النظام لهذه العقود الثلاثة وأن ما حدث في إيران خلال السنوات الأخيرة كانت مؤامرة خارجية فحسب وفد تم حبكها ضد نظام الولي الفقيه الشرعي! والشعبي! في إيران. جاء ذلك بينما أكدت كافة سلطات النظام مرارا وتكرارا خلال هذه الفترة بأن النظام باكمله وصل إلى حد السقوط في الانتخابات الرئاسية عام 2009 (وتفيد الأخبار بأن الحرس الثوري أعد خطة إخراج خامنئي من الساحة) وهناك كثيرون من الاوساط الرسمية للنظام يعتبرون الربيع العربي استمراراً للإنتفاضة الإيرانية ومتأثراً كليا بها.

والحقيقة هي أن الأوضاع السياسية والاجتماعية عشية إجراء الانتخابات البرلمانية في إيران كانت أكثر تأزما وتفاقما من فترة الانتخابات الرئاسية السابقة وهذا هو سبب قلق خامنئي وسلطات النظام.



العزلة الداخلية الساحقة

تشير استطلاعات أجرتها وزارة المخابرات الإيرانية (وزارة الاطلاعات الإيرانية) عدة مرات خلال الأشهر الماضية بأن نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات تنخفض يوما بعد يوم حيث قدرت في استطلاعاتها الأولى التي قدمت نتائجها إلى مكتب علي خامنئي ان نسبة المشاركة بين 20% إلى 25% لكنها في الاستطلاع الأخير الذي أجري قبل شهرين أي في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي, كان أقل من 20% من الناخبين ينوون المشاركة في الانتخابات وهذا حسب تقدير مسؤولي وزارة المخابرات الإيرانية وإقرارا منها بانه أدنى مستوى للمشاركة في تاريخ الانتخابات التي تم إجراؤها في تاريخ هذا النظام.، وبالطبع ووفقا للحقائق المجربة فإن النسبة الحقيقية منخفضة كثيراً عن هذا الحد اي حد تقدير وزارة الاطلاعات فعادة النظام التي درج عليها هي عادة الاحتيال وتزييف الحقائق والعيش في منظومة كاملة متكاملة من الكذب والخداع .، فمسألة إختلاق الأرقام في الانتخابات ليس أمراً جديداً في هذا النظام وقد كانت عملية تزوير الانتخابات الرئاسية وإختلاق أرقام فلكية قبل عامين هي موضوع الخلاف الرئيسي.، وأخيرا ظهر خامنئي الى الساحة خوفا من هذا الانعزال الاجتماعي وكذلك تمهيدا للتزويرات الفلكية القادمة وخمن قائلا: laquo;إن شاء الله نسبة المشاركة في الانتخابات ستكون عالية جداًraquo;. تخمين خامنئي هذا يذكرنا بتخمينه في الانتخابات الرئاسية حيث كان قد قال: laquo;... لابد من مشاركة 40مليون في الانتخابات ...raquo; وفي النهاية أعلنوا عدد المشاركين 42مليون, الأمر الذي أشعل فتيل إندلاع الانتفاضات عام 2009 بسبب قيامهم بالتزوير وعرضه لارقام فلكية مزورة لا يحتملها منطق العقل السليم المحايد, هذا وقد إعترفت الإذاعة والتلفاز والسلطات وأئمة الجمع للنظام أن ملايين المتظاهرين الذين كانوا يهتفون بشعار إسقاط النظام في الشوارع لم يشاركوا في الانتخابات اطلاقاً.

