عاطف العزي
من كان يتصور فى يوم من الأيام أن يجلس أخوتنا الأكراد العراقيون فى قارب واحد مع أعدى أعدائهم من البعثيين؟ لم أتفاجأ بمجريات الحوادث خلال اليوم والأيام القليلة الماضية، لسبب واحد هو ان هدف أغلب قادة أكراد الشمال هو الانفصال عن العراق فى أقرب فرصة ممكنة، والبعض يقول أن السيد مسعود البرزاني قد يعلن انفصال اقليم كردستان عن الوطن الأم العراق فى عيد نوروز. إن ركب السيد مسعود رأسه وفعلها، فانه سيفتح ابواب جهنم على شعبنا الكردي فى العراق، ويدخل منطقة الشرق الأوسط فى معارك ونزاعات لا تبقى ولا تذر حتى وان وافقت الحكومة العراقية على هذا الانفصال.
بعد دخول الأمريكان الى بغداد فى نيسان/ابريل 2003 وسقوط البعث وقائده الى غير رجعة بدأ الناس فى التحدث عمن يكون مؤهلا لقيادة العراق الجديد، وفى جلسة عائلية انبرى قريب لى قائلا : لا يهم من يكون ولكننا نريد انسانا مخلصا للعراق حتى ولو كان مسعود البارزاني. ساد الهدوء لحظة ابدى الحاضرون بكل حماس موافقتهم على هذا الرأي. وسكت على مضض، وأغمضت عيني ولم أعد أسمع نقاش الآخرين، واستعرضت فى ذهنى الحروب بين الحكومات العراقية المتعاقبة والأكراد فى الشمال العراقي، والضحايا المهولة التى قدمها الطرفان منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. وقرأت اليوم 20/3/2012 مصادفة مقالة للكاتب الكردي خسرو ئاكره يي فى جريدة صوت العراق ذكر فيها هذه العبارة : ( (ان القضية الكوردية والتي هي من القضايا الرئيسية في منطقة الشرق الاوسط نسبة الى كثافة امة محتلة ووطن محتل معروفة المعالم من مواقف المحتلين لها من الانظمة الشوفينية العربية الفارسية والتركية، وان مسالة الاعتماد عليهم في الاقرار بحقوقنا تعد من الاحلام، والذي يؤسف له هو عدد الضحايا التي تقدمها هذه الامة دون ان تحرز النصر على الاعداء عليه ارى من الضروري دراسة الاسباب ثم اتخاذ القرار المناسب في كيفية التعامل مع قضية لا يمكن القبول بها وهي تمتص من دماء ابنائنا والى متى ؟)). اجد ان الكاتب الفاضل قد أصاب كبد الحقيقة، فنظرة واحدة الى عدد الأكراد العراقيين الذين غادروا العراق بسبب الحروب الطاحنة تؤيد ما ذكره الكاتب.
فى عام 1935 اضطرت الحكومة العراقية الى نفي الراحل الملا مصطفى البارزاني والد السيد مسعود من مدينة اربيل الى مدينة السليمانية التى فر منها فى عام 1942 الى ايران ليشارك فى عصيان كردي جديد بدعم من الاتحاد السوفييتى، ونجح الأكراد فى اقامة جمهورية لهم فى عام 1945 فى مهاباد/ايران وتولى الملا رئاسة اركان جيش جمهورية مهاباد التى انتهت بعد 11 شهرا من قيامها حينما انسحب الجيش السوفييتي من ايران. لجأ الملا الى الاتحاد السوفييتى الى ان قامت ثورة 14 تموز 1958 العراقية فدعاه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم للعودة الى العراق. وأذكر جيدا الاحتفالات التى أقيمت لتكريمه. وفى حفلة من الحفلات وعندما بدأ الحاضرون بالتصفيق والهتاف له قال لهم حرفيا (التصفيق والهتاف يجب أن يكون للزعيم وحده). ولم تمر على تلك الاحتفالات الا أشهر معدودات حتى غدر بالزعيم وأعلن عصيانه عليه من أربيل فى عام 1961، وسافر الى القاهرة يطلب العون