رتبط الشعب القبطي والمصري بالبابا شنودة الثالث ارتباطاً يفوق الوصف ولم لا ونحن جيل السبعينات وحتي جيل الستينات وما بعدنا، أي ما يقارب ثمانين في المئة من الشعب، لم نعرف بابا أخر طيلة حياتنا غير قداسة البابا شنودة الثالث، لقد نشأنا ونحن صغار علي شرائط عظات البابا شنودة وفي مرحلة الصبا علي كتب قداسة البابا شنودة، وفي شبابنا كنا نحرص علي متابعة اجتماعات قداسته يوم الأربعاء في القاهرة والأحد في الإسكندرية ثم جاء عصر الأنترنت فكنا نلهث وراء تصريحات البابا او لقاءاته المصورة القديمة والحديثة ومقالاته وعظاتة نتجرع منها المعرفة ونتعلم منه ومن حنكته وهدوئه لقد سيطر بحبه علي قلوبنا وعقولنا وصار حبه يجري في عروقنا، لم يكن فقط بابا لكرسي ما مرقس بل كان أبا لكل واحد فينا، ومعلما وقدوة لنا ليس كأقباط بل كمصريين اقباطا ومسلمين.

كان وديعا حكيما هادئا، لم يرد يوما علي اساءة وجهت له من أي شخص، كان دائما يقول quot;ربنا موجودquot; quot; مسيرها تنتهيquot; quot;الذي يهرب من الضيقة يهرب من اللهquot;، كان أسدا في الحق فهو الذي وقف أمام السادات بكل جبروته عندما أراد تطبيق الشريعة وهو الذي وقف كالأسد عندما حاول السادات إصدار قانون للأحوال الشخصية يطبق علي المسيحيين بما يخالف تعاليم الكتاب المقدس.

هناك اشخاص اعطاهم الكرسي كرامة ربما لا يستحقونها، أما البابا فقد أضاف كرامة لكرسي البابوية لم تكن من قبل، فأصبح رمزا من رموز الوطن بمواقفه وثقافته وشجاعته وصراحته، ومحبته لكل المصريين.

تعددت مواهبه وقدراته فيوصف بالضابط والصحفي والشاعر والمفكر والفيلسوف والراهب والناسك وأسقف التعليم وبابا الإسكندرية وذهبي الفم ومعلم الاجيال وغيرها من الالقاب التي تكفي واحدة منها لتجعل صاحبها من عظماء الوطن، فكم لو اجتمعت كلها في شخصية واحدة.

قاد الكنيسة في وقت صعب بدءاً بعصر السادات والذي بدأه بالتحالف مع الإخوان المسلمين، فكان عصر قاسي علي الكنيسة والأقباط والليبراليين واليساريين، ثم جاء عصر مبارك بكل ما يحمله من خبث ودهاء، تحمل قرار السادات بتحديد أقامته في الدير وتحمل إذلال مبارك له وتركه إياه في الدير بعيدا عن كرسية لمدة 39 شهرا، وعندما خرج رد علي من كان يقول أننا كنا هناك لحراستك وتأمينك في الدير بعبارة ولا أجمل عندما قال، حراستي تتبعني حيثما أذهب أما الحراسة عليه هي التي تمنعي من مغادرة مكاني.
رحل البابا عنا وغابت شمس الحب التي كانت تدفئ قلوب المصريين وشمس المعرفة التي كانت تنير لنا الطريق وشمس الحكمة التي كانت تطمئن سفينة الوطن، ورحل رُمانة ميزان السلام الاجتماعي لمصر.

ورغم حزننا الشديد علي رحيله إلا أننا لسنا بالقلقين لأننا نؤمن أن من يرعي الكنيسة وشعب الكنيسة هو الله الذي لايموت، وما البابا إلا أداة من أدوات الله أستخدمها في الوقت المناسب، وجاء الدور ليتسريح من ألامه واتعابة ليخلد للراحة الأبدية حيث لا اوجاع ولا ألم ولا أنين ليكون امينا علي الكثير بعدما كان أمينا علي القليل، وسيأتي الله بشخص أخر وأداة أخري من ادواته ليتسلم المسئوليه ويعمل الله من خلاله ليقود كنيسته وشعبه، البابا رحل وكلنا سنرحل ونترك هذا العالم وستبقي الكنيسة لأنها في يد إلهاً أبديا أزليا قديرا.