ويفيد تقرير وارد من داخل النظام بأن تخمين وزارة المخابرات الإيرانية يقول: rdquo; ... نتيجة دراسة أحداث عام 2009 تفيد بأن مقاطعة الانتخابات في المدن الكبرى أمرا محتما ونسبة المشاركة في هذه المدن ستكون أقل من 10% ولابد من وضع حيلة لذلك ... ldquo;. وهذا يعني نظراً إلى تواجد غالبية الناخبين في المدن الكبرى كـ (طهران, مشهد, تبريز, اصفهان, شيراز و...), لابد من إعداد هندسة لإعلان النتائج وإدارتها من جهة ومن جهة أخرى rdquo;لابد من الحيلولة دون تشكيل أي تظاهرات وإعلان المعارضة العلنية والخروج على النظام من خلال وضع العديد من الإجراءات الأمنية الإستباقية كالاعتقالات الواسعة النطاق والتخطيط لزج قوات البسيج والحرس الثوري والقوات المتنكرة بالزي المدني التابعة لوزارة المخابرات بميدان المواجهة مع الشعب .. وفي هذا الإطار .. تم توجيه كافة القادة الأمنيين في أنحاء البلد خلال جلسات عدة تم عقدها من قبل وزارة المخابرات والحرس الثوري بأنه لابد من الحيلولة دون حدوث أي إظهار للمعارضة العلنية مهما كلف الثمن, لأن ثمن ذلك إن حدث هو أكبر بكثير مما حدث قبل سنتين وسيبدد كافة محاولات ومخططات النظام في هاتين السنتين ... ldquo;.

تفيد تقارير موثوقة واردة من داخل النظام بأن خامنئي وأعضاء مكتبه (الذين يعملون كحكومة فعلية تحكم إيران وهي سلطة تتعاطى بفوقية على الحكومة الرسمية التي يرأسها احمدي نجاد) تفيد الدراسة بانهم منشغلين منذ عامين بدراسة وتصميم وتخطيط لمعالجة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية الشاملة التي حاصرت النظام, ويعتبرون أن هذه الانتخابات من أهم rdquo;العقباتldquo; التي من شأنها تهديد وجود النظام أو rdquo;من شأنها أن تقطع أنفاس النظامldquo; حسب قولهم.

وفيما يلي المحاور العامة لمنهج خامنئي:

1. القمع السافر واستعراض القة والغضبrlm;: استنتج قادة الأجهزة الأمنية للنظام ومن خلال تجاربهم ومن تجارب المنطقة وما جرى ويجري فيها بان الانتفاضة التي حدثت قبل عامين في إيرانrdquo;لابد من تَلافيها وتلافي كافة الاحتجاجات قبل حدوثها واستفحالها, وثمن هذا الإجراء أقل من ثمن القمع اللاحق بعد قيامهاldquo; وعلى أساس هذا الاستنتاج تم إعداد خطة موقوتة شاملة من قبل وزارة المخابرات وفيلق الحرس الثوري صادق عليها خامنئي حيث قرروا أن يعتقلوا كافة الناشطين السياسيين الذين يتمكنون من إثارة الحركات الاحتجاجية فترة إجراء الانتخابات, والبدء بحملات الإعدام من جديد إما في الشوارع وأما في السجون شرط أن تنشر أخبارها في نطاق واسع لأثارة الرعب والخوف في المجتمع. وفي هذا الإطار تم إعدام حوالي 50 شخصا في السجون المختلفة خلال الشهر الماضي فقط وتحت شتى التهم والعناوين بما فيها تهريب المخدرات وقد اعلن مسئولو السلطة القضائية أخبار ذلك في الإذاعة والتلفاز والصحف. كذلك فان عدد لا يُستهان به من السجناء السياسيين الإيرانيين الذين حكم على بعضهم وكانوا يمضون فترة عقوباتهم تمت محاكمتهم من جديد وحكم عليهم بالإعدام وحكم على البعض بالسجن المؤبد.