من عبد الناصر الذى زوده باذاعة باللغة الكردية وبعض المال نكاية بالزعيم. أرسل الزعيم حملة عسكرية واستمرت المعارك الى ما بعد اغتيال الزعيم، فاتفق عبد السلام عارف مع الملا وتوقف القتال، وأعلن عن اتفاق بين الطرفين فى عام 1964، الذى نسف بعد فترة قصيرة وتجدد القتال، واضطرت الحكومة البعثية الى توقيع اتفاقية جديدة فى عام 1970 ألغيت فى عام 1974 بعد ان توقف شاه ايران عن دعمه للأكراد اثر توقيعه على اتفاقية الجزائر مع صدام حسين والتى تنازلت فيه الحكومة العراقية عن شط العرب وعن المطالبة بالأحواز بمبادرة امريكية جزائرية، وفر الملا الى الاتحاد السوفييتي. توفى الملا مصطفى فى عام 1979 وخلفه ابنه مسعود حسب القاعدة المتبعة فى معظم بلدان الشرق الأوسط من حصر الحكم فى عائلة واحدة. وفى عام 1980 الغى صدام حسين الاتفاقية مع بدء الحرب العراقية الايرانية، وعادت المعارك لتحصد الأرواح من الأكراد والعرب، وكان ما كان من ضرب حلبجة بالغازات السامة، والتى قتل فيها آلاف المدنيين الأكراد العزل.
وبعد حرب الخليج الثانية سنة 1991 حددت الأمم المتحدة منطقة آمنة شمال خط عرض 36 للأكراد، وكانت الأمم المتحدة قد فرضت الحصار على العراق عند احتلاله للكويت، وقام صدام بانشاء طريق لتهريب النفط عبر الأراضى التى يسيطر عليها الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود ومشاركة أفراد من عائلته الذين كانوا يكسبون ملايين الدولارات اسبوعيا نتيجة للضرائب التى فرضوها على النفط المهرب، وقد ادى ذلك الى الخصام مع حزب الطالباني (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وكانت النتيجة انحياز الطالباني الى ايران والبارزاني الى صدام. وفى عام 1996 اتفق مسعود مع صدام حسين ودخلت قوات من الحرس الجمهوري الى الاقليم واعتقلت العراقيين اللاجئين فيه مقابل قيام قوات صدام بطرد طالباني من الاقليم، وهاجم البارزاني محافظة أربيل مقر الطالباني وقُتل المئات من شباب المنطقة. وفى عام 1998 شن البارزاني حربا شعواء على حزب العمال الكردستاني وضاعت أرواح الآلاف من ابناء كردستان نتيجة للخلافات السياسية السلطوية المادية. واستمر النزاع الى ان نشبت حرب الخليج الثالثة فى 20/3/2003 وانضم الأكراد الى الأمريكيين واحتلت قوات (البشمركه) عدة مدن فى شمال العراق.
هذا هو تأريخ الرئيس مسعود البارزاني الذى تهجم قبل ايام على الحكومة الاتحادية التى تضم 5 وزراء من كردستان ويرأس الدولة فخامة الرئيس الطالباني الكوردي!!. الذى تحدث عن أخلاق الكرد التى لا تسمح له بتسليم متهم مطلوب قضائيا بحجة أن المتهم (الهاشمي) ضيفا عنده!. وتفلسف قائلا : ان قضية الهاشمي مقسمة الى جزئين قانوني وسياسي وهو لا يتدخل فى القانوني وطلب من الكتل السياسية حل القضية سياسيا!. ألا يشكل عدم تسليم متهم خرقا للقانون؟ فى البداية قالوا أن القضية سياسية ثم عادوا وقالوا انها قانونية!. وتشجع الهاشمي نتيجة لحماية مسعود له وصرح قائلا: ان المشكلة لن تحل بمغادرة الهاشمي ارض العراق بعد أن أصبح رمزا وطنيا للمظلومية التى يتعرض لها الملايين من شعبنا الصابر!!. وكما يقول اخواننا المصريون (يا عينى يا عيني)، الآن أصبح الهاشمي رمزا وطنيا.