2. قمع المعارضة: كذلك استنتجت زمرة مكتب علي خامنئي ضرورة تكثيف ممارسة القمع العلني في الداخل وذلك على اعتاب الانتخابات التشريعية و تصعيد الأزمات الداخلية لها وانه لا مناص عن ذلك خاصة في ظل الاوضاع المأساوية الجارية حيث ان انتفاضة الشعب السوري قد قرعت أجراس الخطر، وتتوالى الأزمات المترتبة على الحصار الاقتصادي والتي ضاعفت أسعار العملة بالمقارنة بما كانت عليه قبل الشهر المنصرم...وهنا يعتمد النظام الايراني لاجل بقائه على ركيزتين، الاولى هي الحصول على القنبلة النووية التي يجب أن تدرس في مجال آخر، و الاخرى وهي القضاء على المعارضة الرئيسة له أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وعمودها الفقري منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.. وينفذ النظام الايراني ذلك في العراق عبر عملائه وممارسة الضغط و تشديد حصار خانق على مخيم أشرف عناصر منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة لاكثر من ثلاث سنوات وجار حتى اليوم ويمارس ضغط اجراميا لنقلهم الى مخيم ليبرتي وهو سجن تمهد السلطات العراقية لاستدراج الامم المتحدة والشرعية الدولية الى القبول به تحت مسمى مقر بديل مؤقت لسكان اشرف وقد كان من المتفق عليه ان مساحة مخيم ليبرتي 40كم مربع مجهزة لاستقبال سكان اشرف البالغ عددهم ثلاثة الاف واربعمائة انسان منهم الف امرأة و اصبحت المساحة 400 اربعمائة متر مربع وهي مساحة لا تكفي لسجن 100شخص وتستمر الحكومة العراقية وضع العراقيل المتتالية امام الحل السلمي لقضية اشرف رافضة كل المساعي الدولية منتهكة لكل القيم والقوانين والاعراف.


3. ترتيب أزمات سياسية واختلاق أعداء خارجيا واستعراض العضلات إقليميا والقيام بدعايات واسعة النطاق حولها لغرض احراف الرَأي العام عن الأزمات الداخلية و... مثلما فعلوا عند إحتلال سفارة بريطانيا حيث تم تخطيط شامل لذلك,, ولكن وبسبب الانفعال السريع للغرب انسحب أعوان خامنئي مؤقتا وتكتيكيا. أو كدعاياته الواسعة النطاق حول إغلاق مضيق هرمز حيث حاول أن يحوله إلى قضية وطنية ويحشد قواته حوله, وفي هذا المجال أيضا بسبب انفعال الغرب وبلدان المنطقة انسحب مؤقتا وتكتيكيا ولم تنته مسألة احتلال السفارة ولا الدعايات حول إغلاق مضيق هرمز حيث وخلافا للسياق السنوي الثابت لقوة البحرية التابعة للنظام التي تقيم مناورة واحدة في كل سنة, هذا العام وبعد إقامتها هذه المناورة في مضيق هرمز أعلنت خططاً لإقامة مناورة أخرى في شباط / فبراير أي قبيل الانتخابات وقد خططوا لذلك لشحن الأجواء وخلق دعايات للإستخدام الداخلي واللعب على عواطف البسطاء من ابناء الشعب وخلق خطابات نارية جديدة خلال فترة إجراء الانتخابات المبرمجة.


الحقيقة هي أن هذا النظام ومنذ بداية أمر مؤسسه الأصلي أي الخميني عندما لا يتمكن من مواجهة الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق داخل البلد يلجأ إلى إختلاق أزمة في الخارج أو تصدير أزماته من الدخل إلى الخارج, ولا تزال في الاذهان مسألة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران حيث كانت متزامنا مع الاحتجاج الاجتماعي الواسع على دستور الولي الفقيه فما كان من نظام الخميني الا أن افتعل ازمة الرهائن للخروج من ازمته, كذلك كانت مسألة الكاتب البريطاني الهندي الاصل سلمان رشدي كانت قد طُرحت مباشرة عقب تجرع خميني لكأس السم عند قبوله بوقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية. وبالطبع فان خامنئي وهو المرجع الوحيد الذي يدافع بشدة عن فكرة rdquo;البقاء على تقليد الميت والتقلد بهldquo; يتابع درب سلفه ولننتظر حتى نرى - كما جاء في المثل فارسي - أي أزمة ستخرج rdquo;من جعبة الحاوي للولاية الفقيهldquo;وهذا هو اكبر نظام ازمات في المنطقة والعالم . ولهذا لابد للجميع لاسيما دول المنطقة أن يكونوا على حذر من أن تصل الأزمة الداخلية للنظام الإيراني عشية الانتخابات إلى بلدانهم.

وتشمل خطط الولي الفقيه أجزاء داخلية للنظام وإبعاد أجنحة مختلفة له وهي ليست موضوع هذه المقالة وسوف نتطرق إليها في مقالة أخرى إن شاء الله على أمل ان لا تكون المنطقة حطاما تحت اقدام نظام طهران.