إذا كانت الحكومة الاتحادية فاسدة لا تثقون بها ورئيس الوزراء دكتاتور فلماذا تصرون على المطالبة بالمشاركة فيها؟؟ للأكراد 5 وزراء فى الحكومة الحالية و53 نائبا فى البرلمان، وللقائمة العراقية 7 وزراء و91 نائبا، ألا يدل هذا على وجود شراكة وطنية؟ إن السيد البارزاني يدرك جيدا أن تصرفات القائمة العراقية هى السبب الأكبر فى عرقلة أعمال الحكومة، همهم وشاغلهم الوحيد هو حصولهم على الحكم بأي ثمن ولو كان ذلك يؤخر اعادة اعمار العراق. وهو يدرك جيدا لو كانت الأمور بيد القائمة العراقية لعاملوهم كما كان يعاملهم صدام حسين، وهذا ليس بغريب على من كان من حاشية صدام والمقربين منه من البعثيين الذين يدعون التوبة حاليا. قبل فترة قال الدكتور علاوي أنه لا يمانع من التعاون مع الائتلاف الوطني إذا ما تخلى عن المالكي، واليوم يقول البارزاني انه لا يمانع من التعاون مع مقتدى الصدر وعمار الحكيم، ومقصد الاثنين (البارزاني وعلاوي) هو دق اسفين بين المالكي من جهة والصدر والحكيم من جهة أخرى واثارة الخلافات بينهم ليسهل عليهم اسقاط كتلتهم. اللعبة هذه مكشوفة حتى للأطفال. إلعبو غيرها.
ومن التصرفات المضحكة للدكتور علاوي أنه احتج قبل مدة على المالكي لعدم تخصيص حماية كافية لقادة قائمته، فلما أرسل المالكي الحماية قال علاوي ان دبابات المالكي تحاصر مقرات القائمة! عندما غضب المالكي من بشار الأسد الذى يحمى البعثيين العراقيين قال علاوي ان المالكي يعادى الدول العربية، ولما قال المالكي ان العراق لا يريد التدخل فى الأحداث فى سورية قال علاوي أن المالكي ضد الشعب السوري! انتقد علاوي المالكي لعدم تسليح الجيش العراقي تسليحا جيدا فقام المالكي بعقد صفقة طائرات مقاتلة حديثة من أمريكا، فقال علاوي أنه يبذر أموال البلد، وقال البارزاني أنه يريد مهاجمة كردستان! وانتقدت القائمة العراقية المالكي على عدد الجنود فى الجيش العراقي الذى زاد على المليون وهم يعرفون جيدا أن ذلك قد امتص البطالة وأوجد مجالا للرزق لمئات الآلاف من العاطلين، لحين توفر الأعمال لهم. وهناك وقائع كثيرة مثل هذه لا يتسع المجال لذكرها ولا ريب فى أن القراء يعرفونها جيدا. والمطلك الذى رفع المالكي عنه الحضر فى ترشيح نفسه لعضوية البرلمان بسبب انتمائه لحزب البعث المقبور وعلاقته الشخصية بالعائلة الحاكمة السابقة يكافىء المالكي باتهامه بأنه يخرب ولا يعمر وانه يحتفظ لنفسه بعدة وزارات مما يؤخر تقدم البلد!!. إن كتلته تريد أن تفرض أشخاصا معينين على المالكي ممن يشك فى اخلاصهم ومن حقه الدستوري أن يرفض ذلك، فعين وزراء بالوكالة يقومون بواجبات الوزراء الذين لم يتفق على استيزارهم، فما الضرر فى ذلك؟
المالكي بشر لا يمكن أن تخلو أعماله من أخطاء فكان على المعارضين تنبيهه والتعاون معه من أجل مصلحة البلد المدمر، وكان عليهم تشكيل جبهة معارضة فى البرلمان لمراقبة أعمال الحكومة، بدلا من المطالبة بمجلس السياسات ليكون رئيسه الفخري علاوي، الذى لا يجد الوقت لحضور مجلس البرلمان لكثرة تنقله جوا بين بغداد واربيل وانقرة وواشنطن والرياض ولندن يستجدى المساعدة على اسقاط المالكي ولا يستطيع الصبر حتى الانتخابات المقبلة.
- آخر تحديث :
التعليقات